من المؤكد أن لدى الطغاة من الحكام العرب دليل استخدام موحدا يتسلمونه مع أول يوم يثبون فيه إلى كرسي الحكم. خطواتهم في الحكم واحدة، متطابقة، متجانسة، لا تكاد تفرق هذا الحاكم عن ذاك، ولا هذا النظام عن ذلك النظام. الفساد هو الفساد، والوعود الكاذبة هي ذات الوعود الكاذبة، والأجهزة الأمنية «فولة وانقسمت نصفين»، لا تختلف إلا بأعدادها وألوان زيها الرسمي، والوزراء والبطانة، سبحان الذي خلق ولم يفرق، لا تكاد تراهم إلا نسخاً تم نسخها من المصدر ولصقها في بلادهم. يعيثون في البلاد فساداً واستحواذا وكأنها تركة أورثهم إياها أجدادهم الُأول، فيقسمونها بين أولادهم وأتباعهم وأحزابهم وبلطجيتهم، ويرمون بالفتات، إذا ما تبقى منه شيئاً، إلى تلك الشعوب الصابرة. يصورهم الإعلام الرسمي بالقادة المنقذين، وأن البلاد قبلهم لم تكن في حال تسر العباد، وهي معهم في أفضل حال، وبعدهم ستنهار وتغوص في رمال الفتنة والضياع. كلهم قادة، ويحظون بالاحترام الدولي، وكلمتهم مسموعة، ودورهم رئيسي وفعال ولا غنى عنه في الحفاظ على السلام العالمي، وعاش الحاكم ومات أعداؤه، ولا صوت يعلو فوق صوت القائد الضرورة. وجميعهم يسهرون على راحة الشعب الذي لا يُقدر عطاءاتهم، ولا يستحقونهم. وما ان تخرج الجماهير الصامتة عن صمتها، ويفيض ميزان الصبر بها، وتخرج مطالبة برحيل القائد وأبنائه وأعوانه وحزبه ونظامه، إلا ويخرج القائد على الجماهير ليحدثهم عن الأجندات الخارجية والوحدة الوطنية والحرب الأهلية والفوضى ورغيف العيش و«حالكم أفضل من غيركم» و«بلادنا غير»، ولأن حال شعبه الناكر للجميل أفضل من غيره، يتجه الحاكم إلى قمع الشعب مرة بالجيش ومرة بالشرطة ومرة بالخيل والجمال والمرتزقة، ليعود بعد ذلك إلى تقديم المزيد من التنازلات ويدعوهم إلى الحوار، و«خلونا يا جماعة نبني بلدنا»، ويعدهم بمحاسبة من أصدر الأوامر بقتل المتظاهرين، وهو في الغالب وزير الداخلية السابق أو الحالي، حسب الظروف والتساهيل، ثم يقدم جولة أخرى من التنازلات التي لن تنتهي إلا بخروجه إما هارباً وإما هارباً. هم ملةٌ واحدة، وكأن تاريخهم كُتب في لوحٍ واحد، ليس بينهم من يفكر في الجلوس مع شعبه والتحاور معه قبل القمع وليس بعده، وليس بينهم من يعد بالمنجزات وينفذها قبل الثورة لا بعدها، وليس بينهم من يعترف بفساد نظامه فيصلحه قبل أن تتعالى صيحات الجماهير: «الشعب يريد إسقاط النظام». وليس بينهم من يترك الكرسي بغير الموت أو الهروب.