غداة الذكرى الحادية والستين لثورة 23 يوليو 1952، يلقي وزير الدفاع المصري، عبدالفتاح السيسي، خطاباً يطالب فيه بتظاهرات شعبية سيقرر هو أنها "تفويض شعبي" للجيش والشرطة المصريين "لمواجهة العنف والإرهاب". ولأن لا أحد يجادل في حق الجيش المصري في محاربة المتطرفين والإرهابيين في سيناء وسواها، فقد كان محسوماً وجلياً تماماً أن دعوة رجل مصر القوي، وإن كان برتبة وزير فقط، تستهدف، ابتداء وليس انتهاء بالتأكيد، جماعة الإخوان المسلمين ومناصريها الرافضين لعزل الرئيس محمد مرسي، والمتهمين وحدهم بارتكاب العنف، إلى حين تصاعده أو حتى تصعيده إلى مستوى "إرهاب". ربما يبدو أن السيسي يظن نفسه جمال عبدالناصر الجديد، بما يمكنه من إعادة إنتاج التاريخ، وإن مع بعض تعديلات لا تغيّر بالنتيجة النهائية؛ أي ضرب "الإخوان" ابتداء، ثم الوصول ربما إلى سدة الرئاسة زعيماً أوحد، وليس العكس على النحو الذي قام به عبدالناصر. وإذا كان يفترض، مجرد افتراض، أن الديمقراطيين على اختلاف مشاربهم الفكرية لا يريدون إعادة إنتاج الحقبة الناصرية، بكل استبدادها وإخفاقاتها، إلا أن السيسي والمؤسسة العسكرية المصرية عموماً يظلان آخر من يلام أو يساءل على هكذا محاولة أو طموح محكومين بالفشل الحتمي. فوزير الدفاع المصري في محاولته، طوعاً أو كرهاً، محاكاة عقود مضت، لا يبدو أكثر من إنتاج لبيئته السياسية الحالية على مستوى النخب المصرية ككل؛ إسلامية وقومية ويسارية وليبرالية، وهي النخب التي قررت علاقاتها فيما بينها منذ العام 2011، استناداً إلى معطيات وحفريات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي! وليكون السيسي بذلك قد وجد نفسه تحت ضغط الضرورة أو الإغراء (لا فرق)، مدفوعاً إلى ملء الفراغ الذي خلفه موت جمال عبدالناصر في العام 1970، أي منذ ثلاثة وأربعين سنة فقط، لكن ما تزال نخب مصر جميعاً تصر على أن تعيش قبل ذلك التاريخ! عند حد الإجهاز على الديمقراطية، تنتهي إمكانية المماثلة بين عبدالفتاح السيسي وبين جمال عبدالناصر، حتى شعاراتياً. فإذا كان عبدالناصر رمزاً للقومية العربية، التي بها بنى مجده، وبسببها فقط غفرت له الجماهير المصرية والعربية كل خطاياه وهزائمه، فإن مصر اليوم، عقب ثورة "30 يونيو" التي يفترض أنها ثورة القوميين والليبراليين واليساريين، تبدو نقيض ذلك تماماً. فعدا عن حقائق تمويل ميزانية الجيش المصري أميركياً وغيرها، يظل الأهم والأخطر هو هذه التعبئة ضد السوريين والفلسطينيين ككل في مصر، باعتبارهم أساساً لكل مصائبها. ولا يمكن بأي حال التعمية على ذلك بادعاء استهداف جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس فقط؛ اللهم إلا إذا كانت هناك علامات فارقة يحملها أعضاء "الجماعة" و"الحركة"، تميزهم عن بقية السوريين والفلسطينيين في مصر! رغم كل ذلك، فإن الخشية كل الخشية أن يحاول السيسي أن يكون زعيماً خالداً على طريقة عبدالناصر بانتصاره في حرب 1967، فيخلد وزير الدفاع اسمه اليوم بهزيمة الشعب المصري نفسه، اقتتالاً وتناحراً داخلياً، لا يخرج منهما إلى أمد طويل. لكن مرة أخرى، لن يكون السيسي هو الملام وحده، وهو الذي يتمتع حتماً بتفويض نخبوي، إنما ليس شعبياً أبداً، لفعل لذلك.