قائد الاحتلال اليمني في سيئون.. قواتنا حررت حضرموت من الإرهاب    هزتان ارضيتان تضربان محافظة ذمار    تراجع في كميات الهطول المطري والارصاد يحذر من الصواعق الرعدية وتدني الرؤية الافقية    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    الجنوب هو الخاسر منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    عنجهية العليمي آن لها ان توقف    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    غريم الشعب اليمني    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البلطجي الأصفر
نشر في المصدر يوم 27 - 11 - 2010

نشر الكاتب الرؤيوي هيرمان كان في العام 1969 كتابه الشهير «الدولة العظمى اليابانية الصاعدة». لقد تنبّأ الكاتب بأن تستمر اليابان في تحقيق معدلات نمو متفوّقة بما سيجعلها على رأس اقتصاد العالم في العام 2000، أي بعد حوالي ثلاثة عقود. لكنّ تسارع اليابان كان أكبر من توقعات كان. فقد سيطرت اليابان على أسواق الفولاذ والسيارات والإليكترونيات بصورة مؤكّدة في ثلث الفترة الزمنية التي توقعها كان. حدث ذلك عبر عملية اقتصادية عظمى تُدار مركزيّاً من خلال جهاز اقتصادي سيادي يقيم في وسط طوكيو. ولم يمض سوى أقل من عشر سنوات على نبوءة هيرمان كان حتى كان الكاتب المعروف عزرا فوغل يصدر كتابه.. Japan as Number One أو «اليابان في المركز الأوّل». الكتاب الذي أصبح الأكثر مبيعاً في أوروبا وأميركا. أما بعد حوالي ثلاثة عقود أخُرى من الزمن، 2010، على تقرير فوغل حول اليابان فهاهي الصين تصيب أكثر المراقبين ذكاءً بالشلل التام، والجميع بالذهول، وفي مقدمتهم اليابان. فمنذ حوالي شهرين أعلنت الصين عن نفسها بحسبانها ثاني أعظم اقتصاد على ظهر الكوكب، متجاوزة بذلك مملكة اليابان. قبل ذلك الإعلان بأشهر قليلة كانت قد فاجأت العالم بإعلانها "إزاحة ألمانيا إلى المركز الثاني" كأعظم مصدّر للسلَع والبضائع في العالم. بالنسبة لألمانيا فقد استدعى الأمر زياة قامت بها إنغيلا ميركل، وبحسب الصحف الألمانية فقد تحدثت ميركل مع الصينين حول المضايقات التي يتعرض لها الاستثمار الخارجي الألماني في الصين، لكن ما لم تقله الصحف الألمانية هو أن ميركل قد ذهبت بنفسها إلى بكين لكي تفهم ما الذي يجري هُناك. أما اليابان فإنها لم تعلّق على هذا الإعلان بطريقة مباشرة وربما اختارت أن تعبّر عن تبرّمها من سلوكيات هذا العملاق الأسيوي المخيف عبر احتجاز القبطان الصيني تشان تشيتشون(41 عاماً)، وطاقمه المكوّن من 14 بحّاراً. اصطدم قارب القبطان الصيني بدورية بحرية يابانية في بحر الصين الشرقي المتنازع عليه من قبل كل من اليابان والصين وتايوان، فقررت السلطات اليابانية محاكمته طبقاً للقوانين المحلية اليابانية، لكنها أفرجت عنه بعد أيام قليلة. لقد حدث أمرٌ مثير في تضاعيف هذه القصة. فعند عودة القبطان الصيني استقبله الصينيون استقبال الأبطال كما لو كان للتو عائداً من معركة مع عدو لا يساروهم أدنى شك في كونه كذلك. وبالنسبة لكثير من المدوّنين الصينين فقد كان القبطان الصيني يقاوم قوات معتدية على أراضي صينية مقدّسة منذ فجر التاريخ. وهم بالطبع يشيرون إلى جزر سينكاكو الواقعة تحت السيادة اليابانية. بالعودة إلى الشكل الأوّلي للمشكلة اليابانية الصينية: قارب صيد صيني يصطدم بدوريّة يابانيّة، تقوم الدورية اليابانية باعتقاله والإعلان عن نيتها محاكمته وفقاً للقوانين اليابانية بدعوى التسلل غير المشروع إلى مياهها الإقليمية. تتكشف الأيام التالية عن تصعيد صيني لا يمكن أن يُفهم بمعزل الصراع الخفي المحتدم بين العملاقين الاقتصاديين حول السوق العالمي. وفيما يبدو لقد أصبحت الصين في وضع يسمح لها أن تقول لليابانيين: اغربوا عن وجهي. أو أكثر من ذلك: لقد مللت من اعتمادكم علينا كمصدر لموادكم الأوليّة، وآن أن نفض هذه الشراكة.

دعونا نتذكر: سيطرت اليابان أواخر القرن التاسع عشر، 1895، على جزر سينكاكو إبان حكم إمبراطور اليابان العبقري "ميجي". ولكن الصين لم تتحمس لجزرها بهذا الشكل إلا مؤخراً، منذ سبعينات القرن الماضي. ثمّة تفسيرات متناقضة تحاول أن تشرح الموقف الصيني المربِك: هناك من يقول إن الصين، من خلال موقفها العنيف فيما يخص موضوع القبطان المحتجز، كانت تعرِبُ عن رغبتها في أن تملأ الفراغ الذي تتركه أميركا في شرق آسيا. بينما يرى آخرون، وبصورة معكوسة تماماً، أن الصين كانت تعبّرُ عن تبرّمها من توغل أميركا في شرق آسيا على نحو ما حدث من مناورات عسكرية مشتركة مع اليابان وكوريا الجنوبية، وتعزيز تواجدها مع الفلبين وسياساتها طويلة المدى تجاه الهند في ما عرِف ب" استراتيجية احتواء الصين". ولتعزيز التفسير الأخير يمكننا الإحالة إلى موقف وزيرة الخارجية الأميركية، كلينتون، في مؤتمر الأسيان الأخير في هانوي. لقد كان خطاب السيدة كلينتون موجهاً إلى دول جنوب شرق آسيا المتنازعة مع الصين حول قضايا السيادة على أجزاء من بحر الصين الجنوبي. كانت كلينتون واضحة وقاطعة: إن أميركا تنظر إلى بحر الصين الجنوبي باعتباره مصلحة أميركية، وتؤكد على أن تحَل منازعات دولهِ مع الصين في إطار الأسرة الدولية. وهو تعليق أزعج الصينيين على نحو بالغ، واستدعى مداخلة من رئيس الوفد الصيني استمرت زهاء عشرين دقيقة لم تبارح فيه نظراته وجهَ السيدة كلينتون. أما خلاصة ما قاله فقد كانت جملة واحدة: من الأفضل لأميركا أن لا تتدخل في هذه المنطقة من العالم، فالصين تعرفُ جيداً كيف تحل مشاكلها مع جيرانها "بصورة منفردة، مع كل دولةٍ على حدة". إن هذا التعبير هو بالضبط ما تخشاه أميركا التي تسعى إلى خلق احتشاد أسيوي في مواجهة هذا التنين المُخيف.

لكن ماذا لو قلنا رأياً آخر؟ مثلاً: يمكن تفسير الصدام الصيني الياباني حول جزر سينكاكو من واقع نتائج المسوح الاستكشافية التي أظهرت وجود كميات هائلة من النفط والغاز في تلك المنطقة من العالم. فضلاً عن أن الصين، ربما، أصبحت تشعر أن الوقت قد حان لخنق جارتها اليابان، في ماراثون السيطرة على أسواق العالم، عبر حرمانها من عنصر قوتها في السوق العالمي: الإليكترونيات والسيارات والمحرّكات. فهذه المنتجات الفائقة تحتاج بقوة إلى "عناصر أرضية نادرة" (rare earth metals) توفرها الصين بدرجة رئيسة لليابان. فبحسب وكالة رويترز، فقد قال الناطق باسم الخارجية الصينية إن الصين تنوي إيقاف تصدير مثل هذه العناصر إلى اليابان، وأن الأمر لا يتعلق بمسألة القبطان بل بحق الصين في حماية احتياطياتها من هذه العناصر الثمينة. إذن فالأمر لا يتعلق بنية الصين شغْر فراغات قوى كبرى وحسب، بل بتصميمها على خلق فراغات قوى ثم سدّ هذه الفراغات بزخمها الأسطوري. إن الدخول مع اليابان في معركة من سيملأ سوق المحرّكات والإليكترونيات في العالم لا يعني سوى أن اليابان، في مواجهة الصين، أصبحت تخوض معركتها المصيرية. وهناك من ينظر إلى المعركة بحسبانها ذات مرحلتين: في الأولى ستخنق الصين احتياجات اليابان، وفي الثانية ستخنق أميركا احتياجات الصين من الطاقة والفولاذ. لكن: هل أعدت الصين نفسها للمرحلة الثانية من المعركة؟ سنحاول الإجابة عن هذا التساؤل في مرات قادمة.

لقد كان حادث اعتقال القبطان، ربما، محاولة يابانية للفت أنظار العالم إلى الطبيعة العدوانية لهذا التنّين، وعلى رأس خصاله المثيرة يأتي عمله الدؤوب على احتكار بحار آسيا، وجزرها، لصالحه الخاص. كان الرد الصيني عنيفاً ومبالغاً فيه، حتى أن كثيرين تساءلوا حول كيف يمكن لدولةٍ ما تكترث لعلاقاتها الاقتصادية مع دول أخرى أن يكون رد فعلها على هذا المستوى من التهوّر. تجدر ملاحظة أن حجم التبادل التجاري بين العملاقين تجاوز الرقم 147 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام. إننا نشير هُنا إلى رد تمثّل على هذا النحو: منع بعثات طلابية يابانية من زيارة مدارس صينية في بكين، الانسحاب من دورة رياضية في طوكيو بحجّة أن اليابان لم تضع عبارة "تايوان الصينية" تحت اسم الوفد التايواني. وربما وصل الأمر لحدود أكثر عدواناً. فقد نشرت وسائل إعلام أسيوية معلومات حول محادثات يابانية مع بعض الدول الأسيوية، فيتنام على سبيل المثال، بغية حصول اليابان على المواد الأولية التي كانت تحصل عليها من الصين، ولم يعُد الأمر متاحاً لها كسابق عهدها. وقد أشرنا إلى هذا الأمر في تصريح على لسان الناطق باسم الخارجية الصينية. لم يتوقف الأمر بالنسبة للصينيين فقد قرروا إيقاف كل عمليات التواصل رفيعة المستوى مع اليابان، إيقاف عمليات التطوير المشترك لحقول الصين في بحر الصين الشرقي، وحتى إلغاء زيارة لنائب رئيس البرلمان الصيني إلى طوكيو. فضلاً عن استدعاء سفير اليابان في بكين خمس مرات متتالية، بالتزامن مع رسالة احتجاج شديدة العنف أرسلها السفير الصيني في طوكيو إلى وزارة الخارجية اليابانية. لقد حدث بالضبط ما تمنت اليابان أن تريه للعالم: هاهو العملاق الأسيوي العدواني يتمدّد بصورة ليس فيها مراعاة لمصالح بقية شعوب الأرض. وهو بالضبط ذلك التعليق الذي أبداه محلل اقتصادي أسترالي على قناة "سي إن بي إس" حول حديث الصينيين عن تخوفهم من ترك عملتهم ترتفع في مقابل العملات الخارجية، طبقاً لقوى السوق، لأن ذلك من شأنه أن يلقي بملايين العمال الصينيين إلى الأرصفة. يقول محلل استرالي: إذن فما الحل؟ هل يعتقد الصينيون أنه من المناسب أن يخرج الملايين من عمالنا نحن إلى الأرصفة؟ أما نتيجة الصدام الياباني-الصيني العاجل فقد تمثّلت في تسريع دخول أميركا بشراستها المعهودة في مرحلة جديدة من مراحل الصراع شبه العلني مع الصين: حرب العُملات Currency war، وهي حرب لم تكن اليابان ترغب في أن تراها تجري على ذلك النحو لأن من شأنها أن تزيد من ألم الاقتصاد الياباني الذي لم يهدأ منذ العام 1991م وحتى الآن. سنتعرض لهذه الحرب في مقالات لاحقة.

في تسعينات القرن المنصرِم عانى الاقتصاد الياباني من ركود مخيف. لقد انفجرت فقاعة سوق العقار فجأة، ودخلت اليابان في هزّة اقتصادية شككت في كل تلك المقولات حول العقلية اليابانية الآلية والمنطق الاقتصادي الياباني الحذِر. تجسّد الركود الاقتصادي في اليابان على إثر تضاعف فقاعة سوق العقار حتى بلوغه هذه الصورة: لقد ارتفعت أسعار الأراضي في طوكيو إلى الحد الذي جعل من قيمة الأرض المقام عليها قصر الإمبراطور تساوي إجمالي أراضي ولاية كاليفورنيا، كما ينقُل بول كروغمان، الحائز على نوبل في الاقتصاد. شيئاً فشيئاً بدا أن اليابان تتجاوز هذا الفخ. كانت الأسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها: نمو الصين المتسارِع. لقد احتاجت الصين في صناعاتها للكثير من القطع والآلات والمعدات الصغيرة المصنّعة في اليابان. وهكذا، فيما يبدو، نهضت الصين على أكتاف اليابان وخرج اليابان بدرجةٍ ما من ركوده العظيم على نار التنين الشرِه. لكنّ الأمر تغيّر فيما بعد إلى حد كبير. إذ بدا أن الصين واليابان سيتنافسان على ذات السوق، تحديداً: شرق آسيا وسائر دول العالم الثالث، وحتى السوق الأوروبية ذاتها. لكن اليابان لا يزال يرزح في ركود كبير، فمعدلات نموّه لا تتجاوز ال3% في مقابل معدلات نمو صينية تتراوح ما بين 8% و10% وهي نسبة نمو لا يجاريها على مستوى العالم سوى الاقتصاد الهندي الذي سيدخل نادي التريليون، الذي يضم ست دولٍ فقط، بدءا من موازنة 2012م.

كان المتظاهرون الصينيون، الذين أخرجهم النظام للتنديد باليابان، يصرخون بكل عدوانية ضد العدو الياباني. ذلك العدو الذي مارس ضدّهم بشاعات كبيرة عقب احتلاله لمنشوريا، شمال الصين، في منتصف ثلاثينات القرن العشرين، كما يعتقد الجيل الجديد من الشباب الصيني. وبالرغم من أن السلطات الصينية تحظر التظاهر إلا أنها سمحت لغاضبين صينيين أن يصرخوا أمام عدسات التصوير ومراسلي الصحف بعبارات على شاكلة: إذا كان ولا بد من مواجهة شياطين اليابان فلنبدأ بمقاطعة بضائعهم. بينما انحصرت الردود الرسمية اليابانية حول التحذير من فخ السماح للنزعات القومية المتشدّة extreme nationalism من أن تنال من حالة التعاون والشراكة القائمة بين البلدين. يقف في مساندة هؤلاء المتظاهرين الصينيين حوالي 70 مليون مدوّن صيني يُعتقد على نحو بعيد أنهم يشكلون فعلاً ضاغطاً على السياسات الصينية الخارجية، وأن هذه السياسة الخارجية تبيع لهؤلاء الشباب، الذين ولدوا في عصر شرائح السيليكون، مواقف خارجية مريحة ومرضية بالنسبة للنزعة القومية الاستقلالية في مقابل صرف قواهُم عن التفكير في أزمة الديموقراطية، والعدالة إجمالاً، في الصين. سيحدث هذا الأمر في مقابل كبت داخلي مريع، على مستوى الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية، تمارسه السلطات الصينية على كامل ترابِها. لقد أضحت مقولة "إذا كنت ضحية في الصين فما عليك سوى أن تجزّ على أسنانك قليلاً ثم احمل مصيبتك إلى الأبد just grin and bear it " أمراً حتميّاً وقانوناً نهائيّاً لا يقبل المراجعة في الزمن الصيني الراهن. فالذين يتذكرون جيّداً مذبحة ميدان السلام السماوي، 1989م، وما فعلته الصين بالمتظاهرين يدركون الآن أن ما يحدُث في الصين – على سبيل المثال: مع مسلمي الأيغور، ومع المحتجين على كارثة الحليب المسموم بالميلامين حيث سقط ضحيته على الأقل 53 ألف طفل صيني بين الموت والمرض - لا يختلف في الدرجة والنوع مع تلك الحادثة المريعة. وفي الحالين: لدينا تنين متوحّش ينقلب على قوانين العالم لغرض دعم تجارته الخارجية بغض النظر عن التزاماته الدولية، كما حدث في تعويمه المتعمّد لعملته برغم توقيعه لاتفاقية التجارة الحرة 2000 وموافقته على النص الذي يشير إلى ضرورة ترك أمر العملة لقوى السوق. وفي الوقت نفسه: ها إنه يفترس أبناءه بشهية متوحشة. وبالنسبة لتوماس فريدمان، الأميركي الألمع، فإن الصين في سياساتها الخارجية تصبح إلى حدّ ما رهينة لهؤلاء الملايين الكثيرة المسكونة بفكرة القومية الصينية والعدو "الخارجي" الذي عمل على مدار قرون مديدة ضد أن تحصل الصين على مكانها المستحق في العالم. ففي استقصاء حديث لصحيفة إنجليزية قال أكثر من 90% من المختصين بالشؤون الدولية الذين استطلعت الصحيفة آراءهم أن الصين تتعامل مع مجالها الخارجي بعدوانية ولامبالاة بالقوانين والالتزامات. وبالنسبة لسلوكها الداخلي فإن الصين تفضّل هذا النموذج الإمبراطوري البدائي: لقد حكمت بالإعدام على مجموعة من المسؤولين عن تسمم حليب الأطفال بالميلامين دون محاكمات حقيقية، فالأمر يتعلق بسمعة تجارتها الخارجية، بقوتها المتنامية، بقدرة مشروعها الإمبراطوري على البقاء متخفّياً خلف ستارة التصدير المُريح. أما بالنسبة لأولئك الذين رفضوا قبول التعويضات عن إصابة أبنائهم بأمراض في الكلى، وغيرها، بسبب سموم الميلامين فقد زجّت بهم في السجون، وأيضاً: دون محاكمات، فالأمر يتعلق بسمعة سلطات القمع على نشر السلام الإلهي الذي لا تشوبه شائبة شكوى أو احتجاج داخلي. جاء التبرير الرسمي في وثائق الدعاوى مختصراً: لأنهم يثيرون اضطرابات تهدد السلام الاجتماعي وتنال من سمعة الصين. على هذه الشاكلة تصاغ الدعاوى في الصين دائماً. وهي رسالة إلى الداخل والخارج في آن واحِد: عليكم أن تختاروا طريقاً واحداً للتعامل مع الصين، وهو ذلك الطريق الذي ستحدده لكم الحكومة الصينية. ومن فضلكم لا تفكروا على نفس منوال ما تفعلونه في العراق أو إيران، فهُنا يخضع المليار وثلث المليار مواطن لعينٍ شديدة اليقظة وذراع سريعة الحسم.

وبالعودة إلى قصة القبطان الصيني، فإننا بإزاء مناورة صينية ذت بعدين: الإعلان عن ذاتها بحسبانها شرطي آسيا الجديد الذي يتأهب ليصبح "بلطجي العالم الجديد ذا اللون الأصفر" بعد قرون من سيادة "البلطجي الأبيض". وفي الوقت نفسه تفريغ الطاقة والحماس لدى الشباب الصيني الخلوي في مواجهة أعداء خارجيين لا يزالون يدبرون المكائد للصين منذ أمدٍ بعيد. من شأن هذه الإزاحة لحماس الجيل الصيني الجديد أن تطيل أمد حكومة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بأقل قدر من التشويش. وربما لتوحيد الجبهة الداخلية بصفة مستمرّة تخوّفاً من حالة "إصلاحية" قد تحظى بالدعم من قبل القوى الغربية كما يجري في إيران. وفي المجمل: ما يجري بين قوى العالم الصناعي الأول، أوروبا واليابان وأميركا، من جهة وبين الصين يبدو أنه مرشّح لمزيد من التصعيد. ولأن الأمر يتعلّق بالصراع حول السيادة، بالنسبة لبعض الدول، والأمن بالنسبة لدول أخرى، وبقدرة البعض الثالث من الدول على إدارة شؤون اقتصادها وتجارتها، وما يترتب عليه من قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية الداخلية، فإن هذا الصراع سرعان ما سيتطور إلى العلانية المحضة وستكون تداعياته غير سارّة بالنسبة للعالم بأسره. وعلى الأقل ففي المدى المنظور لا يوجد طريق ثالث مؤكّد يمكن لهذا الصراع أن يسلكه، فهو إما أن ينام فجأة – وهو ما لن يحدث إلا إذا نامت أطراف الصراع- أو ينطلق بزخم أعلى.

المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.