لو أنّ جهة ما قامت باعتقال بطريارك الطائفة المارونية الكاردينال مار بطرس الراعي في لبنان مثلا لقامت الدنيا في العالم المسيحي ولن تهدأ إلاّ بإطلاق صراحه، وسنجد بابا الفاتيكان منتفضا مستعدا لإطلاق النفير العام من أجله، فكيف الحال لو أنّ البابا نفسه يعتقل أو يخطف؟ اعتقال المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين الدكتور محمد بديع ليس شأنا أقلّ، وهو بكل ما فيه من تفاصيل سياسية إلاّ أنّه يظل رمزا دينيا إسلاميا، ليس لأعضاء الجماعة في 72 دولة بالعالم بعدد منتسبين يقدر بعشرات الملايين وحسب، وإنّما لكل المسلمين في الأرض كافة، إذ إنّ صفة المرشد الأساسية للأخوان مرجعية دينية دعوية للإسلام بما يلزم الأمر من تفاصيل سياسية. وعليه يكون الاعتقال بجوهره هجوما مركَّزا على الدين، لفسح المجال أمام بعض مشيخة الأزهر التي أكثر ما تفتي للسلطة والسلطان، وقد تابع العالم الإسلامي كيف أنّ شيخ الأزهر السابق تهجَّم على تلميذة محجبة بالقول: «أمّال لو كنتِ حلوة هتعملي إيه؟»، مستندا لرأي السلطان مبارك في الأمر. إن لم يكن الدكتور بديع رمزا دينيا فما عساه يكون وهو الذي في محيطه 72 مراقبا عاما للأخوان المسلمين، وهل كان السيسي سيجرؤ على اعتقال بابا الأقباط وقد أكّد راعي كنيسة تابعة له للإعلام أنّ من حرقها بلطجية السيسي. وهل حقا لا يدرك السيسي معنى اعتقال المرشد وأيّ ردود فعل ستنتج عنه ليس في مصر، وإنّما خارجها أيضا؟! الذين أرادوها فتنة طائفية أعلنوا أنّ فرق فضّ اعتصامي رابعة والنهضة شُكّلوا عمدا من الأقباط لضمان القتل الذي تمّ، غير أنّ المرشد والقيادة معه رفضوا الادعاء مدركين المغزى والمصيدة، ولمّا فشل الفخ ذهبوا نحو ذات الهدف وهم يعلنون الأخوان إرهابيين، ويكفي للتأكيد ما أعلنه السفير المصري في أوروبا الخولي اعتبار اعتقال بديع خطوة للقضاء على كل الإخوان كما حصل للنازيين، فهل هذا السفير الذي يريد ذبح مليون مصري ينتمي إلى مصر حقا، أم تراه مجرما تخفّى حتى أتاه السيسي فكشف عن نفسه دون خوف؟ اعتقال المرشد انعطافة في تاريخ مصر والأمة وستكون عواقبه وخيمة إن لم يعالج فورا، فاليوم ليس كالأمس والسيسي لا يملك شعبية عبد الناصر ليسامحه المصريون وينجو.