مشكلتنا أننا حلمنا بأن هناك عصرا جديدا توزع فيه ثروة بلادنا بشكل عادل علينا بدأ.. ويعتلي المصريون الوظائف في بلدهم بشكل ديمقراطي ومنصف .. مشكلتنا أننا حلمنا باختفاء زوار الفجر والمتنصتين والمتجسسين .. وحلمنا بأن يكتب كل منا ما شاء دون خوف من رقيب او حسيب الا في حدود القانون .. حلمنا بدولة قوية ومستقلة لا تتبع أحدا ومتقدمة نتباهى بها .. وعشنا في هذا الحلم شهورا طويلة .. حتى صدقنا أحلامنا وتجذرت فينا .. وفجأة اكتشفنا اننا نعود لأبشع مما كنا علينا .. وأكثر ظلما وجورا مما كان. وكأن ما حدث في 25 يناير 2011 ثورة شعبية خالصة ..وكأن الجيش والمخابرات والشرطة وأمن الدولة ورجال أعمال وأعلام مبارك انصاعوا لإرادة الشعب واحترموها..وكأن امريكا احترمت رغبة شعبنا في التحرر من قيودها .. لكن الاحداث تؤكد انهم ما انصاعوا لارادة الشعب بل جعلوا الشعب ينصاع لارادتهم ويصير جزءا من لعبتهم في ترميم نظام مبارك وليس إسقاطه.. حينما لعبوا على أمنياته في التحرر من الاستبداد ورموزه وأعوانه وأدواته.. فراح الشعب يهدر ويحطم قيود استبداد مبارك وعصابته .. وهو لا يدري انه جزء من مخطط كبير أطرافه تتوزع بين المخابرات الغربية والمصرية وقيادات في الجيش والشرطة، واعلاميين لترميم نظام مبارك عبر اقتلاع الرأس واستبدالها بأخرى مع الحفاظ على الجسد كاملا، وذلك استباقا لثورة شعبية عارمة غير محسوبة تطيح بالجميع وتؤسس لمصر القوية الحرة المستقلة .. إلا ان رغبة أمريكا في اظهار الجانب الديمقراطي لهذا التحول جعلها تقبل باجراء انتخابات حرة في مصر رغم علمها بأن أي لجوء للصندوق في مصر سيجلب الاسلاميين للسلطة .. ولما جاء الاسلاميون للسلطة ونجحوا عبر اربعة انتخابات متتالية .. اتبعت نفس الاسلوب الذي مارسته للاطاحة بنظام مبارك ابان ايام الثورة الثمانية عشر .. طوال عام كامل هي عهد الدكتور محمد مرسي حتى تخلعه في 30 يونيو بما يبدو للوهلة الاولى وكأنه ثورة شعبية، ومع التعمق نكتشف انها مرفوضة شعبيا نظرا لكونها ثورة فوتوشوب صنعتها وسائل الاعلام وعناصر اجهزة الامن والجيش والمخابرات التي اسست حركة "تمرد" الهلامية. وعموما وعام بعد عام وشهر بعد شهر ويوم بعد يوم يثبت التاريخ ان: "قفا" عدد كبير من نخب أمن الدولة بمصر يزداد عرضا .. واخلاقهم تزداد حقارة. ويثبت التاريخ أن شعب مصر هو الوحيد في الكون التي "ثار" قديما على "الوالى العثماني" فاستبدله ب"الوالي الالباني".. وان مؤسس جيش مصر العظيم ..هو أحد الضباط الفرنسيين تعرف عليه والي الاسكندرية صدفة أثناء ذهابه للتطوع في الجيش الإيراني فقدمه لمحمد علي. ورغم ان الحملة الفرنسية قصفت البيوت بالقنابل واقتحمت الازهر بالخيول وحرقت المصاحف وهتكت اعراض الناس وسلبت اموالهم، وابادت 70 ألف مسلم في عكا وابتدعت اسلوب القتل على الخازوق ..الا ان نخب المصريين تناسوا ذلك ولم يعلق في ذهنهم سوى المطبعة، وراحوا يحتفلون بالاحتلال الفرنسي مع ان المطبعة كانت ستدخل مصر عن طريق الدولة العثمانية. ويثبت التاريخ أن "احمد عرابي" البطل المصري الأول الذي قاوم الاحتلال البريطاني لمصر ومع ذلك ظل المصريون لردح طويل من الزمن يعتبرونه هو سبب احتلال مصر، وكان حاكم الزقازيق يتجه في كل صباح لبيت احمد عرابي ليبصق على وجهه. ورغم ان غالي باشا "والد بطرس غالي" رئيس وزراء مصر في العهد الملكي وافق على قانون "دانلوب" لتغريب مصر، ومسح هويتها العربية والاسلامية الا انه بعد ثورة 1952 لم يتم الوقوف ضد تمدد اسرته بل ورث ابناؤه الوزارات المتعاقبة في مصر كابرا عن كابر. ورغم ان تاريخ الشعب المصري يأسف بشدة لمحاكمة دنشواي الشهيرة واتخذوها كدليل على وحشية الاحتلال البريطانى لمصر .. الا ان من يجب ان يدان هم القضاة المصريون الذين قضوا باعدام الفلاحين الابرياء، وللأسف ترأس القضاة بطرس غالي وأحمد فتحي زغلول باشا، الأخ الأكبر للزعيم سعد زغلول!! هل بعد ذلك كلام. وفي صباح يوم 4 فبراير 1942 ورغبة من بريطانيا في حماية ظهر وجودها في مصر اثناء مجابهة الجنرال الالماني روميل القادم لمحاربتها من بلدان المغرب العربي، وجه المندوب السامي البريطاني سير مايلز لامبسون انذارا للملك " إما القبول بتشكيل النحاس للوزارة أو التنازل عن العرش" مع ان حزب الوفد الذي كان يتزعمه النحاس لم يحصل على الاغلبية التي تجعله يشكل الحكومة وكان خطابه الاعلامي للداخل يصدر نفسه وكأنه بطل تحرر وطني. وتعالوا نقرأ المشهد المصري الآن قراءة جيدة وعميقة ومحايدة .. ورغم أن اليسار والمفروض انه يدافع عن المساواة بين الناس ورفض الاقطاع والتفاوت الطبقي .. الا ان يسار مصر ابتدع امرا جديدا فهو تحالف مع الاقطاع وتناسى امر التفاوت الطبقي ..بل سارع رموزه ليقتسموا مع الفاسدين الغنائم. ورغم ان الليبرالية تتباهى باحترامها لكل دعائم الحرية بكل اصنافها وانواعها .. الا اننا نجد زعيم الليبراليين المصريين محمد البرادعي يتولى منصبه كنائب لرئيس، انقلب على الشرعية، ونجده وكل الليبراليين المصريين ليس يصمتون على تكميم الافواه واغلاق الفضائيات والصحف وقتل الصحفيين وحبسهم، ومراقبة الحسابات الاليكترونية للمعارضين.. وسحلهم واعتقالهم وتلفيق التهم لهم وقتلهم ..بل هم يبررون لها ..ومنهم من زاد وطالب بالتوسع فيها. أما السادة الذين دنسوا ثوب عبد الناصر بانتمائهم اليه وهو منهم بريء نظرا لكونهم شلة من الافاقين والارزقية والامنجية بل والعملاء لاعداء عبد الناصر.. فمن المفروض انهم يؤمنون بالوحدة العربية .. وبالقضية الفلسطينية .. ومع ذلك تحالفوا مع من يعتبر القومية العربية هراء فاشيا يجب مقاومته .. مثل البرادعي الذي دمر العراق وعمرو موسى الذي دمر ليبيا .. وتحالفوا مع اعداء عبد الناصر ومشروعه مثل السعودية والكويت والامارات. نعم فالمشاهد كلها هزلية في مصر ..وبطولاتنا في اغلبها دون كيشوتية والنماذج لا تعد ولا تحصى. انني اخلص الى طرح سؤال توجهه لى زوجتي كل يوم وصرت أفكر فيه جديا : هل يستحق هذا الشعب النضال من أجله؟ وهل صحيح أن من يتغطى بالشعب عريان؟ أقول لكهنة وعباد انقلاب 30 يونيو "الفاشل باذن الله": هل سمعتم عن ثورة تستمر خمسة ساعات فقط ؟.. وهل سمعتم عن ثورة لم يخدش فيها شخص واحد ؟..وهل سمعتم عن ثورة خططت لها كل أجهزة الدولة وليس الثوار ؟ هل سمعتم عن ثورة تقوم بها الشرطة وأمن الدولة؟ هل سمعتم عن "ثورة" يغتصب فيها "الثوار" نحو 180 "ثائرة" في يوم واحد في ميدان"الثورة" ؟ هل سمعتم عن ثورة مدفوعة الأجر ؟ هل سمعتم عن ثورة "شعبية" تعزل رئيسا منتخبا لتأتي برئيس معين ؟ وتلغي دستورا مقرا به شعبيا وتستبدله بدستور كتبه أشخاص ؟ هل مات العقل والعقلاء؟!