حين يقول قائل أن أنسب نظام لحكم العرب هو النظام العسكري، فهي وجهة نظر لها ما يبررها، وهي فكرة وطنية، لا تعبر عن رجعية بأي حال، وقد تكون فكرة غير منسجمة مع الديمقراطية وأدبياتها.. لكن لها ما يبررها.. في بلاد العرب، وبعيدا عن قداسة «سايكس –بيكو»، التي فككت بلاد العرب، وجعلتها أقطارا ضعيفة، عملت على تغييب الحس القومي العربي، ونجحت الى حد بعيد في تمكين أعداء العرب خصوصا العدو الاسرائيلي، لأن في هذه البلاد المترامية الأطراف مجتمع واحد، همومه واحدة، وعدوه واحد، والأمر المنطقي أن لا تتعامل أي بلاد مع القوانين المدنية مادامت محتلة أو يقع جزء منها تحت الاحتلال. المصريون؛ لو رفعوا شعار تحرير فلسطين قبل الديمقراطية وقبل القوانين المدنية ولم يعترفوا بسايكس –بيكو، اقول «لو» وأنا أعلم أنها من عمل الشيطان، لكنها في هذه الطريقة من التفكير تكون من عمل الرحمن، ومن الأعمال الجميلة التي غابت عن بلاد العرب منذ قرون، لو يفعلها المصريون لأزهر ربيع العرب بضوء وليس مجرد زهر، حيث لا يصح الا الصحيح، وإنه من العيب على العرب أن يفكروا بديمقراطية وقوانين مدنية، قبل تحرير فلسطين، فكل بلاد العرب واقعة تحت تهديد الخطر الصهيوني العالمي، وجزء منها مغتصب.. الجيوش الوطنية تحظى باحترام الناس، ويعتبرونها الأم الرؤوم التي تحنو على الأوطان، وحين تقع أي بلاد تحت التهديد تتدخل الجيوش وتقوم بدورها المقدس في حماية الناس ووطنهم وهويتهم ، ومن هنا يمكن تقبل فكرة أن يتدخل الجيش المصري، ويقوم بدوره في حراسة «المحروسة»، وحين تنحسر الديمقراطية بين جمعين غفيرين من المجتمع، ونقوم بمطالبتهما باحترام الرأي الآخر، والتحلي بأدبيات وقوانين الديمقراطية، فنحن ندعو صراحة الى حالة من الشلل حتى لا نقول الاقتتال والانفلات.. الذي يحدث في مصر يمكن اعتباره تهديدا كبيرا للأمة العربية، وهو نموذج معبر عن قصور الديمقراطية في حل مشاكل الشعوب، فالمحتشدون المطالبون بحماية الشرعية على حق، والمحتشدون المطالبون برحيل الشرعية على حق من منظور ديمقراطي، ولا يمكن انتظار ساعة الصفر، التي تتعطل فيها لغة الكلام والاحترام، ونرى فيها مصر منغمسة في حرب أهلية لا سمح الله، فهي بيت العرب الكبير، الذي يجب أن يبقى موحدا صامدا لأنه منبع ومستقر الأمل العرب في التحرر من التدخل الأجنبي.. تدخل العسكر في مصر لتجنيب البلاد حالة الانقسام وخطر الحرب الأهلية، عمل مقدس مطلوب، بغض النظر عن أي مفهوم ديمقراطي، فمصر تقع في عين عاصفة، ولا يجب انتظار ساعة الصفر التي تسيل فيها الدماء، حينئذ سينتهي دور الجيش المقدس، وسيكون متورطا في الدم.. حراسة مصر وحمايتها تتطلب تدخل الجيش المصري اليوم قبل الغد، وهو ليس انقلابا عسكريا، بل عملا مقدسا مطلوبا أكثر من ديمقراطية تائهة بين رأيين مرشحين لأن يصبحا جيشين يقتتلان على ضفاف النيل ليغدو بحر دماء .. حكم العسكر في مصر وغيرها من بلاد العرب، هو الحكم الأنسب لهذه الشعوب التي انفلتت من عقال الصواب والمنطق، وأصبحت تخرب بيوتها بأيديها بدعوى ديمقراطية مشوهة، لا يمكن تطبيقها في بلدان سايكس – بيكو، التي تم ترسيم حدودها لتكريس غياب السيادة على أي قرار وطني أو عربي.. اتركوا أمر الوطن العربي لجيوشه، لعلها تنظر يوما الى فلسطين، وسائر البلاد العربية المحتلة، حينئذ قد نتمتع بكرامة الشعوب الأخرى، ونطالب بحكم ديمقراطي توافقي ..