سألني شاب في ساحة التغيير: ماذا بعد يا دكتور؟ قلت له: الثورة ثورة شباب. فماذا ترون أنتم؟ قال الشاب: أمامنا تجارب ثلاث، تجربة تونس ومصر وليبيا، في تونس قرر الدكتاتور أن يهرب، وفي مصر قرر فرعون أن يتنحى، وفي ليبيا قرر المجنون أن يقاتل شعبه بالمرتزقة من داخل ليبيا وخارجها. حكام تونس ومصر اختاروا السلامة لهم ولأسرهم وأصدقائهم وشعبهم، ومجنون ليبيا حكم بالموت على نفسه وأولاده وزمرته وهو بجرائمه لم يعد لديه من خيار سوى الموت في ليبيا أو السجن خارجها فشعبه يطارده في المداخل ومحكمة الجنايات الدولية تنتظر وأولاده في الخارج، اختلفت تجارب الشعوب الثلاثة باختلاف موقف طغاتها ورفض جيش تونس أن يقف ضد شعبه فلم يجد بن علي من خيار سوى أن يغادر. وفي مصر عاند الفرعون شعبه واستخدم البلاطجة بخيولهم وحميرهم وسفك دماء غالية من شباب مصر وظن أن الشباب سوف يخافون أو يملون البقاء في الساحات كما ظن أن الجيش سوف يقف إلى صفه لا في صف الشعب وحين تحرك شباب مصر إلى قصر الفيوم وأحاطوا بمجلس الشعب وعدد من مؤسسات الدولة وخرجت الملايين إلى الساحات ووقف الجيش محايدا أدرك مبارك أن الشعب حين يريد لا تقهر إرادته فقرر التنحي ليصبح الرئيس المخلوع. مجنون ليبيا اختار القتال وسفك دماء أبناء شعبه الذين صبروا عليه ما يقرب من نصف قرن حينها سارت الثورة الليبية في طريق تحرير مناطق ليبيا من سلطة القذافي فتساقطت المناطق ابتداء من عاصمة الثورة بنغازي وحتى يتم تحرير طرابلس والخلاص من المجرم وأولاده ومرتزقته. سكت الشاب قليلا ثم أضاف: هذه التجارب الثلاث فرضتها مواقف الحكام. والسؤال: هل يمكن في اليمن أن يكون لنا ولحكامنا إضافة تجربة جديدة لا يكون الرئيس فيها هاربا ولا مخلوعا ولا محكوما عليه وعلى من يقف معه بالموت في اليمن أو السجن خارج اليمن؟ قلت: كيف؟ قال: بانتقال السلطة بطريقة سلسة وسلمية وديمقراطية ابتداء من انتقال القوة العسكرية والأمنية والمالية والإدارية من يد الفرد والعائلة إلى مؤسسات الدولة وانتهاء بانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة تجعل من الرئيس رئيسا سابقا يحظى باحترام على المستوى الدولي ولا يضيق أي بلد من استقباله ولا تعتب اليمن على أي دولة تستقبله وأسرته إذا ما أراد العيش خارج اليمن. هذا هو الخيار الذي نتمناه ليمن الحكمة والإيمان أما الخيارات الأخرى فسوف تعتمد على موقف الحاكم وأسرته وزمرته وما قدره الله لهم لأنهم إن تولوا فقد أرادوا أن تصيبهم بعض ذنوبهم. نظرت إلى الشاب في إعجاب وقلت له: أنتم خير منا وصدق أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه حين قال: "لا تقسروا أولادكم على آرائكم فقد خلقوا لزمان غير زمانكم".