استغلت أحزاب اللقاء المشترك الذكرى الثامنة لاغتيال جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني، لتقيم تجربة هذا التكتل المعارض الرئيسي في البلاد، والذي يعد جار الله عمر بمثابه مهندسه الأول، والذي لعب دوراً كبيراً في إخراج هذه التجربة الفريدة إلى النور. وبهذه المناسبة عقدت اليوم الأربعاء ندوة بصنعاء شارك فيها قيادات أحزاب المشترك وعدد من السياسيين والمهتمين بالحياة السياسية في اليمن.
وقد ساد شبه اتفاق لدى أكاديميين استطلع آرائهم "المصدر أونلاين" أن تجربة اللقاء المشترك استطاعت أن تدفع بعجلة الحياة السياسية التي كانت شبه متوقفة في البلاد، مشيرين إلى ان فكرة إقامة تكتل من عدد من الأحزاب تعد سابقة هي الأولى في اليمن، وتدل على تطور المعارضة العملية في الساحة اليمنية.
وقال الدكتور محمد الظاهري أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء إن تجربة اللقاء المشترك تحمل دلالات إيجابية في الحياة السياسية تتمثل في انتقالها من التقمص الايدلوجي إلى الحركة والفعل، فقد التقى الاشتراكي مع الإصلاحي مع الوحدوي وبقية الأحزاب الأخرى وهذا جانب إيجابي، وهذه محاولة انتقال من المعارضة الحزبية إلى المعارضة المجتمعية في هذا الإطار، ومحاولة نسيان الماضي.
وأضاف في تصريحات ل"المصدر أونلاين": "اللقاء المشترك يصنف في إطار معارضة حزبية سلمية، لأن اليمن يعرف معارضات متعددة، فهناك معارضة مسلحة كالحوثيين ومعارضة القاعدة ومعارضة شبه مسلحة، فأنا أخشى أن يتحول الحراك من معارضة سلمية إلى معارضة مسلحة، ولكن اللقاء المشترك هو معارضة سلمية بعكس المعارضات الأخرى".
ويرى الظاهري أن اللقاء المشترك في وضع لا يحسد عليه، وعليه أن يثبت أنه معارضة حزبية فاعلة، وقال "أطالب المشترك أن يتمثل بسلوك الأسد او الفهد أو النمر في مرونته وحركته بعد إعلانه إمكانية نزوله إلى الشارع بهبة غضب شعبية، أو على الأقل أن يقلد القط الذي يدافع بمخالبه إذا حاصره أحد في أي مكان، والمعارضة في محك حقيقي، إما أن تكون معارضة حقيقية أو لا تكون لأن الحاكم لم يتح لها فرصة، وأخشى ان يفقد المواطن اليمني ثقته في المعارضة الحزبية".
بدورة أشار الدكتور عبدالكريم قاسم دماج إلى أن اللقاء المشترك مر بمرحلة إيجابية التكوين، تكمن في ما يطرحه من مشاريع سياسية واجتماعية واقتصادية منقذة ووضع الحلول للحال الذي يعيشه البلد، ومدى فهمه للأوضاع دون توتر الناتج عن الاستقطاب السياسي الكبير.
وقال دماج ل"المصدر أونلاين" المشترك استطاع أن يجعل من تجربة الحوار بديلاً عن الصدام والتنافر، وأوجد التفاهم وتبادل الأفكار والبرامج بديلاً عن الاتهام والعنف والإدانة والتخوين، وهي تتطور وتسهم في خلق أجواء إيجابية في العمل السياسي، وهذه الأجواء تبنى على أنه ليس هناك من يحتكر هذا الوطن ويدعي أنه يملك الحقيقة وحده، ويجعل أبناء الوطن يشعرون أنهم شركاء في هذا الوطن قبل أن يكونوا شركاء في السياسة بدون استثناء، والإسهام في وضع قواسم مشتركة تتجاوز الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية التاريخية، للوصول بالوطن إلى خروج من هذه الأزمات.
وأضاف "اللقاء المشترك نحى منحى إيجابي والدليل على ذلك أن تلك الأحزاب اجتمعت فيما بينها لتكوين لقاء موحد لديه برامج وخطط إيجابية بعيداً عن العنف كما تتخذها بعض القوى في الساحة، لأن العنف لا يمكن أن يجر البلاد إلا إلى عنف ودمار وخراب، ويجب أن تبحث مسببات العنف بعمق، ولهذا فقد درس المشترك هذه النقطة وقد جعل الحل لها عن طريق الحوار والفعاليات السلمية والاعتصامات، ويجب أن تمارس الأحزاب والمنظمات المدنية حقوقها في ذلك دون حضرها من قبل السلطة".
من جانبها ترى الدكتورة ابتسام المتوكل أن فكرة اللقاء المشترك في حد ذاتها فكرة إيجابية، وقالت ل"المصدر أونلاين": "ان يلتقي الحزبيون في هذا الوطن من أجل قضية أسمى من الخلاف الذي بينهم من اجل إصلاح وإنقاذ الوطن من الانهيار لا خلاف بأن هذا شيء يحسب لهم، وحين نذكر اسم أحزاب المشترك نتذكر احد المؤسسين والذين أسهموا بشكل كبير في تأسيس اللقاء المشترك وهو الشهيد جار الله عمر، وهو أحد الذين ماتوا واستشهدوا من أجل أن يبقى ويستمر".
ولفتت إلى أن "العمل السياسي الحقيقي بدء بوجود هذا التكتل لأن السياسة لا تعرف التعصب القبلي، والمشترك بعيد عن ذلك كونه أحزاب وليس قبائل، لأنه يتعايش مع الجميع ويقبل الرأي والرأي الآخر دون الرفض، والمشترك اوجد حالة جديدة في المجتمع اليمني وأحيا السياسة الراكدة، ولعل قبول الاشتراكي الإصلاح والوحدوي قبل الإصلاحي والبعثي وبقية الأحزاب، يضفي على الحياة السياسية شيء من الانفتاح والعمل الجاد من أجل الإصلاح".
وأضافت "خلال العشرين السنة الماضية كانت الحياة السياسية غير موجودة، لكن في السنوات الخمس الخيرة بدأ الحراك السياسي بوجود المشترك المعارض وهو ما جعل الكثير من الأمور تظهر على الساحة والكثير من الخبايا، بعكس الماضي"
وبحسب أكاديميين فإن المشترك يواجه حالياً مهمة صعبة قد لا يستطيع تجاوزها إذا بقيت معارضته مبنية على البيانات والتنديدات التي يصدرها من داخل القاعات والمجالس، مؤكدين أن الطريقة الوحيدة لإكمال مسيرة ما بدأه تكون عبر نزوله للشارع والتحامه مع المواطن الذي أصبح وحيداً في صراع يحدث بين حاكم ومعارض، دون أن تستفيد المعارضة للمواطن الذي باستطاعته أن يرجح كفتها.
كما أكدوا بأن الحل للخروج من الأزمة السياسية الحالية هو العودة إلى الحوار الجاد بعيداً عن المناكفات والاتهامات المتبادلة، داعيين الحزب الحاكم إلى عدم تغليب مصلحته الشخصية عن المصلحة الوطنية، والابتعاد عن معاندة المشترك الذي قد يدفعه أن يتحول من معارضة سلمية إلى معارضة عنيفة.
الدكتور الظاهري قال أن الظرف الحالي الذي تعيشه السلطة الحاكمة والضعف وسعيها الحثيث إلى أن تتقمص بأنها قوية، قد يدفع المعارضة المتمثلة باللقاء المشترك أن تفقد الأمل السياسي وأن تتحول من معارضة حزبية إلى معارضة عنيفة، مدللاً بذلك " عد أن حشر الحزب الحاكم المشترك في زاوية بإطلاقه ألفاظ مستفزة وأحياناً إطلاق عبارات تجرم الخصوصيات، مثل القول ان المشترك (بيع كلام)، وكذا محاولة جر هذه الأحزاب إلى منطقة العنف، كما أن تصريح سلطان البركاني في إحدى الصحف عن نزول المشترك للشارع كان مستفزاً عندما قال "من هدد ما قتل"، وهذا يكشف حقيقة الحياة السياسية اليمنية المشحونة بالقتل والإجرام ومثل قول الحزب الحاكم "الوحدة أو الموت"، لماذا لا يقولون الوحدة أو الحياة، إلا إذا أجبرنا أن ندافع عن حقوق شعبنا وحرياته وسيادة الوطن".
ويضيف "تهديد الحزب الحاكم للمشترك في دخوله الانتخابات منفرداً، وقيام المشترك بمثل هذه الفعاليات يعكس رغبته في حلحلة الأمور والدفع إلى الأفضل ولكن هناك عناد من الحاكم لذلك، وإذا استمر الحاكم في هذا الإطار ودخوله الانتخابات وعدم عودة الحكمة للحاكم السياسي ويستمر هذا الرهان وهدم المعبد والسد المنيع، اخشي أن تتحول الانتخابات إلى انتحابات، أي أن يتحول ال27 من فبراير القادم إلى بكاء شديد كموعد لالتقاء المتقاتلين وأن تتحول إلى حرب أهليه يمنية، لأن محاولة الحزب الحاكم لاستنساخ التجربة المصرية غير قابل استنساخها في اليمن لأنه شعب مسلح وجغرافي وتضاريسي وثقافي مختلف عن مصر".
وحذر الظاهري من الغضب الذي قد يحدث من كوادر تلك الأحزاب وقال "الرئيس صالح يقول أن قادات أحزاب المشترك عقلانيين، ولكني أحذر من كوادر الأحزاب التي أرى أنها لن تسكت كثيراً وربما تنفجر في أي وقت وقد تلجأ للشارع، وأقول كمواطن يمني وليس أكاديمي سنضع أقلامنا وألحافنا على أدراجنا ونضع أكفاننا على أيدينا لنوجد لأبنائنا وأحفادنا وطناً خالياً من الفساد والاستبداد والظلم".
ويرى أن المشترك لا زال حبيس إصدار البيانات والبرامج من داخل المجالس والقاعات، مطالباً بالمعارضة النزول للشارع وتهيئ نفسها لدفع ضريبة وثمن، لافتاً بقوله "المواطن اليمني وصل إلى مرحلة لا يهمه السياسة بقدر ما يهمه الجانب الاقتصادي، وهذا المواطن يحتاج إلى من يتحدث إليه ويسمع منه آلامه ويسعى لتحقيق آماله، والتحدي كبير أمام المشترك عليه أن يلتحم بالشارع وتلمس هموم المواطن اليمني وأن تكف عن توثيق أخطاء الحزب الحاكم وتوثيق مراحله التاريخية لأن المرحلة عصيبة ولا تحتاج لمثل هذه الفعاليات، لأن الواقع يحتاج للانتقال من التنظير إلى الفعل والحركة".
من جانبه، قال الدكتور عبدالكريم قاسم دماج ان السلطة لم تقدم حلولاً كاملة لحل هذه الأزمات ولم يتمكن المشترك من إيجاد حلول كاملة، مشيراً إلى فتح حوار جاد ومسؤول سيمكن الخروج من هذه الأزمات، حيث يرى من يرفض تلك الحلول والحوارات يكون "مكابر أو أعمى بصيرة".
ودعا دماج "جميع الشرفاء للعمل من أجل الخروج باليمن من الأزمات"، كما دعا الحزب الحاكم للرجوع للحوار مع المشترك للخروج من المشاكل التي تعصف بالبلاد، وطرح رؤى موضوعية وعلمية بعيداَ عن الكيد السياسي وعدم منع الفعاليات والاعتصامات التي يقيمها المشترك ومواجهتها بالقوة.
وأضاف "المشترك نحى منحنى جيد في العمل الديمقراطي السلمي، ويجب على الجميع ان يشارك في حل المشكلات حتى لا يندمون في الأخير، اليمن وصل إلى نقطة كبيرة من الخطر، وربما سنبكي كثيراً إذا لم يتم تجاوز هذه المشاكل، واللعبة الان بين يدي المشترك والحاكم وعليهما ان يعملان من اجل البلد".
فيما اعتبرت الدكتورة ابتسام المتوكل الاعتصامات التي نفذتها الكتل البرلمانية للمعارضة انها أوجدت شيء إيجابي يحسب للمشترك ويعبر عن رقي المعارضة.
كما دعت الحزب الحاكم إلى إعادة النظر في ما أسمتها ب"سياسة الأمر الواقع التي يفرضها لإقامة الانتخابات"، وقالت "إذا استمرت السلطة على هذا الوضع لن تخدم الوطن الذي تزعم السلطة من حين لآخر وبأنها الوحيدة التي محبه له والتي تحرص على مصالحة، وإذا كانت السلطة حريصة لابد أن تنظر للشق الثاني الذي يعترض على هذه الإجراءات ولديه ثقله وله آلياته المدنية للتعبير عن اعتراضه".
وفي الندوة التي نظمها المشترك، وتستمر لمدة يومين، استعرضت خلال اليوم الأول عدد من أوراق العمل عن الأحزاب منذ تأسيسها وما قدمته في الساحة الوطنية، بالإضافة إلى خلفية عن إقامة اللقاء المشترك والأبعاد الاجتماعية والسياسية، والتي قدمها قيادات في أحزاب المشترك. وتختتم الندوة صباح الخميس بعدد من التوصيات والنتائج التي ستخلص إليها الندوة.