قبل أيام فاجأني إبن جارة لي والصغير جداً .. لاتزيد سنوات عمره عن الأربع.. بسؤال والدته أمامي .. هل نحن حقيقة ام كرتون ؟ فتجيبه قائلة : ماتراه على التلفاز يابني هو كرتون.. ونحن حقيقة . هذا السؤال على الرغم من بساطته (كما يبدو)..لكني حينما أعطيته إهتمامي للحظات ..إتضح لي كم هو فلسفي .. وكم نحن سُذج . هذه الحياة أصبح كل مافيها ضرباً من الجنون القريب للخيال .. بل هو الخيال .. نعيش مرحلة نضرب فيها كفاً بكف .. لا نحن قادرين على التفسير ولا قادرين على التقبل..فقط نعيش .. إنه لأمر رائع ان تعيش فقط .. فهذا إنجاز أشعر بوجوب مكافأة المرء عليه .
ما يحدث في حياتنا الأن قد جاوز قدراتنا المتواضعة على الإستيعاب .. وماتعلمناه صغاراً من أفلام الكرتون وقصصها المليئة بصراعات الخير والشر والغلبة للخيروالفضيلة دائماً ... أصبح هو الخيال بعينه والمستحيل ...أبطال حكاياتنا القديمة إكتفينا بجعلهم أيقونات عالمنا الصغير الذي تركناه خلفنا .. أو من سئم منا وتركنا .
في (الحقيقة) تصادف كُثر مكلومين مفجوعين بتشوهات البشر من أمثالهم ..وترى العجائب التي فاقت حكايات (اليس) في بلادها العجيبة .. وتحارب اشراراً تعدى دمارهم خراب الكواكب .. دمّروا أنفسنا وصبغوا صفحات أيامنا البيضاء بألوان قبيحة كنفوسهم .. تفوقت على الأسود بعتمته .. لا أعرف لها إسماً.
كل يوم ألم جديد ينبت مروياً بضمأ الأرض وعتمة السماء .. إختلت النظم ولم يعد هناك حاجة للماء والهواء والضوء ( تعودنا فراقهم ) .. وموجود دائماً ذلك السيناريو (المعد مسبقاً) لتوفير الأمن والحماية للقاتل والكاذب والمغتصب والمحتال والخائن وغيرهم .. متناسين داخل أرواحهم المريضة بأنهم قد وضعوا بالتوازي معه سيناريو ( النهاية) .
هل نغلق الباب؟ هل نوصد النوافذ؟ ونكتفي بفضائات اليأس .. هل نسلم أنفسنا للمعاول التي في أيديهم لتتولى الهدم ؟ هل سنكتفي ابداً بالخيارات المطروحه وإن كان أحلاها مُر؟ هل ستطول بنا الإقامة الجبرية بين الضفتين ؟
تمنيت أن أجيبه حينها.. جميعها كرتون ياصغيري .. ماحاجته ليفجع (بحقيقة ) أن إستباحة الدم والكرامة والأرض والحق هي الحقائق المطلقة الأن .. لم يكن بحاجة لهذا الألم .. صغير، بريء ، نظيف جداً عليه .. عالمه لايزال نقياً من نفايات الشر ..والمُنقذ دائماً حاضر .. واللطفاء من حوله كُثر .. (والدببة الطيبون) رفاقه اينما حل .. والفتاة اللطيفة ذات الرداء الأحمر هي أجمل صغيرات الحي .. والصورة الأجمل للغد .. ومحارب الأشرار (غريندايزر) مستعد لإنقاذه كلما دعت الحاجه .
في عالمه الكرتوني لاوجود للون الأحمر إلا في ألوان الزهور وقرميد المنزل .. ولا يدرك السواد إلا في سمائات يلتحفها كل ليلة مزينة بنجوم ضاحكة يصدقها وتحرسه .. لايعرف مرادفاً للظلم فقد أخبره صديقه الحكيم (سنان) ......لاشر يؤذينا لا ظلم يؤذينا والدنيا تبقى امال للجميع !
الحقيقة الأوحد التي ادركها الأن .. جاري البحث عنها .. هل سنصل اليها ؟ قبل الجهات الأخرى التي تريد النيل من صدقها وخرس صوتها واعتقالها تهديداً للحالمين بها ، ولمن يحيد عن الطريق المرسوم ، ولمن يستعصي عليه فهم الدرس واستذكاره .
تلك الأيادي السوداء المتحركة بخفة اللصوص لتكميم أفواه المعلنين عن وجودها (الحقيقة) .. واقناعنا بالوسيلة الأوحد للأمان وهي الرضوخ بصمت .. تحت قوانين برمجة ومراقبة الخطى والسلوك .
عدت لسؤاله بنفسي علي أجد ضالتي المنشوده .. هل نحن حقيقة ولا كرتون ؟ قالها بثقة .. نحن حقيقة وأشار بيده للتلفاز قائلاً .. وهذا كرتون .. وهنا ادركت وجعي .
ياأيتها النفس المثقلة بحقائق عنوانها البشاعة.. وصوتها نعيق غراب يحلق على وادٍ مقفرٍ مليء بهياكل عظم وشجر صبّار.. عودي للوراء وانظري ولو من بعيد.. لطفل يبكي ويضحك ويحاور الدمى .. لم يبدل أسنانه اللبنية بعد .. ويانفس اتركي صرخاتك تعبر بهدوء بين الأمس واليوم والغد ( فلا فارق يذكر ).. وياقلب أكمل مشروع احتراقك علك تعود للحياة كطائر العنقاء .
هنا أقرر سأبدأ التمرد والعصيان وأعلن قيام جمهوريتي .. ومن أراد اللحاق بي فليسلك طريق قوس قزح ... ويعيش معي بدون مراكز ..لا حكام ..لانواب .. لاوزراء .. لا وجود لمن ينصب نفسه حامياً وراعياً للخليقة ... في جمهورية الكرتون . المصدر أونلاين