بداية أترحم على أرواح الضحايا من الشعب الليبي العظيم واحتسبهم عند الله من الشهداء مع الأنبياء والصديقين في عليين ، كما ادعوا الله الرحيم الودود أن يمن على الجرحى بعافيته وكرمه في هذه الليالي المباركة .. لقد قدم الشعب الليبي الكثير من التضحيات في معركته المقدسة في سبيل ان ينال حريته وكرامته يجب ان نقف عندها كثيرا ونستلهم منهم الدروس والعبر الرفيعة كون الطريق إلى باب العزيزية أو ذلك المجمع الرئاسي الضخم لم يكن مفروشا بالورود أو معبدا بزهور الياسمين ولكنه كان مليئا بالأشواك مضرجا بالدماء الزكية الطاهرة التي ضحت بالغالي والنفيس ؛ لقد ضحت بأغلى ماتملك ألا وهي النفس البشرية وقدمتها رخيصة في سبيل تحقيق غايتهم السامية والوصول إلى هدفهم النبيل والتحرر من طاغية جثم على صدورهم قرابة نصف قرن من الزمان . ان الحديث عن ثورة ليبيا الحرة لايعني الحديث عن مايسمى إعلاميا " ربيع الثورات العربية " حيث ان الحديث عن الثورة الليبية يعني الحديث عن التميز والخصوصية ، إذ إن الثوار الليبيون لم يبحثوا في يوما ما عن الوظيفة أو الخبز أو المأوى أو عن أي من ملذات الدنيا .. لكنهم كانوا يبحثون عن حريتهم وذواتهم ، يبحثون عن كرامتهم وأعراضهم المستباحة ، يبحثون عن ليبيا الحرة والشامخة ، يتطلعون لان تكون بلدهم في مصاف الدول المتقدمة في المجال الإنساني قبل العلمي . لقد أذاقهم نظام العقيد كل أشكال العذاب وصنوف الذل على مدى أكثر من أربعة عقود متتالية من الزمان ؛ منذو أن تربع على عرش الحكم اثر انقلاب دموي بشع سيطر بعده على مقاليد الحكم بقبضته الحديدية التي طالما تفاخر بذلك المشهد (مشهد القبضة الشهير في قصره) . إن تسلط ذلك الرجل الشرير على شعبه ولسان حاله يقول لهم لا اعلم لكم سواء كتابي الأخضر دستورا وموجها يحكمكم وتحتكمون إليه وانتم مذعنون في مشهد يحاكي فيه الفراعنة ويتشبه بفرعون مصر وهو يتصدى لدعوة سيدنا موسى عليه السلام ، ولم يقتصر عند ذلك بل تطاول على نبينا ورسولنا واستهزأ بديننا الإسلامي واخذ يحرف سور القراءن الكريم _ والعياذ بالله _ وفق أهواه . لم يكتفي ذلك الرجل المجنون بهذا فقط بل ذهب بعيدا ليدعم الحركات السياسية على مختلف ألوانها وانتماءاتها ؛ واخذ يتلذذ بمنظر شلالات الدم وهي تسيل في كل بقاع المعمورة وذاته تحدثه بأنه ملك ملوك أفريقيا والشرق الأوسط وعميد الحكام العرب وغيرها من المسميات التي لم ينزل الله بها من سلطان مدعيا في الوقت ذاته بأنه ليس رئيسا على ليبيا وان الشعب الليبي يحكم جماهيريته العظمى وبهذا فهو يستغفل نفسه قبل العالم . إن الطريق إلى باب العزيزية صحيح انه استلهم من بوعزيزي تونس ، ولكن أضيفت له النكهة الليبية ؛ إذ لم يكن يدور في فكر القايد الفيلسوف ان القبض على المحامي الشاب سوف يفتح عليه أبواب جهنم ، وان استعانته بمرتزقة جلبهم من أدغال أفريقيا وبقايا الدول الاشتراكية سوف يرتد بركانا ثائرا عليه من شعبه المسالم ، وإذا كان الشعب الليبي قد تسامح في قضية الايدز والتراخي والتلاعب بحيثياتها فان هذه المرة لن يتسامح في قضية شرفه وعرضه أطلاقا . وبمعرفتي المسبقة بنفسية المواطن الليبي واحتكاكي القريب بالشباب الليبيين قبل ثورة 17 فبراير الليبية تجعلني اجزم بنهاية وشيكة وخاتمة قاسية لهذا الرجل سئ السمعة والسلوك ، هذا ماتولد لدي من شعور مبكر من خلال معرفتي بالليبيين سواء أكانوا القذافين أم الغير قذافين وذلك على الرغم من السيطرة الأمنية التي تدار بها الليبية الاشتراكية ولكن هيهات ينطبق عليهم المثل العربي القائل : احذر الحليم إذا غضب . في الطريق إلى باب العزيزية لابد إن يذكر التاريخ ذلك الرجل الغامض وزير الداخلية الأسبق عبدالفتاح يونس المنشق عن نظام القذافي في بداية الثورة ، وبما أن ديننا الإسلامي الحنيف يحثنا على ذكر محاسن أمواتنا بالخير فسوف اكتفي بالقول انه الرجل اللغز في حياته ومماته _ عليه رحمة من الله _ وسوف يسجل التاريخ انه عقب وفاته فتحت طرابلس مباشرة في معركة الشرف والعرض استشهد فيها أكثر من 400 شهيد وجرح خلالها حوالي 2000 جريح وكان ذلك يوم الأحد الموافق 21 رمضان لعام 1432 للهجره مما مهد الطريق لفتح باب العزيزية .