مرّت بالأمة الإسلامية وقائع وأحداث، كانت ترجو منها خيرا عميما، وعوّلت على بعضها كثيرا في تحقيق بعض أحلامها وأمنياتها، من تلك الوقائع واقعة غزو أمريكا لأفغانستان وإسقاط دولة طالبان عام 2001. حينما حشدت أمريكا ومن معها من دول التحالف قواتها العسكرية لغزو أفغانستان، شاعت أجواء التفاؤل الغامرة في أوساط عامة المسلمين، ثقة منهم بأنّ حركة طالبان قادرة على مواجهة الأمريكان ومن معهم، مع جنوح الخيال إلى أنّ أفغانستان ستكون مقبرة لهم ولجحافل قواتهم، كما كانت للروس من قبل. قبل الغزو بيومين، استمعت إلى أحد قياديي القاعدة الكبار (أبو حفص الموريتاني – محفوط ولد الوالد) عبر قناة الجزيرة وهو يتوعد الأمريكان، ويشير إلى أنّهم والطالبان قد أعدوا العدة وأنّهم ينتظرون النصر من الله، وكان ما كان من إسقاط دولة طالبان، الأمر الذي أحدث ردة فعل عكسية، أجهضت الآمال العريضة، وكبتت تلك الأشواق الملتهبة لرؤية ما كانت تطمح إليه من تمريغ هيبة أمريكا في المستنقع الأفغاني! اليوم، هناك من تحلو لهم الأحلام حينما يجنحون بخيالهم الجامح، ليتصوروا ويصوروا للآخرين أنّ ثورة سوريا هي ثورة «دولة الخلافة الإسلامية»! هكذا مرة واحدة! سألت أحدهم ذات مرة: وما هي الشواهد والبينات التي ترتكزون إليها في خيالكم ذاك؟ أجابني: ألم تر رايات «العقاب» تخفق في أوساط المظاهرات والاعتصامات! قلت له: تلك رايات جبهة النصرة المعروفة بانتمائها للقاعدة، فما علاقتكم أنتم بها؟ متحدث آخر يصرّ على تلك الدعوى، الثورة السورية ثورة دولة الخلافة الإسلامية، تساءلت ما الذي تراه ولا نراه، حتى تجزم بقولك ذاك؟ قال لي إنّهم، أيّ حزبهم، كان أول من دعا إلى قيام الثورة السورية، قلت له: وماذا في ذاك؟ ما الذي قدّمه ذاك البيان؟ فالثورة لا تعدو في بداياتها أن تكون استجابة وتأثرا بما وقع في تونس ومصر، فليس لأحد عليها فضل ولا منّة، أدهشني بقوله إنّ حزبه هو الموجِّه والمنظِّر السياسي للثورة، وأنّه رقم صعب لا يمكن تجاوزه! سألته بعد تلك الدعوى العريضة: وهل لكم كتائب عسكرية على الأرض. أجاب: لا، قلت له: على ماذا تعولون في أنّكم ذلك الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه؟ أليس من الظلم للثورة إطلاق تلك الدعوى؟ فهل الثورة تفتقر إلى من يفكر لها؟ ألا يوجد من رجالاتها من يحسن التفكير والتدبير والتنظير؟ وهم الذين يصطلون بحممها صباح مساء، ثم يأتي من يقدم نفسه، ويتصدر المشهد ليزعم ذلك الزعم مقدما نفسه على الجميع، بأنّه هو الموجه السياسي للثورة، والمنظر لها؟ يخطئ أولئك حينما يتصورون، أنّ إطالة عمر النظام الأسدي، هو بسبب تخوف أمريكا ومن معها من حلول حزبهم (دولة الخلافة) مكان نظام الأسد، أليس ذلك القول من تصور الأمور على خلاف واقعها؟ فالذي تخشاه أمريكا من سقوط النظام الأسدي هو عدم تحضير بديل مقبول، يحفظ عليها مصالحها، ويديم على حليفتها «إسرائيل» هدوء حدودها، وهم يتخوفون من جماعات متشددة إسلاميا، ويطرحون أسماء «كجبهة النصرة» وقد وضعوها على لائحة المنظمات الإرهابية، ولا يأتون على ذكر حزب «دولة الخلافة الإسلامية»، لا من قريب ولا بعيد. أليس من الوهم الخادع والقاتل، أن يعطي بعض الناس لأنفسهم مكانة ودورا أكبر من حجمهم الحقيقي؟ عامة الناس لا يسمعون بحزب «دولة الخلافة» في أحداث سوريا ووقائعها اليومية، ونشرات الأخبار لا تورد عنهم خبرا، فهل من العدل والصدق مع الذات تقمُّص ذلك الدور الكبير، بأنّهم هم من يوجّه الثورة السورية سياسيا، وأنّهم من ينظر لها؟ والأشد إيلاما ادّعاء أنّهم رقم صعب في الثورة السورية لا يمكن تجاوزه! دعوا الثورة السورية تمضي في طريقها، وارحموها من دعاويكم العريضة، وادعاءاتكم التهويلية، فالشعب السوري هو من يقدّم التضحيات تلو التضحيات، وهو من يعاني من القتل والتعذيب والتشريد والتهجير، وأنتم تأتون لتفرضوا عليه رؤيتكم وتصوراتكم، دون أن تقدّموا له شيئا يُذكر، لماذا لا يكون لكم وجود على الواقع؟ لماذا لا يسعى «حزب دولة الخلافة» لإقامة كتائب عسكرية تتولّى القيام بالعمل الميداني، على الأقل حتى تصدق دعواكم بأنّكم رقم صعب لا يمكن تجاوزه؟! الثورة السورية وقعت في شباك المعادلات السياسية المتداخة والمعقدة، ما أعاق تقدمها، وأقعدها عن تحقيق ما قامت من أجله، فلا تكونوا عبئا جديدا عليها، دعوا قادتها ورجالاتها وأهلها يختارون ما يريدونه، وأريحوا أنفسكم من ادّعاء ما تدعونه، فليس بالأوهام والأحلام يبلغ الناس ما يريدون.