أمر تنخلع له القلوب وتحار فيه العقول عندما تُفاجأ بعائلات بأكملها تتسابق على الصفوف الأمامية لرفض ذلك الانقلاب .. أقول عائلات بكاملها أي الوالد وزوجته وأولاده .. كل ترك الحياة الدنيا وتسابق إلى الحياة الباقية وجنة عرضها السموات الأرض ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر واقفا كالأسد الهصور في ميدان الكفاح السلمي لذلك الانقلاب الغادر. هذه العائلات العظيمة لم تهرع إلى ميادين التظاهر والاعتصام هربا من ضيق الحياة، أو كفرا بها، ولكنها عائلات تشهد سجلاتها بأنها من صناع حياة ناجحة ومتفوقة وهانئة ملؤها .. أطباء ومهندسون كبار وأساتذة جامعات ومعلمون ومبرمجون وطلاب متفوقون وعمال شرفاء .. أقرأ سجلات الشهداء أتوقف أمام ثروة علمية نادرة كانت كفيلة ببناء وطن بأكمله، وصنع تقدمه وحضارته، ولكن غارة الانقلاب الدموية دمرتهم .. قتلتهم ومثلت بهم واحرقتهم في مشهد لن ينساه التاريخ. راجع قوائم من خلف القضبان الآن ستجد نفس السجل المشرف من الكفاءات العلمية الفذة التي غيبوها، ويحرمون الوطن من خيرها ويغطون جريمتهم باتهامهم بالإرهاب. عائلات بأكملها منها من قضى نحبه ومنها من ألقى خلف القضبان ومن بقي مازال صامدا في ميدان رفض الانقلاب ..عائلة المرشد العام للإخوان .. فقدت الابن مهندس الكمبيوتر النابغة وألقي بوالده خلف القضبان … عائلة الشاطر سبقها عائلها المهندس خيرت الى السجن، وتبعه نجله سعد وبقيت العائلة في الميدان .. عائلة فارس الميادين د. محمد البلتاجي فقدت زهرة الوحيدة أسماء وبقيت العائلة في صفوف الصفوف، بينما يلاقي الوالد الاهوال خلف القضبان .. عائلة الدكتور عبد الرحمن الشواف الاستاذ بكلية الطب .. الوالد خلف القضبان وتبعته ابنته سمية الطالبة بكلية الاداب؛ لأنها قالت في رسالة لمدير أمن الجيزة " حسبنا الله ونعم الوكيل " وبقية العائلة في الميدان .. وعائلة الدكتور الزناتي .. الوالد خلف القضبان وفقد ابنه شهيدا وماتت أمه وهو في سجن الانقلاب .. الدكتورة حنان أمين أستاذ الطب سجنت وخرجت وبقي زوجها خلف القضبان. عائلات وعائلات وعائلات لا يعلمها الا الله، ولا تريد أن يعلم بها أحد لأنها نذرت نفسها لله لا تريد من حطام الدنيا شيئا، فلديها ما يكفيها من سعة الله، ولا تسعى لجاه او منصب او مغنم فمواقعهم العلمية بوأتهم بعرقهم أرفع المناصب، ولكنهم تركوا كل ذلك وناموا على الأسفلت في اعتصامات مفتوحة، ومنهم من فقد حياته ومنهم من يواجه السجن، ومن بقي مازال يواصل الطريق، طريق الثورة لإنقاذ مصر من حكم جائر حرق ويقود البلاد الى الهاوية. لكني أقف أمام " حفصة " أحمد بنت السابعة عشر من عمرها التي تمثل جيلا بأكمله، وتضرب أورع الامثلة في الثبات والإصرار على مواصلة الثورة، قابلت السجن برفقة والدتها الدكتورة منذ أسابيع بابتسامة تهزم أعتى سجان، وخرجت من السجن مع والدتها بنفس الابتسامة، متجهة الى ميادين التظاهر لتواصل الطريق .. حفصة أصغر السجينات تقريبا، وهي أخت أسماء البلتاجي على طريق الكفاح فهما من عمر واحد .. عمر الزهور المتفتحة على الحياة، وبينما أقرانهما كثيرات انطلقن في حياة اللهو، ومغامرات الصبا والفتوة، انطلقت أسماء وحفصة وأخواتهما الى ميادين الكفاح السلمي من أجل مصر … أي جسارة وأي شجاعة واي ايثار واي حب للوطن حتى التضحية بالروح من أجل استرداد ثورته. حفصة " أيقونة " الصمود وأسماء " أيقونة "التضحية تمثلان جيلا بأكمله لم تعرف مصر مثيلا له من قبل، وتلك العائلات بأكملها تمثل بحق " أيقونة " مصر الجديدة التي حتما ستسترد ثورتها. (*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية