إلى ما قبل الثورة التونسية والمصرية كان اللصوص والنهابين في بلادنا رجال محسودين وبهلوانيين يبلغون الثراء السريع في بضع سنيين ويوظفون أسرهم وأقاربهم في الدوائر الحكومية بدون أن يمسكوا طوابير لسنيين أمام وزارة الخدمة المدنية ودون مؤهلات تذكر، يعملون كل ذلك باطمئنان تام واحترام بالغ ليس لأنهم يدركون أن ما يقومون به هو الصواب بل لأنهم يعلمون أن القيادة العليا لهذا البلد قد سمحت لهم بذلك نزولا عند القاعدة العامة "كُل.. وأكِّل". فالرئيس علي عبدالله صالح الذي يغير سيارات طاقم موكبه كل ستة أشهر ويصرف يوميا مئات الآلاف من الدولارات "للمطوبرين" في رئاسة الجمهورية دون حق يذكر إضافة إلى السيارات والاعتمادات التي يصرفها للمشايخ والمتنفذين بالمجتمع، لا يستطيع أن يقول لمن يولي من المسؤلين كفوا أيديكم عن خزينة المال العام، وعلى هذا المنوال سارت السفينة ليس إلى بر الأمان كما يدعي بوق الحاكم, الإعلام الرسمي, بل إلى ظلمات بعضها فوق بعض وأصبحت السفينة اليوم على أرض الواقع تغرق لولا أن هيئ الله لها هذا الشباب الواعي وصاحب الإرادة القوية في التغيير ومعهم عاد الأمل للنجاة. اليوم، واليوم فقط عادت نواميس الكون إلى مسارها الصحيح فلم يحدث أن أصبح اللص يوما ملكا، بل أصبح اللصوص اليوم يرتعدون خوفا من يوم الحساب الذي جعله الله سبحانه وتعالى معجل في الدنيا قبل الآخرةن وأصبحوا يتوهون في سؤال لطالما كان غائب في عهد دولة الغاب "من أين لك هذا؟". تقول التقارير الدولية ان 7 مليون ونصف المليون جائع في اليمن يتضورن جوعا، وان الذين يعيشون تحت مستوى خط الفقر وصل إلى 47,6% وأن 58 % من أطفال اليمن يعانون من سوء التغذية، وكل هؤلاء الجائعين لم يكونوا ليجوعوا لو وجدت العدالة الاجتماعية وصين المال العام من العبث المستمر، فلقد نصب الفقراء محاكم شعبية لمحاكمة الفاسدين تسأل فيها أعينهم قصور وشركات اللصوص قائلة على لسان شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني: لماذا لي الجوع و الشبع لك ؟ يناشدني الجوع أن أسألك وأغرس حقلي فتجنيه أنت؛ و تسكر من عرقي منجلك لماذا؟ و في قبضتيك الكنوز؛ تمدّ إلى لقمتي أنملك وتقتات جوعي و تدعى النزيه؛ وهل أصبح اللّصّ يوما ملك؟ لماذا تسود على شقوتي؟ أجب عن سؤالي وإن أخجلك ...و لو لم تجب فسكوت الجواب ضجيج.. يردّد ما أنذلك لماذا تدوس حشاي الجريح؛ و فيه الحنان الذي دلّلك! و دمعي؛ و دمعي سقاك الرحيق أتذكر "يا نذل" كم أثملك فما كان أجهلني بالمصير وأنت لك الويل ما أجهلك!