مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    العميد أحمد علي ينعي الضابط الذي ''نذر روحه للدفاع عن الوطن والوحدة ضد الخارجين عن الثوابت الوطنية''    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    الإطاحة بوافد وثلاثة سعوديين وبحوزتهم 200 مليون ريال.. كيف اكتسبوها؟    - عاجل امر قهري لاحضار تاجر المبيدات المثير للراي العام دغسان غدا لمحكمة الاموال بصنعاء واغلاق شركته ومحالاته في حال لم يحضر    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    الهجري يترأس اجتماعاً للمجلس الأعلى للتحالف الوطني بعدن لمناقشة عدد من القضايا    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طارق السويدان في حوار ساخن: افتخر بانتمائي للإخوان.. ومستعد للجلوس مع ضاحي خلفان أو أي قيادة إماراتية وكشف كل الأوراق الخاصة أمامه
نشر في عدن أون لاين يوم 28 - 06 - 2013

مصر وتونس واليمن وليبيا تخلصت من كابوس الاستبداد والدولة البوليسية
اليابان بدأت تجربتها الديموقراطية ب420 حزباً فلماذا ننزعج من كثرة إنشاء الأحزاب عندنا؟
الإخوان وغيرهم يتعلمون من تجربة الحكم الآن
الإسلاميون ليسوا الفرقة الناجية.. ونصف الحديث الشريف الذي يذكر هذا «واحدة منها في الجنة» ضعيف
بديل الخلافة الإسلامية هو كيان أقرب إلى الاتحاد الأوروبي
أؤيد ما قاله د. إسماعيل الشطي بخصوص عدم وجود رؤية لدى الكثير من الإسلاميين للحكم
انفراد الحزب الحاكم بالسلطة أمر طبيعي في كل الدول الديموقراطية كي ينفذوا برنامجهم الانتخابي
قابلت المرشد محمد بديع وتأكدت أن الرئيس محمد مرسي مستقل في قراراته
حاوره حسن عبدالله:
هو ليس منهم. ومهما انكر وادعى فتكوينه الفكري يشي بأنه صورة مغايرة عما يظنه البعض او يعتقده وعما يبديه هو من انتماء ايديولوجي. الداعية د. طارق السويدان يدعو الى الحرية الفكرية التي قد تصل الى حد قبول السماع والنقاش مع من لديه اعتراض على كلام الله ورسوله، ويطرح حلولا ورؤى للنهوض والتقدم، ويكره أن يمارس العمل السياسي، ويلبس ساعته في يده اليسرى.. فهل هذه صورة لاسلامي ناهيك عن كونه «اخوانيا»!
ذهبت لأحاوره بصفته منتميا الى «الاخوان» عن الازمة التي سببتها الجماعة للأمة فانتقدهم كأنه ليس منهم، وواجه فكرهم كأنه ليبرالي، ثم صدمني بدعوته كل الاسلاميين، وليس «إخوانه» فحسب الى ترك العمل السياسي لأهله والتفرغ للدعوة الاسلامية التي تحتاج الى لمّ الجهود، وتأكيده على أن الإسلام لا يمكن أن ينتعش إلا في ظل الدولة المدنية.
وفي حين يتشاءم الكثيرون من «الربيع العربي» التي قطفت ثماره جماعة الاخوان المسلمين ويرونه تراجعا، يتفاءل د. طارق السويدان ويراه تقدما يقود الامة الى الصحوة من غفلتها التي بدأت منذ 400 سنة.
والحقيقة ان الرجل متسق مع نفسه تماما سلوكا وفكرا. فبينما يحرص كثير من الاسلاميين على إظهار أسرهم بمظهر المحافظ الملتزم، ويقيدون حركتهم، أطلق د. طارق السويدان العنان لأولاده الستة كي يحصلوا اعلى وارقى درجات العلم في مجال التخصص الذي يختاره كل منهم في اي بلد من العالم. وعلى الرغم من ان الله سبحانه وتعالى أنعم على د. طارق بذرية صالحة فقد ناله الكثير من الانتقاد بسبب تلك الحرية التي منحها لهم.
وقد واجهت د. طارق السويدان بالكثير من الاتهامات الخاصة بتآمرهم على الخليج لإسقاطه، وسيطرتهم على الحراك السياسي في الكويت، وثرائهم الفاحش الذي جنوه من تغلغلهم في مفاصل الدولة، وتمويلهم لإخوان مصر وغيرها من الاتهامات، فأجاب عنها الرجل بسماحة صدر ولم يرفض لي إتهاما في ذلك الحوار المطول الذي تنفرد به «الوطن» ويكشف أسرارا كثيرة حول جماعة الاخوان المسلمين وغيرها.
قلت له: هذا سؤال للتسخين: كيف يمكن تغيير الشخصية في شهر رمضان المبارك الذي يدق أبوابنا الآن؟
- د. طارق السويدان: رمضان شهر التغيير في كل شيء، بداية من العادات والطعام ومرورا بالأوقات ووصولا إلى التغيير الجذري الشامل وتتكون معادلة التغيير من ثلاثة عناصر رئيسة: الأول هو الشعور بالألم فاي شعب أو انسان لا يشعر بالألم لا يتغير أبدا. والألم من رحمة الله سبحانه وتعالى في المرض وفي غيره فالذي لا يشعر بالألم لن يعالج مرضه، والشعب الذي لا يشعر بالألم لن يتغير أو يغير. والانسان الذي ارتكب المعاصي لابد أن يشعر بالألم على ما ارتكبه وإلا فهو لن يسعى إلى تغييره في رمضان.
والأمر الثاني من عناصر التغيير هو وضوح الرؤية، فكلما كانت الرؤية أوضح أصبح التغيير أكثر فاعلية. ومن الخلل الجسيم الذي أراه في الناس وحتى في الدعاة أن يتصور البعض أنه سيصبح بعد رمضان كما كان عليه في الشهر الفضيل، فهذا غير ممكن، لكن المطلوب أن أكون بعد رمضان أفضل مما كنت عليه قبل رمضان الذي هو فرصة لتغيير العادات. وكل ذلك موجود في كتاب علمي جميل مترجم اسمه «The Power of Habits» اي قوة العادات». وقد أثبت هذا الكتاب بالأبحاث العلمية أن التغيير الفعال هو الذي نحافظ فيه على «المحرك والنتيجة» وبالتالي ستتغير العادات. ويحتاج تغيير العادات - الى ثلاثين يوماً، وإذا حاولت التغيير في يوم أو اسبوع فستتغير، لكنك ستعود إلى عاداتك السابقة مرة ثانية، لأن العادة الجديدة لم تتشكل بعد، بينما العادات العميقة الراسخة تحتاج إلى ثلاثين يوما (كما هي ايام الشهر الفضيل)، كي تتشكل وتثبت في النفس، فالتغيير يستلزم 3 اشياء إذاً وهي الألم والهدف والطريق فالإنسان الذي ليس لديه شعور بأنه لابد أن يتغير فلن يستفيد من رمضان ولا من غيره، ورمضان نفسه بأيامه الثلاثين يشكل عادات جديدة، فمثلا فرصة المدخن كبيرة في أن يتخلص من هذه العادة في رمضان إذا التزم.
التاريخ الاسلامي
ماذا عن الجديد الذي ستقدمه في برنامجك لرمضان هذا العام ؟
- سأتشرف بتقديم يوميا ولمدة ساعة بعنوان «تاريخنا في الميزان» وهو تقييم للتاريخ وليس استعراضا له، بمعنى كيف نقرأ التاريخ، وما هي الكتب التاريخية الموضوعية المنصفة، والأخرى المتطرفة، ومن هم المؤرخون الذين شوهوا التاريخ، وكيف يستطيع القارئ العادي أن يميز الصواب من الخطأ، مع استشهادات من التاريخ القديم والحديث. وهذه هي المرة الأولى حسب علمي التي تطرح فيها منهجية متكاملة لتقييم التاريخ، وسيعرض البرنامج بشكل متطور وأجهزة حديثة، بحيث تظهر صور وفيديوهات خاصة لبعض ما أتحدث عنه من التاريخ بطريقة ثلاثية الابعاد.
فخ فكري
لماذا اقدمت على الولوج في هذا «الفخ» الفكري المعروف بالتاريخ الاسلامي؟
- (ضاحكا): هذا صحيح. فتقييم التاريخ صعب وفخ كما ذكرت لكننا أمضينا أكثر من 9 شهور ونحن نحضر للبرنامج، وأكثر من 40 سنة في دراسة التاريخ، وهذه التجربة بالنسبة لي كانت ممتعة ومفيدة أيضا لأن التاريخ مفيد للجميع، بحيث نستطيع ان نقيم من خلاله الحاضر ونستشرف المستقبل، فالتاريخ كما يقولون يعيد نفسه، وهذه حقيقة لمستها من خلال البرنامج وخصوصاً ما يخص قراءة الحاضر والتخطيط للمستقبل.
الحاضر والتاريخ
وماذا وجدت من ارتباط فيما يخص التاريخ بالحاضر الإسلامي؟
- من أهم الفوائد ما يخص مسألة الحكم وكيف يكون رشيداً، وقمنا بتقييم تجارب رائعة كتجربة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمر بن عبدالعزيز ويوسف بن تاشفين المسمى الخليفة الراشد السادس رحمهم الله تعالى، وبالمقابل استوقفتنا بعض التجارب الفاسدة كبعض الحكام الأمويين والعباسيين والعثمانيين الذين بتصرفاتهم ضيعوا الدول، ومنها فترة حكم عبدالرحمن شنجول هذا الذي ضيع الاندلس كلها بتصرفاته الهوجاء، التي أدت لنشأة دويلات الطوائف التعيسة.
وتحدثت كذلك عن العلماء ودورهم في توجيه الحكم الرشيد، او في تزيين الفساد للحكام كما يفعل علماء السلاطين الذين يبررون للظالمين فسادهم باسم الدين، وتناولت كذلك الأدب وماذا يؤخذ منه وما يترك فيما له علاقة بالتاريخ، والدراما التاريخية كفيلم الرسالة والناصر صلاح الدين والمسلسلات التاريخية كعمر بن الخطاب وحريم السلطان التركي الذي يشكل تشويهاً لوعي المشاهد فيما يخص تاريخ السلطان سليمان القانوني.
تجارب ناصعة
ما أهم التجارب التاريخية الناصعة في تاريخنا الاسلامي بعد الخلفاء الراشدين؟
- هناك تجارب كثيرة ناصعة في تاريخنا من أهمها تجربة عمر بن عبدالعزيز رحمة الله عليه، فقد استطاع أن يغير نظام الحكم وطريقة انفاق الأموال خلال سنتين و4 اشهر هي فترة حكمه، فعندما وصل الى الحكم كان ما بين نصف وثلثي الأموال العامة وأراضي الدولة قد وزع على بني أمية، فاسترجعها ووضع نظاماً للفصل بين المال العام والشخصي، وجعل دور الحاكم أن يقسم المال لا أن يملكه، وخلال حكمه أغنى الناس إلى درجة أن الاغنياء كانوا يبحثون عن فقراء كي يعطوهم الزكاة فلم يجدوا، وكل ذلك في عامين و4 شهور استطاع عمر رحمه الله كذلك «تحجيم» دور أسرة بني أمية التي تسلطت على المسلمين.
وكان هذا تغييراً جذرياً بل انقلاباً في نظام الحكم وأسلوب إدارة الدولة.
اغتيال بألم
لكن بعد اغتيال عمر بن عبدالعزيز بالسم، مسح الخليفة التالي تجربة الحكم الرشيد هذه تماماً وعاد الظلم إلى سيرته الأولى لماذا؟
- للأسف فان سليمان بن عبدالملك كان قد حدد الحاكم الذي يلي عمر بن عبدالعزيز في كتاب تولية عمر نفسه، فجعل هشام بن عبدالملك هو الخليفة الذي يلي عمر (الذي لم يكن يحق له تولي الخلافة نظراً لانها كانت محصورة في اولاد عبدالملك بن مروان).
وكان عمر بن عبدالعزيز ينوي الغاء وراثة الملك وبالفعل بدأ يرتب لإلغائها فمات مسموماً، الخليفة عمر رحمه الله كان ينوي إقامة ما يشبه المؤسسات التي تحافظ على عدالة الحكم ودور المسلمين في اختيار حاكمهم لكنهم لم يمهلوه وقتلوه. بنو أمية كانوا عصبة وكان عمر وحده في مواجهتهم فتخلصوا منه وعادت العصبة للسيطرة على الأمور من جديد وأدى ذلك إلى زوال ملكهم بسبب فسادهم وظلمهم.
هل هناك تجارب أخرى في تاريخنا ناصعة؟
- نعم، منها تجربة يوسف بن تاشفين رحمه الله الذي كان الحاكم الثاني لدولة المرابطين في المغرب العربي، وهي الدولة التي قامت على الرباط أي الجهاد في سبيل الله، وقد خرج مؤسس دولة المرابطين وحاكمها في مهمة مصالحة بين القبائل، وعندما عاد بعد شهرين وجد أن ابن اخيه يوسف بن تاشفين (الذي أنابه في ادارة الدولة في غيابه) قد قام باصلاحات هائلة، فتنازل العم عن الحكم لابن اخيه وقال له: أنت أولى بالحكم مني، فأقام يوسف نظاماً اقتصادياً وسياسياً وشرعياً وفي كل المجالات بشكل رائع جداً، ومات وعمره فوق المائة سنة، وترك دولة مؤسسية إسلامية على مستوى راق، ولذلك هناك شبه إجماع بين المؤرخين على وصفه بالخليفة الراشد السادس، وللأسف فإن الخلفاء الذين يتمتعون بهذا الرقي والتجرد نادرون جدا في امتنا.
العبء التاريخي
كيف أصبح تاريخنا عبئا على المسلمين والإسلام؟
- التاريخ يتحرك كالبورصة ليس صعودا أو هبوطا، بشكل مستقيم وانما صعود ونزول مستمر ومتناوب، انتكاسات وتقدمات، فمثلا في السيرة النبوية: رأينا نصر بدر ثم هزيمة احد وهكذا، فلا يمكن الحكم على التاريخ حكما واحدا سلبا او ايجابا في ظل الصعود والهبوط الدائمين، وإنما يتم النظر إلى الإتجاه العام للدولة على فترات زمنية طويلة، وليس على أحداث انتقائية.
وسأعطيك معادلة لتقييم الأمم يمكنك أن تقيسها على الدول التي فيها ثورات أو غيرها، مستخلصة من رؤيتي للتاريخ البعيد والقريب فالدول التي يمكن أن تنهض هي تلك التي استقرت «مفاصلها».
دول الربيع والتاريخ
ماذا تقصد؟
- اقصد أن مفاصل الدول ثمانية، وسنرى من خلالها الى أين وصلت دول مثل دول الربيع العربي بدون تسمية واحدة منها. هناك 3 مفاصل أمنية هي الجيش والداخلية والمخابرات، وهذه الثلاثة في دول الربيع العربي صارت مستقلة ورجعت إلى مهمتها، بعد ان كانت الأجهزة الامنية تتحكم في كل شيء حتى في تعيين أصغر موظف، وقد عادت هذه الاجهزة الآن الى وضعها الطبيعي، وسيترتب على ذلك أن تعمل بقية المؤسسات بشكل طبيعي وبدون أي تدخل في شؤونها وستشارك في النهضة والتنمية.
وهناك 3 مفاصل أخرى لها علاقة بالسلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، ولا يمكن أن تنهض دولة إذا تداخلت هذه السلطات وتغولت إحداها على الاخرى، وجزء من تطور الغرب هو الفصل التام بين هذه السلطات، والآن في دول الربيع العربي قد عادت هذه السلطات الى يد أصحابها واستقلت عن بعضها، ويستطيع أي قاضٍ الآن اسقاط أي قرار لأي رئيس بحكم قضائي في أي دولة من دول الربيع العربي، وتعمل السلطة التنفيذية في حدود حجمها ومهمتها ولا تتدخل في القضاء أو التشريع أو غيرها، (بصرف النظر عن الرضا أو عدمه عن أداء هذه السلطة) لكنها عادت لحجمها الطبيعي.
وتعمل السلطة التشريعية كذلك بعيدا عن يد الحكام الذين كانوا يحددون نسبة نجاح أي حزب في انتخابات البرلمان ويشرعون كما يشاءون، ولأن الناس لم تتعود بعد على الحرية ولا على أن يمتلكوا زمام أمورهم بأيديهم فيعتبرون ذلك كله.. (فوضى)، هل تعلم ان اليابان عندما بدأت نظامها الديموقراطي بعد الحرب العالمية الثانية وصل عدد الاحزاب المشاركة في أول انتخابات فيها إلى 420 حزبا، ثم استقرت الخريطة السياسية على حزبين او ثلاثة الآن، وهو ما يحدث في تونس بعد الثورة حيث نشأ 240 حزبا ولن يبقى منها الا 5 او 6 فقط، وبالتالي يتشكل برلمان حقيقي يعبر عن إرادة الشعب وليس بتزوير من الحاكم.
عودة هذه المفاصل الستة إلى حجمها الطبيعي وإلى يد الشعب تعتبر تطورا كبيرا بصرف النظر عن أداء السلطات وانجازها، الناس تتلمس الطريق الآن ولا تستوعب حجم التغيير الكبير الذي حدث.
الاقتصاد
بقى لنا مفصلان او سلطتان؟
- المفصلان المهمان جدا هما: الاقتصاد وهو نوعان: اقتصاد تجار او القطاع الخاص واقتصاد الدولة الذي انهار بسبب السنين الطويلة من الفساد والاستبداد واستيلاء الرئيس على كل شيء هو وجماعته وعصبته. الآن لا يمكن لرئيس الجمهورية في دولة مثل مصر أن يستعمل طائرة الرئاسة في شؤونه الخاصة أو ان تستقلها أسرته أو أن يعين ابنه في وظيفة براتب ألف جنيه. فالكل يراقبه ولن يسمح له أحد بأن يستبد مرة اخرى وهذا أمر رائع.
وفي اقتصاد الدولة فإن اكبر فساد يقع هو في توزيع الأراضي، وقد وزعت اراضي مصر وتونس وسورية على المحاسيب والمتنفذين والمتسلقين وبطانة الحكام، واليوم تعيد الحكومات في دول الربيع العربي النظر في كل الأراضي التي تم توزيعها، وتسترد بعضها وتعيد تقييم البعض الآخر، وهذا تقدم رائع ويعيد المعادلة إلى وضعها الطبيعي، فلا يستطيع الحاكم الآن أن يقول: «أعطه يا غلام»! لأنه سيحاسب وقد يعزل أو يسجن.
واذا كانت هناك معاناة يومية في الحصول على الخبز والغاز والكهرباء فسببها رزوح اقتصاد الدولة لسنين طويلة للفساد وعدم النمو وليس سببها سوء إدارة الحكام الحاليين.. والسؤال هو هل من الممكن إصلاح اقتصاد دولة بحجم مصر نخر فيه سوس الفساد والفوضى لمدة عقود في سنتين!! أعتقد أن اقل مدة حتى تبدأ بعض النتائج الاقتصادية في الظهور هي 5 سنوات لكن الناس تتعجل لأنها تعاني منذ سنوات طويلة. ولن تأتي النتائج الا بالمشاريع العملاقة، وفي بلد مثل مصر وحسب علمي فإن الحكومة تعمل على 50 مشروعا عملاقا يخدم كل واحد منها ما بين نصف مليون الى مليون شخص وأكثر، لكنها ستحتاج وقتا لا يقل عن 5 سنوات.
ولذلك فأنا متفائل بشكل كبير بنجاح الاقتصاد في بلاد الربيع العربي نتيجة لإيقاف الفساد وإطلاق المشاريع العملاقة.
لقد سمعت بأذني من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أن سر نجاحهم الاقتصادي لم يبدأ بسبب المشروعات الاقتصادية ولكن لأنهم بدأوا بمواجهة الفساد.
اما التجار فلا شك أنهم يعانون نتيجة لعدم الاستقرار الذي يتأتى بعد الثورات عموما، والذي يؤدي إلى هروب الاستثمارات، لكن كل ذلك يبدأ في التلاشي بعد 5 سنوات على الأقل من اندلاع الثورات.
وأخيرا المفصل الثامن هو الإعلام وأنا سعيد بما يحدث في الإعلام في بلاد الثورات العربية.
لماذا وكيف؟
- الإعلام في بلد كمصر يهاجم النظام الحاكم بضراوة وبقسوة، وعلى الرغم من ان هناك تجاوزات في هذا الهجوم فإنه يشير الى ان الإعلام صار حراً، ولم يعد بيد الرئيس أو الحزب الحاكم كما كان في السابق. حرية الإعلام في دول الربيع العربي على وشك أن تقترب من مستوى الإعلام في دولة كأمريكا، من ناحية الحرية ونزع القداسة عن الحكام، كل شيء، بل أكثر من هذا، فالإعلام هو الذي يمتلك القداسة، فلو سخر شخص إعلامي من رئيس الدولة مثلا فلا يملك الرئيس إلا أن يقيم دعوى قضائية كأي مواطن وان كنت اتمنى ألا يرفع أي رئيس أي قضية ضد من يسخر منه، فما دمت شخصية عامة فمن حق الناس أن تنتقدك وأن تتناول أداءك بالطريقة التي تراها مناسبة، والإنجازات هي التي تتكلم وليس القضاء.
أنا أعرف أن الكثير من الاسلاميين منزعجون من تحيز الإعلام ضدهم، وهذه حقيقة سببها ان الاسلاميين كانوا محرومين من الإعلام، وأن الاعلام الخاص بهم ضعيف حالياً ولذا فأنا اقول لهم ألا ينزعجوا لأن الباب أصبح مفتوحا أمامهم كي ينشئوا مؤسسات اعلامية قوية، فالحل هو أن يقووا اعلامهم لا ان يضعفوا اعلام الآخرين أو يلجاؤا للقوانين أو القضاء.
وبشكل عام فالصورة بالنسبة لدول الربيع العربي مبشرة، لكن بعد أن قمت باستقراء تجارب التاريخ وجدت أن الدول التي تثور أو تقع فيها الحروب قد أخذت نحو 13 عاما من عدم الاستقرار، والذي يستطيع أن ينجز الاستقرار في اقل من ذلك فهو لا شك مبدع. وللأمانة فلا الاسلاميين ولا غيرهم من القوى يمكنهم ان ينجزوا ويغيروا ما استقر من الفساد والاستبداد طوال اكثر من 60 سنة في عامين فقط، ولكني متفائل بتعلمنا من التاريخ ومن بعضنا وباستعمال الوسائل الإتصالية الحديثة أن تتمكن دول الربيع العربي من النهوض في 5 سنوات فقط وليس 13 سنة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
قلت له: لو سمحت يا دكتور: لقد نفد صبري وأنا استمع اليك في الحلقة السابقة عن حالة التفاؤل التي تتحدث عنها، كيف نتفاءل بالربيع العربي وقد حوله الإخوان إلى خريف عاصف.. جماعتكم التي تحكم استنسخت الأنظمة الاستبدادية السابقة لأنها بلا بنية ديموقراطية.. ومازال المرشد مقدسا ويقبل أعضاء الجماعة يده؟
- سأرد على ما اثرته واحدة واحدة. اما ان المرشد مقدس فهذا غير صحيح، وأنا شخصيا قابلته وانتقدته هو والجماعة وتقبل النقد بصدر رحب. ومسألة تقبيل اليد فهي من عادات الناس مع العلماء وكبار السن ورأينا من يفعل هذا مع بعض حكام الخليج فهل يعني هذا أنهم مقدسون!
أما قضية الديموقراطية فانا أشهد أمام الله انني حضرت عدة مرات انتخابات داخلية في الإخوان في أكثر من بلد وكانت حرة تماماً وليس فيها أي تدخل أو تزوير.
انفراد بالسلطة
لكنهم استفردوا بالسلطة بمجرد وصولهم إليها وأقصوا كل القوى السياسية الموجودة على الساحة في معظم البلدان؟
- ماذا لو اخذنا امريكا كمثال وكرائدة للعالم المتقدم ففيها عندما يفوز الحزب الديموقراطي أو الجمهوري فإن كلا منهما يستفرد بالسلطة ويختار إدارته من حزبه أو من المقربين فكريا من برنامجه، لأن الشعب اختاره بناء على برنامج انتخابي معين، ولا يمكن أن يختار الحزب الاشتراكي في فرنسا مثلا من يعادون رؤيته من القوى الأخرى. من هنا فمن حق الإخوان أن يختاروا فريقهم الذي ينسجم مع برنامجهم، فمن الطبيعي أن تتشكل الحكومة من فريق متجانس وليس متشاكسا.
حقبة استبدادية
الديموقراطية في أمريكا عمرها نحو 100 سنة وفيها تداول سلطة حقيقي لكن دول الربيع العربي لم تتعاف من حقبة استبدادية هيمن فيها حزب واحد على الحكم تماما كما يفعل الإخوان الآن؟
- الجهات التنفيذية لابد أن تكون منسجمة، وعلى العكس من ذلك البرلمان الذي يجب أن يكون مختلطا ومن قوى ذات رؤى مختلفة هي انعكاس للاختلاف الموجود في الشعب. أما إذا جاءت الحكومة مختلطة غير منسجمة فلن تنجز شيئاً، والصحيح أن تكون من توجه أو حزب أو ائتلاف واحد لأن التنفيذ لا يحتاج إلى الرأي وإنما الانسجام، أما التشريع والتخطيط فهو الذي يحتاج آراء متعددة لأجل تمحيص الرأي.
نعم نحن لسنا كأمريكا ولكن استطعنا أن نصل بسرعة إلى النظام العام المستقر والحر مثل أمريكا فليكن. فمن حق جبهة الإنقاذ في مصر مثلا إذا فازت في الانتخابات أن تشكل الحكومة منفردة وليس من حق أحد أن يعترض عليها في ذلك، وهذه قاعدة مستقرة في كل الدول الديموقراطية الحقيقية.
أخونة السلطة
هل يعطي ما تقوله عن الانسجام الحق للإخوان «بأخونة» كل الأجهزة في الدول التي وصلوا إلى السلطة فيها؟
- لا اتحدث عن مصر وحدها، ومع ذلك فالإخوان في مصر لم يمنعوا أي جهة من أن تنشر فكرها ولم يمنعوا «تمرد» من أن تجمع توقيعات لعزل الرئيس الإخواني، وإذا فعلوا ذلك فهذه هي «الأخونة» بالفعل. أما تشكيل الأجهزة التنفيذية من فصيل سياسي واحد فهذا حق للحكومة المنتخبة وفق برنامج اختارها الشعب بناء عليه، وهذا ليس أمرا مقتصرا على الإخوان بل هو حق لكل من يصل للحكم بانتخابات نزيهة وباختيار شعبي حر.
ففي الكويت مثلا نحن نطالب بحكومة منتخبة بمعنى أن الإئتلاف أو التشكيل الاكبر في البرلمان أو مجلس الأمة يشكل حكومة تمثله، وهذا قد يسمى إنفراد بالسلطة، لكن هذه هي الديموقراطية الحقيقية. وإلا فالبرلمان سيسقط الحكومة ونظل في عدم استقرار دائم. فمن حق الناس في الانتخابات القادمة مثلا أن تسقط الإخوان أو أن تنصرهم، ومن حق أي جهة علمانية ليبرالية مثلا ان تشكل الحكومة إذا ما فازت في الانتخابات.
بلا رؤية
الاحزاب الديموقراطية أو الحزب الجمهوري في أمريكا أو الاشتراكي في فرنسا أو العمالي في بريطانيا لديها برامج ورؤى للحكم لكن أحد قياديي الإخوان سابقا في الكويت وهو د.اسماعيل الشطي كتب كتابا أكد فيه أن الإسلاميين بما فيهم الإخوان ليس لديهم أي نماذج أو مشروعات واضحة للحكم فما رأيك؟
- أنت تتحدث عن شيئين مختلفين: نموذج الحكم، ورؤية للمستقبل. أما نموذج الحكم بمعنى وجود نظام فهذه مسؤولية من يضع في الدساتير معادلة للحكم، فلابد أن يتم النص في كل الدساتير على أن الدولة مدنية وليست دينية، ومن حق أي حزب بأي فكر في الدولة المدنية أن يتشكل وأن يشارك في العملية السياسية، وأن من يتم انتخابه يشكل الحكومة أيا كان اتجاهه. وإذا ما فشلنا نحن الإسلاميين في الوصول إلى الحكم فهذا يعني أننا لم ننجح في اقناع الناس بنا كتوجه وعلينا أن ننزل للشارع بأسلوب سلمي لإقناع الناس بنا. المعادلة التي أوجدها «الربيع العربي» في بلدانه من إلتزام بالقانون وبالتداول السلمي للسلطة وضعته على الطريق الصحيح. ففي ليبيا أقر البرلمان الجديد قانونا للعزل السياسي تم تطبيقه فورا على رئيسه الذي قدم استقالته. وبالتالي فليست هناك مشكلة في هذا الجانب وإنما المشكلة هي في الاتجاه الفكري للناس: اذ هل تؤمن الجماهير بأن من حق أي قوة سياسية أن تصل إلى الحكم.. وهل يؤمن الإسلاميون بأن من حق الآخر أن يحكم!! وأنا أؤيد ما يقوله د.اسماعيل الشطي والشيخ راشد الغنوشي في أن الإسلاميين حتى الآن لم يعتادوا العملية الديموقراطية، والكثير منهم مازال يعشش في فكرة الخلافة الإسلامية التقليدية التي تحكم العالم بخليفة واحدة وليس من حق أي أحد آخر أن يشارك في السلطة، وان هذا هو الإسلام ولا شيء غيره.
والحقيقة ان هذا كله عكس ما يدعو اليه الإسلام.
ففي دولة الإسلام الراشدة أيام النبوة كانت هناك 3 أحزاب يقول الله سبحانه وتعالى: {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن اخرجتم لنخرجن معكم} الآية 11 من سورة الحشر، اذاً كان هناك حزب المنافقين بقيادة عبدالله بن ابي بن سلول، وحزب اليهود بقيادة كعب بن الاشرف، وهناك الحزب الإسلامي. بل أكثر من هذا فان لهذه الأحزاب مواقف ليست سياسية فحسب وانما عسكرية ايضا. ففي بداية غزوة أحد انسحب عبدالله بن أبي بن سلول ومعه 300 من المنافقين، وهذه خيانة عظمى عسكرية، ومع ذلك فلم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم «حتى لا يقال أن محمدا يقتل أصحابه». الإسلاميون حقيقة لم يعتادوا على هذه المنهجية لكنهم أقروا باللعبة الديموقراطية وبتداول السلطة، وهذا تقدم كبير جدا في الفكر الإسلامي المعاصر.
حصار
كيف أقروا بالديموقراطية وقد حاصروا المحكمة الدستورية في مصر على سبيل المثال حتى لا تصدر أحكاما لصالح غيرهم؟
- هذا خطأ بالطبع، ولكن الآخرين أيضاً أخطأوا عندما حاصروهم. لكني أذكرك بالقول بأنهم لم يعتادوا العملية الديموقراطية، والاتجاه الرسمي القيادي بين الإسلاميين يقر بهذا لكنهم أقروا الدخول بالعملية الديموقراطية بحلوها ومرها، وهذا تقدم كبير، أما شباب الحركة الإسلامية وبعض مشايخها احيانا، وخصوصا في الاتجاه السلفي اكثر، فالمعادلة الديموقراطية بالنسبة لهم غير واضحة، وبعضهم يراها كفرا فخلطوا بين المبادئ والأدوات، فالشورى مبدأ والديموقراطية والانتخابات أداة ووسيلة، لكنهم سيتعلمون.
التعلم في الشعب
تقصد يتعلمون الحكم في الشعب؟
- (ضاحكا) للأسف نعم والناس ستعاني بالتأكيد.
ولماذا نصبر على هؤلاء الذين يأخذون «دورة تدريبية» في السلطة على حساب مشاكل الشعوب وآمالها وأحلامها؟
- بالتأكيد هناك أخطاء ودورنا كمفكرين ومصلحين أن ننشر هذا الفكر المتسامح بين شباب الأمة، وأن ندعوهم لأن ينسوا قضية الخلافة الراشدة العابرة للقارات، وأن يتفهموا الواقع وأن هناك دولا لها انظمتها وفيها توجهات مختلفة ومتنوعة يجب أن نتعامل معها.
بديل الخلافة
ما البديل الذي يجعلهم يقبلون بالتنازل عن الخلافة؟
- البديل للخلافة بالطريقة التقليدية هو خلافة راشدة كذلك لكن نظامها أقرب إلى الاتحاد الأوروبي، أو ما نسميه بالكونفيدرالية. نحن لا نحتاج إلى أن نتحد في كل شيء وإنما نتحد في أربعة أشياء فقط: أولا في المواقف الخارجية فننشئ كياناً شبيها بالبرلمان الأوروبي وثانيا في الدفاع المشترك وننشئ اتفاقية عسكرية كالناتو، وثالثا في الاقتصاد فنطور للمسلمين عملة موحدة كاليورو، ورابعا في الجانب الاجتماعي بأن نفتح الحدود بحيث ننتقل بين دولنا بالبطاقة، وهذه التغييرات الأربعة تكفينا فلا نحتاج إلى أن نتفق على مذهب فقهي أو قوانين قضائية أو أحوال شخصية أو نظام حكم محلي، وإنما نترك الحنفي والشيعي والسني كل على مذهبه، ولنترك الناس تختار ما تريد، ونمارس الدعوة بالإقناع وليس التغيير بالإجبار أو استعمال القانون المسلط على رقاب الناس.
أما عن الرؤية المستقبلية.. ف
قبل الانتقال إلى ذلك، لابد من سؤال: هل من الإسلام أو من العدل ان يصر الإخوان على ممارسة الحكم وهي حركة غير جاهزة أو مستعدة لذلك؟
- لابد ان يكون واضحا أنه لا الإخوان ولا غيرهم اعطوا فرصة لممارسة الحكم طوال العقود الماضية، وأي قوى سياسية موجودة عندما تفوز في الانتخابات ستتعلم الحكم في الجماهير أيضاو الكل سيتعلم في الناس والكل سيعاني، وهذه كلها من نتائج الاستبداد الذي اقصى كل القوى وهمشها وحرمها من حقها في اكتساب الخبرة اللازمة لمعالجة المشاكل، والخروج من التنظير إلى ارض الواقع.
والخطأ الجسيم اليوم ان نحمل المعارضة أو السلطة سواء أكانت بيد الإخوان أم غيرهم المسؤولية عما يحدث الان، فالكل ضحايا للاستبداد الذي خرب كل شيء لأكثر من 60 عاما، كل القوى السياسية ما زالت في مرحلة «التليين» كالسيارة الجديدة التي تحتاج إلى تليين تروسها، وبالتالي فلابد أن نعين بعضنا بدلا من أن نهاجم الآخر ولا نعطيه فرصة فما تم تخريبه في 60 عاما لا يمكن إصلاحه في سنة أو اثنتين.
الضحية والجلاد
طبقا للتحليل النفسي فانه ثمة ضحية يتماهى مع جلاده عندما تسمح له الفرصة بذلك: الإخوان تماهوا مع جلادهم وحملوا صفاته وروح الثأر والانتقام بمجرد وصولهم إلى السلطة فراحوا يقمعون الإعلام ويستأثرون بالسلطة وغيرها من وسائل الاستبداد؟
- التقيت مع الرئيس محمد مرسي في برنامجي التلفزيوني على قناة الرسالة قبل 5 سنوات وسألته سؤالا مباشرا: هل الدولة الإسلامية دينية أم مدنية؟ وكان هو الوحيد من بين 4 ضيوف شاركوا في البرنامج الذي جاءت اجابته واضحة ومباشرة وصارمة وبلا تردد فقال:
«الدولة الإسلامية مدنية وليست دينية» واذا كان الفكر هكذا فتبقى الممارسات فاذا لم تكن قانونية فهو جلاد، وإن كانت قانونية فهو يمارس الحكم ممارسة سليمة، حسني مبارك كان يستخدم الاساليب القانونية عندما كان يسيطر تماما على القضاء، والآن يلجأ الرئيس مرسي إلى الأساليب القانونية، دون أي سيطرة له على القضاة والقضاء بل نجدهم يناكفونه ويلغون قراراته، وهذا دليل على عدم سيطرته عليهم، وهذا تطور كبير ومهم.
ألم تقابل الرئيس مرسي بعد توليه السلطة؟
- لا.. لم يكن لدي سبب للقائه وأما لقاء المجاملات فهو يكفيه ما هو فيه من المشاغل.
الرئيس الفعلي
لكنك بالتأكيد قابلت الرئيس الفعلي لمصر وهو مرشد الإخوان د.محمد بديع؟
- قابلته عدة مرات هو وقيادات الإخوان في مصر، وتأكدت بما لا يدع مجالا للشك أن القرار في يد الرئيس مرسي وليس في يد أحد آخر، والحقيقة انني كنت أظن كما يظن كثير من الناس أن القرارات تصدر عن خيرت الشاطر وغيره، لكنني وجدت أن ذلك غير صحيح، وأن قرار الرئاسية المصرية مستقل وبيد الرئيس الذي يستشير الإخوان وغير الإخوان.
الاخوان لم يستطيعوا حل مشاكل بسيطة كالخبز والغاز فكيف بادارة دولة؟
- هذه تفاصيل مهمة للشعب ولابد من علاجها لكني لن أدخل فيها لعدم علمي بتفاصيلها وما شهدنا الا بما علمنا.
رؤية مستقبلية
لنعد إلى الرؤية المستقبلية للإخوان؟
- اطلعت على مشروع النهضة الذي طرحه الإخوان، وبحكم أني أعرف قليلا عن التخطيط الاستراتيجي فإني أرى أنه يصلح أساسا ممتازاً للتخطيط المستقبلي للدولة بعد دراسته من قبل المستشارين وأخذ آراء كل الاتجاهات فيه، والسؤال الآن: هل طرح غيرهم أي مشروع سواء أكانت جبهة الإنقاذ أم حزب النور أم بقية القوى والأحزاب؟! للاسف لم يطرح أحد مشروعا كالإخوان وبالتالي فنحن امام معادلة مهمة: احدى الجماعات أو الاحزاب طرحت مشروعا مستقبليا عليه مجموعة من الملاحظات فيما لم تطرح بقية القوى شيئا وتعارض فقط، ولذا فانا أدعو الناس إلى مطالبة الجميع بطرح مشروعاتهم والا ينتخبوا احدا لا يملك مشروعاً، وأن ينتقدوا أي مشروع يتم طرحه، ولابد من الاعتراف بإنصاف بأن الإخوان متقدمون على غيرهم لأن لديهم مشروعا قابلا للنقد وفيه بعض الخلل لكنه أساس قابل للتطوير، فأين مشاريع الآخرين؟
لا أغضب
لماذا يبدو عليك الغضب؟
- (ضاحكا) الحمد لله أنا لا أغضب أبدا، بل انني من فترة طويلة لم أغضب وأنت أخي وصديقي فكيف أغضب عليك؟! لكني أتحدث بجدية وليس بغضب!
ما أقصده أن تحاكم الشعوب جميع القوى على ضرورة ان تقدم مشروعا مستقبليا يركز في صميمه على الاقتصاد الذي سيحل كل المشكلات الاخرى إذا بدأنا به.
وألا ينتخبوا أصحاب الأصوات العالية التي لا تمتلك مشروعات مستقبلية.. هذا مستقبلكم، والشعب أهم من الإخوان ومن غيرهم والأهم وهو مستقبل الأمة الإسلامية وفي يوم القيامة لن ينادى في الناس يا إخوان مسلمين ادخلوا الجنة، ولكن كل شخص سيحاسب عن أعماله بمفرده، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «ان الرائد لا يكذب اهله»، ولا يجوز لي على الإطلاق أن أطرح طرحا فيه خداع وغش للامة انتصاراً لنفسي أو لأي جماعة أو حزب.
الفرقة الناجية
الإخوان المسلمون والإسلاميون بشكل عام يطرحون أنفسهم على انهم الفرقة الناجية وغيرهم حزب الشيطان؟
- ليس في الإسلام شيء اسمه الفرقة الناجية، والحديث الذي ورد في ذلك جزء منه صحيح: «اختلف اليهود على 71 فرقة واختلفت النصارى على 72 فرقة، وتختلف هذه الأمة على 73 فرقة»، وبقية الحديث التي تقول: «كلها في النار الا واحدة» هذه زيادة مختلف فيها ويرى عدد من كبار العلماء أنها ضعيفة.
والرسول صلى الله عليه وسلم يوصف حالة أمته بعده ولا يكفرها، وهو صلى الله عليه وسلم يضفي المشروعية على الخلاف ولا ينكره، وفي النهاية فالحاكم بين العباد جميعا هو الله سبحانه وتعالى، فلا إخوان ولا سلفيون ولا غيرهم هم الفرقة الناجية، والنجاة يوم القيامة التي يحددها الله عز وجل ولسنا نحن.
الشريعة الإسلامية
أين الشريعة الإسلامية التي ترفعون شعاراتها منذ عدة عقود في أدبياتكم من مشروعات النهضة؟
- الشريعة الإسلامية تنقسم إلى قسمين قسم أجمع عليه العلماء ولا يجوز لنا كأمة أو أحزاب أن نخالف ذلك {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم}، فلا يجوز أن نقر الزنا أو شرب الخمر أو الربا وانما نعالجها سواء بالتدريج أم الحزم وغيرها من الوسائل حسب قدرتنا {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
والقسم الثاني من الشريعة هو ما اختلف فيه العلماء مثل قضية الرجم ومثل حد الردة وغيرها، وفي هذه الحالة تقرر الأمة بعلمائها الكبار الاتجاه الذي تريده، وتعود إلى برلمانها ومؤسساتها الدينية وعلمائها كي تحسم الأمر فيها، وأي رأي يوافق عليه العلماء الكبار وتعتمده الأمة هو مقبول بالنسبة لي.
الجزء الثاني:
تحدث الداعية والمفكر الإسلامي د. طارق السويدان في الحلقة السابقة عن ضرورة ان ينفرد أعضاء حزب حاكم بالسلطة بعد انتخابهم كي يتمكنوا من تنفيذ برنامجهم وتعدد الآراء مطلوب في التشريع والتخطيط وليس التنفيذ، مشيرا إلى ان الإسلاميين لم يعتادوا على الديموقراطية وان فكر الخلافة الإسلامية بالطريقة التقليدية ما زال يسيطر على تفكير بعضهم. وتوقع ألا تستقر دول الربيع العربي بعد 5 إلى 13 سنة وفق الرؤية التاريخية، لافتا إلى أن الإسلام لا يعرف شيئا اسمه الفرقة الناجية، والذي يحدد النجاة هو الله سبحانه.
وفي هذه الحلقة يتحدث عن علاقة الإخوان بالإمارات وبالتنظيم الدولي وعن علاقته الخاصة بالجماعة وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة من الحوار:
قلت له: كم قضية في الشريعة الإسلامية مجمع عليها؟
- د. طارق السويدان: قليل جدا جدا جدا، وبالتالي فإن مساحة الحرية في اختيار الأمة لما تريده واسعة جدا. فالجانب السياسي كله اجتهادي وليس هناك قضية واحدة عليها إجماع، فالشورى فريضة في عموميتها لكن آلية تطبيقها متروكة للأمة، وكذلك قضية محاسبة الشعب للحاكم ومحاكمته قضية سياسية مجمع عليها، لكن كيفية تطبيق ذلك وبقية الجانب السياسي كله اجتهادي.
والاجماع في الجانب الاقتصادي على قضايا محددة محدود جدا، كالزكاة والربا وبعض أحكام البيوع والبقية كلها متروكة للناس.
لكن الإسلام ألقى بثقله كله في القضايا الأخلاقية لانه اذا فسدت الاخلاق انحطت الحضارات فرفض الزنا والسرقة والكذب ونحوها وهي أمور عليها إجماع من كل الاديان.
إجماع مدني
وكذلك عليها اجماع من كل القوى المدنية العلمانية وغيرها؟
- (ضاحكا) عذرا ليس كلهم.. فقد استمعت بنفسي إلى بعض العلمانيين يطالبون بإنشاء بيوت للدعارة في بلادنا الإسلامية.
وبشكل عام فإن %99 من القضايا العامة متروكة في الشريعة الإسلامية لقرار الأمة وهي التي تفصل فيها.
مبرر وجود الإسلاميين
اذا كان %99 من قضايا الشريعة الإسلامية بشرية فما المبرر لوجود الإسلاميين وفيم الخلاف مع الليبراليين والعلمانيين الذين تغطيهم عباءة الإسلام الواسعة التي تحدثت عنها؟
- (ضاحكا) لذلك هم يصفونني «بالإسلامي الليبرالي».
اذن لماذا شتت الإسلاميون الأمة ومزقوها وفرقوا شملها إلى إسلاميين وعلمانيين وغيرهم؟
- شوف. الإسلاميون بشر وناس من الناس ومن حقهم أن يطرحوا مشروعهم وأن تحاسبهم الشعوب على اطروحاتهم، فليس لهم أي قدسية ولا يجب ان ينتخبهم الناس لأن شعارهم او «شكلهم إسلامي»، وبالتالي فأنا قد أصوت لشخص بلا لحية او امرأة غير محجبة لأنهما يحملان فكرا صحيحا يخدم الأمة ومصالحها، فالتصويت لا يكون على الشكل وإنما على المحتوى، وما يطرحه الإسلاميون من مسائل لتطبيق الشريعة حددتها لك سلفا بأن نحو %99 منها بشري ومتروك لقرار الأمة، ونحن نريد أن نصلح الأمة بهذا التوجه الذي يجعل مبادئ الإسلام هي المرجعية الأخلاقية والتشريعية لكل الامور، لكن غيرنا قد يرى طريقا آخر للإصلاح، ولا يمكن وصف منهج الإسلاميين بانه إسلامي، ولا وصف غيرهم بانه غير إسلامي، كلها مناهج تهدف إلى مصلحة الناس وعلى الناخب أن يصوت للمنهج الذي يراه محققا للمصلحة وليس بناءً على المسميات أو الشعارات.
لقد انتهت القداسة بصعود الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. وعندما وقف عمر بن الخطاب ليقول اسمعوا واطيعوا، رد عليه سلمان الفارسي قائلاً: لا سمع ولا طاعة حتى تبين لنا من أين لك هذا! بل اكثر من هذا اقول للشعوب في الكويت ومصر وغيرها: لا تصوتوا لشخص إسلامي فقط لأنه يرفع شعارات الإسلام وشكله إسلامي، بل صوتوا للمحتوى الفكري الذي يحمله ولقدراته الفردية التي يمكن أن تساهم في بناء الدولة ومستقبلها.
تفريق الأمة
إذا كان الأمر هكذا فأنا مصر على سؤالي: لماذا فرقتم الأمة إلى إسلاميين وغير إسلاميين؟
- الأمة متعددة التوجهات والمناهج والاختلاف فيها ثراء للفكر، وانظر إلى اوروبا ففيها الأحزاب المسيحية على سبيل المثال.. فهل هذا تفريق للشعوب! هذه كلها أدوات للعمل السياسي، وتطوير الديموقراطية يقتضي تعدد الآراء واختلافاتها ووجود معارضة حقيقية، ويتبقى لنا كمصلحين أن نرشد الحكم والمعارضة معاً، فوجود الآراء والتوجهات أمر طبيعي بل ومحمود وليس تفرقة للأمة.
هو والإخوان
نظرت إلى د. طارق متأملا ثم قلت: متى ستترك الإخوان المسلمين؟
- ابتسم وقال: سألني أحد الوزراء في الخليج هذا السؤال فأجبته: هل الإخوان يشكلون فكري أم أن لي فكري الحر؟ بالطبع لي فكري الخاص والإخوان لا يشكلون فكري ولا يتدخلون في مشاريعي ولا يتخذون لي القرار بل لي دور رئيسي في تشكيل فكر شباب الإخوان وفي صناعة القرار داخل الجماعة.. وهذه منهجيتي وأفكاري احكموا عليَّ من خلالها.
والسؤال العكسي: هل أستطيع أن أساهم بتغيير أفكار هذه الجماعة القوية أو أوثر فيها؟ والاجابة: نعم أستطيع وبرضاهم لأن الثقة متبادلة بيننا، فهل اتركهم وأنا يمكنني أن أحدث فيهم تغييرا منهجيا نحو الأفضل بموافقتهم واحترامنا المتبادل، وهذا من أدبهم وفضلهم ومرونتهم.
صدام فكري
لكنك تصطدم بما تطرحه من أفكار مع اطروحاتهم ومناهجهم وأنت مقيد تنظيميا بهم؟
- هذا صحيح.. فكري يصطدم مع فكر بعضهم لكنهم لا يقيدونني.
لنعكس السؤال: كيف يتحملونك إذن؟
- (ضاحكا): أفتخر بانتمائي إليهم لأن لديهم إخلاصا ومرونة كي يتحملوا شخصا مثلي بكل أفكاره. وسأعطيك مثالا: ففي الوقت الذي كان الإخوان يرفضون تصويت المرأة وترشيحها، كنت أطرح علنا آراء عكس ذلك وهو أن من حق المرأة التصويت والترشح، وقد قبلوا ذلك مني، وهذا يدل على مرونتهم.
هل تصطدم بهم كثيرا؟
- اييييه!! كثيرا جدا. وهذا جمال العلاقة بيننا التي تقوم على الاحترام والتقدير والود، والثقة المتبادلة أننا جميعاً مخلصون لأمتنا، وإننا كلنا نحمل فكر الإسلام الوسطي المعتدل، فإن اختلفنا في الاجتهادات فلا يؤثر ذلك على احترامنا وثقتنا ببعضنا، وهذه مرونة منهم تجعلني أعتز بهم.
ليبرالية متدينة
أنت تطرح ما يمكن وصفه بليبرالية متدينة والإخوان أعداء لليبرالية وقد هاجموك كثيرا علنا أخيرا فلماذا تصبر عليهم؟
- ولماذا لا اصبر!! أنا تربيت على أيديهم وهم أصحاب فضل عليّ في رعايتي منذ أن كنت شابا، فمن باب الأدب والوفاء أن أصبر على الاختلاف معهم. وانا اتساءل (بضحك) دائما: إلى أي مدى سيصبرون عليّ؟
والحقيقة أن الإخوان الآن هم القوة الرئيسية في الميدان فمن يستطيع أن يشكل التوجه الجديد في الإخوان ويدفعهم إلى الامام؟ هل تستطيع أنت او الأحزاب الأخرى او الحكام والوزراء؟ الذي يستطيع تشكيل هذا الفكر هم القيادات التي من بينهم والتي تحمل الرأي الآخر الذي يعارضونه لكنهم يحترمونه. ولذلك فأنا أحيي الإخوان على مرونتهم معي وكذلك صبرهم على مخالفتي لبعض أفكارهم، وأؤكد أني أحمل هم الأمة وهو أكبر من كل جماعة أو فرد، فلنتعاون جميعاً لنهضة أمتنا، ونتحمل الاجتهادات لأجل ذلك.
أضرار
ما الاضرار التي عادت عليك من انتمائك إلى الإخوان المسلمين؟
- انا لا أقيد فكريا ولا حركيا ولا في مشروعاتي ولا يملي أحد عليّ شيئا.
لكنك تدفع ثمن أخطائهم؟
- لا أدفع ثمن اخطائهم ولكني انتقدها كما يفعل الاخرون، والناس تحترمني وتحترمهم أكثر عندما تسمع مني ذلك.
وسؤالي هذا اوجهه لك وللحكومات وللإخوان: هل الافضل وجود معارضة محترمة داخل الإخوان أم لا؟ أنا أحاول أن أمثل هذه المعارضة البناءة داخل الإخوان وهم يحترمون طرحي.
طرد من الجماعة
ماذا لو ضاقوا بك وطردوك من الجماعة؟
- لن يطردوني لأنني وهم كذلك أكثر وفاء وأخلاقاً من أن نفعل هذا، وما دام كلانا نعلم أننا مخلصون لأمتنا وديننا فسيصبح اختلافنا مجرد اختلاف في وجهات النظر.
والحقيقة انني سأحتقر نفسي لو لم ارتبط بهم، فهم الذين ربوني وحموني من الفساد ولهم دين أخلاقي في عنقي، ولا أنبذ من له فضل عليّ، كما أن فكر الإخوان فكر وسطي معتدل ليس فيه خلل جذري وإنما الإشكالية في التنفيذ وهي قابلة للتعديل والنقد.
أخطاء الجماعة
ما أهم أخطاء الإخوان المسلمين من وجهة نظرك؟
- أهم أخطاء بعضهم انهم لم يعتادوا بعد على الديموقراطية الحقيقية للأمة، وما زال بعضهم يتصور أن من ليس معي فهو ضدي، ومن أخطاء بعضهم كذلك أن بعضهم لم يتصور بعد البعد الفكري للحرية لذلك هاجموني عند طرحي لها.
وبعضهم يخطئ كذلك عندما لم يستوعبوا بعد أن الإسلام لا ينتعش إلا في الدولة المدنية وليس الدينية، ولذلك فدورنا أن نصحح هذه المفاهيم ونزرع الفكر الصحيح في الجيل الجديد من الجماعة، وهو دوري الذي أقوم به من خلال أدوات التربية والإعلام والتعليم والكتب والأشرطة والانترنت وغيرها.
الإخوان الجدد
تقصد أنك تصنع ما يمكن تسميته بالإخوان الجدد؟
- لا.. لا ليس هذا، وإنما أسعى إلى عودة الإخوان المسلمين إلى المنهج الفكري الوسطي للإسلام والمنهج الاصيل للإخوان، كما هو في أدبياتهم الأساسية.
منع دعاة خليجيين
تونس منعت 8 دعاة خليجيين من دخول أراضيها فهل أنت منهم؟
- لا لا.. بالعكس فقد زرت تونس منذ شهرين وعلاقتي بهذا البلد العربي المسلم وثيقة سواء مع الشعب الراقي أو أعضاء الحكومة ومسؤوليها.
العلاقات مع الإمارات
لكنك ممنوع من دخول الإمارات؟
- كل الإسلاميين ممنوعون من دخول الإمارات ما عدا الصوفية، وحتى الداعية عمرو خالد لا يستطيع دخول الإمارات على الرغم من انه صاحب حزب سياسي بعيد عن الإخوان.
هناك «وهم كبير» لدى المسؤولين في الإمارات بأن الإسلاميين يتآمرون ضدهم، ونرجو أن يزول هذا التشنج في الموقف من الإسلاميين، فنحن ما زلنا نحب الإمارات ونقدر أن شعبها صاحب كرم وجود وأخلاق صافية، وهم أناس أصيلون محبون للإسلام ومعتزون بالعروبة ونفوسهم صافية وراقية.
إذا كانت الإمارات كريمة إلى هذا الحد فلماذا تتآمرون عليها وعلى شعبها؟
- لم نتآمر عليها أبداً وهذا وهم كبير، لكن المخابرات المصرية التقليدية لعبت دورا خطيراً في زرع الخوف من الإخوان في الإمارات.
كانت هناك مشكلة بين الإخوان والنظام في مصر فنقلوها إلى كل الخليج، لكن نحن ليس لدينا أي مشكلة مع حكامنا في الخليج، ولا نؤمن بالفكر الإنقلابي ونرفض العنف بكل صوره وأشكاله، وندعو إلى الحوار والتفاهم، ونسعى إلى التطوير بالأسلوب السلمي من داخل الانظمة وليس من خارجها.
هذه معادلتنا وتاريخنا يشهد بهذا ولا سابقة لنا في العنف، والإخوان نفوا اي مشاركة لهم في أحداث العنف التي وقعت في الخمسينيات من القرن الماضي، ولم يتهمهم حتى خصومهم بالعنف منذ ذلك الوقت.
وانا شخصيا مستعد للجلوس مع أي مسؤول أمني أو مخابراتي وأعطيهم كل المعلومات التي يريدونها فليس عندنا أي أسرار، ولا استثني من هذا الفريق ضاحي خلفان، لأنه ليس من مصلحة بلادنا في الخليج أو العالم العربي والإسلامي أن نعيش في تشنج سياسي قائم على الوهم وعلى مخاوف لا علاقة لها بنا، ولذا نحن نمد أيدينا للصلح والسلام، والتعاون مع الأخوة في الإمارات وأن نطوي صفحة الماضي، والإخوان في سلطنة عمان سجنوا ثم أطلق سراحهم عندما ثبتت براءتهم واليوم لم احترامهم الشخصي والتجاري والحكومة تتعامل معهم كأفراد بثقة وزال التشنج والحمد لله، هناك سوء فهم لدى المسؤولين في الإمارات ونحن مستعدون لأن نكشف كل اوراقنا امام اي جهة، ونرجو أن يكون الطرف الثاني مستعدا لفتح صفحة جديدة قائمة على الشفافية والاحترام المتبادل، نحن نحب الإمارات بكل صدق ويسعدنا رقيها ونتشرف بالتنمية الرائعة التي فيها.
تنظيم إرهابي.
الأمن الإماراتي ضبط تنظيماً اخوانياً يتآمر على الإمارات ويحاكم أمام القضاء كما تعلم؟
- انا اعرف ما يسمى بأعضاء التنظيم الإخواني في الإمارات فردا فردا، وأعلم انهم ليسوا انقلابيين ولا متآمرين، وأقسم امام الله تعالى وامام الناس ان هذا الموضوع وهم كبير ولا توجد أي مؤامرة، والقضاء النزيه سيثبت هذا بإذن الله قريباً، وتعود العلاقات طبيعية، وتنتهي سحابة الصيف هذه، ونطوي صفحة الماضي ونساهم جميعاً في استقرار دولنا ونهضتها ورقيها في ظل الإسلام الحنيف والشريعة السمحاء.
التنظيم الدولي
هل انت عضو في التنظيم الدولي للاخوان؟
- كل أفرع الإخوان في العالم ينتمون إلى الجماعة، والسؤال هو: هل يوجد بالفعل تنظيم دولي للإخوان؟ الجواب: هناك مسمى اسمه التنظيم الدولي لكنه لا يصدر قرارات لإخوان الكويت مثلا ولا يقول لهم: افعلوا كذا ولا تفعلوا كذا، والله الذي لا اله الا هو هذا لا يحدث، والا فهل سيعرف اخوان مصر احوال الكويت اكثر مني؟ وأي عقلية ستقبل أن تصدر إليها الأوامر والتوجيهات فتنفذ وتطيع طاعة عمياء!! نحن نحترم عقولنا ولسنا من تحركها الأيادي الخارجية.
علاقة متجمدة
لكن هناك تنظيما أمميا يجتمع لمناقشة أحوال الإخوان ويصدر التوجيهات ويحدد المواقف حتى لفرع الجماعة في الكويت؟
- علاقة الجماعة في الكويت بالتنظيم العالمي للاخوان متجمدة منذ الغزو العراقي للكويت، وأنا نصحت الإخوان في العالم بان يلغوا هذا التنظيم لأنه مصدر الخوف والرعب من الإخوان دون ان يكون له تأثير فعلي.
ولاء إخوان الكويت للجماعة فكري وروحي لكنه ليس تنظيميا، ولا يمكن لأناس مثلنا من أصحاب العقول في الكويت أن يقبلوا بان تصدر اليهم الاوامر من مصر أو غيرها!.
ثروات هائلة
انتم - اي الإخوان - في الكويت والخليج اصبحتم اصحاب ثروات هائلة جمعتموها من...
(مقاطعا وضاحكا).. والله انا أبحث عن قرض لإعادة بناء بيتي، على كل حال هذا وهم كبير.
الكثيرون ومنهم د. شملان العيسى يقولون انكم استوليتم على ثروات البلاد وسخرتموها لمشاريعكم في الإخوان المسلمين فما ردك؟
- فليقولوا ما شاءوا.. والمعادلة في النهاية هي حسابات البنوك والثروات الشخصية، وانا مستعد للكشف عن أملاكي وهي قليلة جداً بشرط أن يكشف من يهاجمني عن ثروته كذلك.
وبقية أعضاء الجماعة؟
- الكل كذلك وأنا اعرفهم فردا فردا، والبينة على من ادعى واليمين على من انكر، وأنا اقسم بالله العظيم أن الإخوان لم يستفيدوا فلسا واحدا من أموال الدولة في الكويت أو في أي دولة خليجية، وأي شخص من الإخوان أو غيرهم يحصل على فلس واحد بدون وجه حق فهو يستحق قطع اليد، هذه سرقة، والأموال العامة لا تقل حرمة عندي عن الأموال الخاصة، والله تعالى سيحاسب الجميع عن مالهم من أين اكتسبوه وفيم أنفقوه، فليتقوا الله الرقيب سبحانه.
مناقصات ومشروعات
انتم تغلغلتم في مفاصل الدولة وحصلتم على مناقصات ومشروعات أثرتكم وحولتكم إلى مليونيرات؟
- هذا غير صحيح، وبالنسبة لي شخصياً فلم احصل على مشروع واحد من الدولة، وحتى في شركات التدريب الخاصة بي لم أحصل على مناقصة تدريبية واحدة من الدولة، هناك من قالوا علي كلاما كثيرا وتحدوني أن اكشف حجم ثروتي، وزعموا أنني اقف خلف كل الانشطة الخاصة بالإخوان، وأقسم بالله العظيم أن هذا كله افتراء، وكلنا مستعدون للكشف عن ثرواتنا بشرط أن يفعل ذلك الجميع، أنا لست موظفا في الدولة كي أقدم إقرارا للذمة المالية ومع ذلك فأنا مستعد لذلك، وآتحدى أن يثبت احد انني اخذت فلسا واحدا من أي دولة، لا من قطر ولا غيرها كما زعموا وأشاعوا.
تمويل اخوان مصر
هناك من يؤكد أنكم أحد الممولين الرئيسيين لاخوان مصر؟
- يا رجل! فلنمول انفسنا أولا! لابد من التفريق بين ميزانية حركة الإخوان المسلمين وبين التجار الذين هم احرار في اتخاذ القرارات التي يرونها وفي التصرف بأموالهم.
فعندما يأتي المحسن العظيم أبو بدر عبدالله العلي المطوع رحمة الله عليه ويمول المشاريع الإسلامية في العالم كله وبعضها قد يكون تابعا للإخوان، فهو حر في ماله، والإخوان ليسوا حركة غنية حتى يعولوا غيرهم، بل هم يعانون حتى يمولوا مرشحيهم في الانتخابات وأنا شهيد على ذلك، وعموما لا أدري، فلعل هناك تمويل للخارج من بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى الإخوان، إما حركة الإخوان فالزعم بأنها تمول الإخوان في الخارج وهم أيضاً.
ألا ترى ان الاسلاميين تراجعوا انتخابيا وشعبياً في الكويت خلال الفترة الماضية؟
- العمل الاسلامي فيه إشكال كبير. هناك فرق بين الاسلام وبين العمل والعاملين الاسلاميين. فالاسلام دين شامل لكل مناحي الحياة. لكن هذا لا يعني أبدا أن تصبح المنظمات والجماعات الإسلامية شاملة كالاسلام، بمعنى أن تصبح الجماعة مثل الإخوان شاملة للإعلام والقانون والسياسة والتربية وكل شيء. هذا لا يجوز وهذه معادلة خاطئة. الإسلام دين شامل ولكي تتحول شموليته إلى واقع فلابد من منظمات متخصصة لكل مجال. فالذي يعمل بالاعلام لا يعمل بالسياسة والذي يجمع التبرعات لا يجوز أن يعمل مستثمراً وهكذا.
الخلل الكبير راجع إلى أن الحركة الاسلامية تريد ان تفعل كل شيء من خلال مجلس شورى واحد، يدير السياسة والاستثمار والتربية وغيرها. وكأنهم رجال خارقون. والحل في رأيي أن تتفكك جماعة الاخوان المسلمين الى مجموعة من المنظمات الرسمية والقانونية المتخصصة المستقلة، وأنا من دعاة الا يعمل الاخوان المسلمون بل وكل الاسلاميين بالسياسة، وليتركوها لأهلها. وقد تنفصل مجموعة وتشكل حزبا سياسياً لكن بشرط ألا يتدخل مجلس شورى الاخوان في أي من قراراته.
ومن الخلل الذي كان يحدث في الكويت أن جماعة الإخوان والحركة الدستورية الاسلامية «حدس» كان بينهما شيء من الاندماج، وكنت دوماً معارضاً لذلك واليوم توصلوا إلى معادلة صحيحة وهي الاستقلال عن بعضهما بعضا، وهذا تقدم جيد رغم أنه تأخر كثيرا. بل أكثر من هذا فإنني ادعو الى حل الحزب الذي يمثل الاخوان.
لماذا وكيف؟
- لانني لا أريد أن يدخل الإخوان في منافسة مع الشعب، وهناك الكثيرون من أهل السياسة الذين يحملون نفس أفكارنا فلماذا نشكل حزبا منفردا! ولماذا بالضرورة أن نكون المسؤولين عن هذا الحزب، فليتشكل حزب مثلا اسمه حزب المحافظين ويدخل فيه الجميع من المؤمنين بمرجعية الاسلام وغيرهم من الحريصين على أخلاق المجتمع، ويكون الاخوان جزءا منه كأفراد وليس كتنظيم، لابد من حل العمل الحركي السياسي الاسلامي وتحوله الى العمل الدعوي فقط، وليتركوا العمل السياسي لأهله، واقول لهم: لا تنافسوا الناس في أرزاقهم ولا في سياساتهم.
التفرغ للدعوة
أنت تدعو حركات الإسلام السياسي وجماعاته إلى ترك العمل السياسي والتفرغ للدعوة والتربية اذا؟
- بالطبع هذا ما أرجوه اسعى وأدعو إليه دائما، فالعمل السياسي يجعل لك خصوما وهو ما يؤثر في صورة الإسلام ذاته، أقول هذا ليس من باب أن العمل السياسي ليس نظيفا بل إنني اؤكد ان هناك سياسيين طيبين ونظيفين وشرفاء، ولكن لأن التنافس مع الآخرين ينعكس سلبا على الدعوة الاسلامية وعلى العمل الخيري والإغاثي، وهذا خطأ جسيم، والأسلم أن ينفصل كل شيء عن بعضه وأن يبتعد الاسلاميون عن العمل السياسي فعندما أنشئ مدرسة مثلاً لا يجوز أن ابث افكاري السياسية فيها، لأن الناس يأتمنونني على اولادهم كي أعلمهم واربيهم لا أن أجندهم في تنظيمي، وهذا الخلط بين المجالات هو أهم اسباب تراجع الإسلاميين، ولذلك أقود هذا التوجه بقوة وهو تفكيك الإخوان الى منظمات رسمية متخصصة مستقلة عن بعضها بعضا تماما وان نترك العمل السياسي تماما، الاخوان - واؤكد - لابد أن يخرجوا من العمل السياسي ويتركوه لأهله السياسيين وفيهم الكثير من الشرفاء والأنقياء والمتدينين الذين يحبون الإسلام مثلنا واكثر منا، لماذا نعتبر الإسلام حكرا على الإخوان المسلمين! الإسلام جاء للعالمين وليس للإخوان، وإذا افترضنا أننا افضل من الناس فسندخل في معادلة منفرة مسيئة للجميع، فليترك الإخوان السياسة للناس وليعلنوا حل الأحزاب التي تمثلهم وليخرجوا من الساحة السياسية تماما، أنا ضد أن يشارك الاخوان في انتخابات سياسية أو تعاونية، فلا يدخلوا في منافسة الناس في أرزاقهم، وإلا سيكره بعض الناس الإسلام نفسه لأنهم لا يفرقون بين الإسلام والمسلمين.
انتماء ولكن
هل انت متأكد من أنك تنتمي لجماعة الاخوان المسلمين؟
- (ضاحكا) نعم انتمي اليهم لكن بطريقتي!
كيف ذلك وأنت تنسف الوجود الإخواني تماما على الساحة؟
- لا أنسفه ولعلمك فان إخواني في الحركة الاسلامية يحترمون آرائي رغم معارضتهم لها. ولو شعرت بأنهم يقيدون فكري فسأتركهم فورا. فالفكر عندي مقدم بقوة على التنظيم.
الحراك في الكويت
في اطار ما تقوله: ألا ترى معي ان الاخوان مسؤولون عن هذا الحراك السياسي الذي يقلق الكويت ويمنع استقرارها؟
- الحقيقة أنني لست متابعا بالتفصيل لما يحدث في الكويت لانشغالاتي وكثرة أسفاري، وما أعرفه عن يقين أن الإخوان هم جزء من الحراك لكن القرار في هذا الحراك ليس ملكا للإخوان، وانما هو قرار جماعي تشارك فيه كل التيارات، وكنت عندما اعتب عليهم في بعض الامور يردون: نحن جزء من الحراك ولا نتحكم فيه، والحقيقة أن الكويت فيها نظام دستوري محكم، وفصل واضح بين السلطات وضعه الفقيه الدستوري العظيم عبدالرزاق السنهوري رحمه الله وتبناه الشيخ عبدالله السالم رحمة الله عليه، وتم هذا بكل أريحية وبدون أي حراك أو ثورات او انتفاضات مما جعلنا نعيش ربيعا دائما. لكننا نعيش هذه الايام في خضم عدم استقرار سياسي واضح، لذا ارجو من الجميع معارضة وحكومة الالتزام بما توصلت اليه المحكمة الدستورية أخيرا لإنهاء هذا الصراع، والمشاركة في الانتخابات على أساس حكمها الاخير وأدعو البرلمان القادم لعدم تحصين الصوت الواحد لأجل جمع الكلمة وإنهاء حالة التوتر السياسي.
الكويت تعطلت التنمية فيها ليس بسبب مجلس الامة فحسب وانما نتيجة للحكومة غير المتجانسة. فمن الخطأ الجسيم أن تتشكل الحكومة «بخلطة» من الإخوان والسلفيين والقبائل والتجار والشعية وغيرهم، فحكومة كهذه لا يمكنها أن تقود تنمية أو تصنع تطورا. ولذلك فأنا أدعو بشدة إلى اعادة النظر في التشكيل الحكومي. والأسلم ان تكون حكومة «تكنوقراط» وليس محاصصة سياسية أو فكرية أو قبلية او مذهبية، أو حكومة تمثل أغلبية في مجلس الأمة حتى يتجانس المجلس مع الحكومة ولا يتشاكسان.
وكما يقول اينشتاين: «لن نستطيع أن نحل المشاكل المزمنة التي تواجهنا بنفس العقلية التي أوجدت تلك المشاكل» ويقول أيضا: «السذاجة أن نعمل نفس الأمور بنفس الطريقة ثم نتوقع نتائج مختلفة».
وبالتالي فلن نخرج من أزمتنا الحالية بنفس الطريقة التي صنعناها بها . فالأفضل تشكيل حكومة أغلبية وإذا لم نستطع فالأسلم حكومة تكنوقراط متخصصين.
أسرة سعيدة
لننتقل الى موضوع آخر أسلم وأهدأ: ماذا عن اسرتك؟
- لقد أكرمني الله بزوجة صالحة صاحبة فكر وتمتلك قدرة قيادية وانا أؤمن بشدة بالمرأة القيادية. ولدى أم محمد شركة صغيرة تديرها وتدير 3 حضانات تابعة لها وتشارك في العمل الخيري بالتدريب القيادي للفتيات. والحقيقة أن أي انجاز في تربيتي لاولادي فالفضل الأكبر فيه هو للأستاذة بثينة أم محمد الغالية وإذا كان لها من دور في حياتنا فلأم محمد %80 وانا العشرين في المائة الباقية.
زوجة واحدة
كيف تتعامل مع زوجتك أم محمد؟
- (ضاحكا) بداية فلابد ان تعلم انني «موحد» ولا اؤمن «بالشرك الاجتماعي» اي أؤمن بالزوجة الواحدة ولي نظرة شرعية في مسألة التعدد حيث لا يجوز إلا أن يبنى على العدل والمساواة والإنصاف وإلا فلا. لقد تزوجنا عام 1976 أي منذ نحو 37 سنة من الود والتراحم، ومازال الحب بنفس الدرجة، ولا توجد بيننا أي مشاكل والحمد والفضل لله، والاحترام والدعم بيننا متبادل، فأنا ادعمها في مشاريعها وهي كذلك فالمرأة لها دور في المجتمع والحياة، وهي تتبادل الحب كذلك مع أمي الغالية (أم طارق) التي هي صاحبة الفضل الأكبر بعد الله تعالى في تربيتي وأي نجاحات لي.
رومانسية
هل مازلت على نفس الدرجة من الرومانسية مع أم محمد أي تقول لها كلمات الحب والغرام؟
- يومياً، ولا يمكن أن يمر يوم بدون هذه المشاعر الرومانسية. والحقيقة ان أم محمد تستحق أكثر من هذا فقد شاركتني في السراء والضراء، وصبرت علي كثيراً في الفترات التي عانينا فيها من الأزمة المالية، ونحن متفاهمان على توزيع الأدوار في الاسرة، بحيث لا أتدخل في القضايا المسؤولة عنها وهي ايضا، ولا يمكن ان نختلف أمام الاولاد ابدا، وقد ضحت كثيراً من أجلي ومن أجل أولادي، فعلاقتي بها هي علاقة حب ووفاء.
وماذا عن أولادك؟
- عندي 6 اولاد ثلاث بنات وثلاثة ذكور وبفضل الله عز وجل فكلهم متميزون وملتزمون إسلاميا وقد ربيناهم على شيء أساسي وهو أن تكون لهم شخصياتهم المستقلة حتى عنا وحتى لو أخطأوا أو خالفونا.
هل ينتمي أحد منهم إلى جماعة الإخوان المسلمين؟
- رسميا لا ينتمي أحد منهم إلى الاخوان، وعلاقاتهم جيدة مع الجميع من إسلاميين وغيرهم من العلمانيين والليبراليين والشيعة وغيرهم، وقد اخذوا عني أنني لا أكن عدائية لأحد، كما أن دراستهم في مدارس متطورة تجمع كل الأطياف غرست فيهم روح التسامح والتواصل، وثمة شيء مهم حرصت عليه وهو أن يتقنوا اللغة الانجليزية إتقانا تاما كأهلها وبلا أي لكنات، وهو ما فتح أمامهم أبواب العلم، فأكثر من %80 من الأبحاث العلمية في العالم باللغة الانجليزية و%20 بجميع اللغات العالمية الأخرى. والحمد لله فقد تلقوا تعليمهم العالي بأرقى الجامعات ولم أتدخل في اختيارهم لتخصصاتهم العلمية، فمحمد طبيب نفسي، وميسون شاعرة ومتخصصة في الفلسفة، ومهند في الاقتصاد السياسي ومنتهى في إدارة الاعمال، ومفاز في الكتابة الابداعية واصغرهم مؤيد يريد أن يدرس القانون التجاري الدولي.
شعر ميسون
ما رأيك في شعر ابنتك ميسون؟
- أغرب شيء ان ميسون لم تتعلم الشعر في العالم العربي بل تعلمت بحور الشعر العربي في جامعة جورج تاون بواشنطن، ويبدو أن هذا وافق ملكة لديها، وكل اولادي والحمد لله يتقنون العربية أيضا كالانجليزية، لكن ثمة شيئاً خاصاً يميز ميسون كشاعرة وهو أنها تمتلك ثلاثة تخصصات علمية فقد حصلت على ما يوازي الماجستير في الدراسات الاسلامية من الازهر، وحصلت على الماجستير في الفلسفة الاسلامية من الجامعة الامريكية بالقاهرة، وحاليا تنهي ماجستير ثالثة في الفلسفة الغربية من جامعة Tufts في بوسطن. وكل ذلك انعكس في شعرها. ولذلك فإن من يقرأ شعر ميسون، بالاضافة الى رقيه الأدبي، سيجد عمقا شديدا لأن وراءه فلسفة وفكراً.
كم عمر ميسون الآن؟
- حوالي الثلاثين.
وهل تزوجت؟
- لا، وهي التي اخذت القرار بتأخير الزواج فنحن لا نفرض شيئا على أولادنا، فمن الأخطاء التربوية الشديدة أن بعض الآباء والامهات يتعاملون «برق» الابناء وليس ببرهم، أي يستعبدونهم، فهناك آباء وأمهات يحددون لأولادهم التخصصات ومتى يتزوجون ويتدخلون في حياتهم بداية من أسمائهم الى أسماء اولادهم.
صالون أدبي
ميسون أنشأت صالونا أدبياً في مصر يلتقي فيه الشعراء ألم تعترض على هذه الخطوة؟
- ولماذا اعترض؟ أنا أتعامل مع أولادي بقيد واحد فقط وهو قيد الشريعة وإذا وقعت أخطاء أنبههم فحسب، ولكن من منا لا يخطئ وحتى الأخطاء فهي في الصغائر وليس الكبائر والحمد لله.
وأنا حريص على أن يضرب اولادي - خصوصاً البنات - المثل للمرأة العربية المتقدمة الملتزمة التي تشارك في الحضارة وقيادة الأمة.
لكن هناك من يهاجم ميسون بشدة على تويتر؟
- ستضحك من هذه الحكاية التي سأحكيها لك، فقد كتب أحدهم على تويتر يقول لميسون: ما دخلك انت بالسياسة والشعر.. انت امرأة مكانها المطبخ.
فردت رداً انتشر كالنار في الهشيم قالت فيه: أنا احمل بكالوريوس علاقات دولية من جورج تاون ودبلوم دراسات إسلامية من الأزهر وماجستير في الفلسفة الإسلامية من الجامعة الأمريكية في القاهرة وانهي ماجستير الفلسفة الغربية من بوسطن واستاذي هو تشونميسكي العظيم فأنت الذي مكانك المطبخ.
هجوم
هناك من يهاجمونك بقسوة على آراء ميسون المنفتحة وردودها القاسية على البعض؟
- عندنا مبدأ في هذه المسألة وهو ألا ترد على الاساءة بالاساءة، وعموما فانت لا يمكن أن ترضي الجميع، ومن الطبيعي أن يهاجمني الناس لأنني اسعى إلى التغيير وبفكر جديد، ولدي معادلة مهمة وهي الإنصاف، فالإمارات على سبيل المثال دولة متطورة جداً وفيها تنمية راقية وتقدم ممتاز حتى أن ترتيبها في التنافسية العالمية وصل الى رقم 14 على مستوى العالم، ولذلك احييها على هذا ونفتخر بنتائجها وتقدمها، وانتقدها في نفس الوقت على معاملتها للاسلاميين بناءً على ظنون وأوهام.
ومن هنا فأنا لست راضيا فحسب عن أولادي بل أتشرف بهم، وميسون بنت راقية وملتزمة ومحجبة درست العلوم الشرعية على يد د. علي جمعة ود. أحمد الطيب وكبار العلماء وأخذت الشعر من أساتذته ونقاده الكبار مثل أحمد عبدالمعطي حجازي وغيره وهناك سؤال بسيط أطرحه: هل تستطيع ميسون ان تحصل على هذا العلم في الكويت؟ الاجابة: لا. فهذا المستوى من العلم لا يوجد إلا في مصر، وكما أرسلت ابني محمد الى كندا وأمريكا ليدرس الطب النفسي، تركت لميسون حرية التحصيل العلمي حسب التخصص الذي ارتضته لنفسها في أرقى مكان في مجالها.
حتى لو أقامت وحدها في القاهرة؟
- ليس عندي اي مشكلة لا اجتماعية ولا شرعية في ذلك.
وما تطرحونه من ضرورة وجود محرم مع الفتاة أو المرأة؟
- المحرم في السفر وليس في الإقامة.. ولو أن احد المتشددين سافر مع زوجته الى أبها وتركها في شقة وذهب الى مكة.. فهل بقاؤها في ابها حرام؟! فالحرمة عند من يحرمها في السفر إذا تجاوز يوماً وليلة، وهذا غير حاصل معنا.
ميسون شاعرة من الطراز الأول ولدينا فرصة ان نخرج للأمة - التي تعد الشاعرات فيها على الأصابع - شاعرة عظيمة فكيف نضيعها؟.
آراء صادمة
ولكن لها آراء دينية صادمة؟
- هي تدرس فلسفة وشريعة وتفهم ما تقول وتعي تماماً أنها لا تخرج عن دينها، وكون البعض يحمل آراء تقليدية وبلا عمق فهذه ليست مشكلتي ولا مشكلة ابنتي.
لقد كتبت تغريدة على تويتر كفرها البعض بها؟
- لهذه التغريدة قصة تحتاج إلى توضيح حيث كنا في مكة وكانت ميسون معتكفة في الحرم الشريف، وجاء وقت المغرب ولم تحضر ميسون من الحرم لتفطر معنا، فأرسل اليها زوج ابنتي رسالة يسألها اين انت؟ فكتبت مازحة على تويتر هذه التغريدة:
«بحثت عن الله في الحرم فلم أجده، فهمت بشوارع مكة أبحث عنه».
وهذا أصله بيت من شعر جلال الدين الرومي، فأرسل لها زوج اختها ان تلغي هذه التغريدة لانها ستفهم بشكل خاطئ.
ولكن للأسف خلال 3 دقائق اشتعل تويتر بالتغريدة وهاجموها على الرغم من أن هذا الكلام لجلال الدين الرومي، وأنها كانت معتكفة في الحرم في رحب الله عز وجل.
ثم كفروها وكفروني. ولأن ميسون شاعرة تتميز كالشعراء بالعاطفة الجياشة فكتبت تغريدات شديدة تحت عنوان «ويل للمكفرين».
حرية فكرية
هل تراجعت عن مفهومك للحرية الفكرية فيما يخص حق الاعتراض على الله ورسوله التي أثرتها من قبل؟
- لا لا لم أتراجع لأني لم أقل بجواز الاعتراض على الله أصلاً بل قلت لا مشكلة عندي في سماع ذلك الاعتراض، لكن دعني اوضحها مرةٍ اخرى: اذا اعترض مسلم على حكم شرعي مجمع عليه فهو كافر طبعاً ولكني اتساءل: إذا كان هناك شخص لديه شبهات أو اعتراضات من هذا النوع فهل من حقه أن يبديها أم يجب عليه أن يكتمها؟ والاجابة واضحة لدي: ليس عندي أي مشكلة في أن يبديها ويطرحها علنا كي نصححها له، وهو ما أقصده بضرورة إظهار الاعتراض على الله ورسوله في هذا الاطار وهو اخراج الشخص المعترض من الشبهة.
لأنه اذا تكلم بها فسيحكم عليه بالقتل باسم الردة واذا ابقاها في رأسه فهو كافر عندهم، وفي الحالتين سنأثم اذا تركناه على ما هو فيه أو كفرناه به، ودورنا كمفكرين أن نستوعب مثل هذا الاعتراض، ونعين صاحبه على الخروج منه. فلا يجوز الاعتراض على الله ورسوله لأنه كفر، وكذلك لا يجوز منع الناس من السؤال حتى لو كان فيه اعتراض على الله ورسوله، فأين الخطأ في هذا الكلام؟!
إلى ماذا تستمع الآن؟
- انا مشغول جدا ولذلك لا أجد وقتا للاستماع. لكن في سيارتي لا يوجد الا قناة اخبار واسطوانات للقارئ الرائع مشاري العفاسي حفظه الله تعالى.
ماذا يجذبك الى مشاري؟
- من بين كل المقرئين فالوحيد الذي استمع اليه هو مشاري العفاسي. فلديه قدرة على إظهار جمال القرآن بصوته وبأدائه وبمشاعره الجياشة التي تنعكس على قلبك بما يوحيه القرآن، وهذه الخلطة نادرة.
هل تريد ان تختم كلامك بأي شيء؟
- نعم انا متفائل بشدة فالامة الاسلامية التي كانت في حالة هبوط طوال الاربعمائة سنة الماضية، أراها الآن تأخذ طريقها للصعود. نحن في منعطف تاريخي لا يراه معظم الناس لكني أراه بوضوح. والصورة الشاملة توحي بالنهوض والاستيقاظ، واحداث التغيير السلمي والحضاري يقع على كاهل السياسيين والعلماء معاً بتعاون بينهم وبإخلاص لأمتهم وأسأل الله تعالى أن يكون لنا مساهمة في ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.