في واحد من مؤتمراته الصحفية الأسبوعية وصف الناطق الرسمي وزير الإعلام حسن اللوزي الأزمات التي تواجهها اليمن، وتحديداً أزمة الجنوب، وأزمة صعدة ب"الصنافير السياسية".. وبالقياس إلى الوصف الذي سبق لرئيس الجمهورية أن خلعه على هذه الأزمات "فقاقيع" يكون الناطق الرسمي قد خطى خطوة إلى الأمام نحو الاعتراف بوجود أزمات حقيقية في البلد، لكنه هوَّن من شأنها إلى درجة أن وخزها بإبرة صغيرة يكفي للتخلص منها.
يومها لم تكن السلطات اليمنية قد فرضت حالة الطوارئ في محافظة صعدة، ووضعتها تحت الحصار العسكري الشامل، وقطعت الاتصالات التلفونية معها، وأمرت الطائرات المقاتلة بقصف عدد من مدنها وقراها بالصواريخ، وبالمدافع بعيدة المدى، وغير ذلك من الإجراءات، التي تشير إلى أن ما يجري في صعدة يحمل طابع الحروب الشاملة بأهداف تصفوية استئصالية..
لقد نجم عن هذه الحرب وضع مأساوي غاية في البشاعة، الأمر الذي يستدعي إقناع الناطق الرسمي بإعادة النظر في وصفه الآنف الذكر "صنافير سياسية" فالقصف من الطائرات المقاتلة، وبالصواريخ والمدافع بعيدة المدى، هي وسائل لعمليات جراحية استئصالية كبرى، وإذا ما أصر الناطق الرسمي على التمسك بالمصطلح الجديد الذي ابتكره، فإن عليه أن يعرف الصنافير السياسية التي تحدث عنها بالظواهر اليمنية، التي تضطر السلطات الفاشلة، إلى استخدام الطائرات والصواريخ لمعالجتها..
قبل هذه الحرب، وهي السادسة، شهدت صعدة خمس حروب ضروس على امتداد سنوات 2004- 2009م، وفيها جميعاً استخدم الطيران الحربي، ولم تدخر السلطات أي من أدوات التدمير المتوفرة لديها وإذا ما تواصل المشروع النووي اليمني وتجاوز حدود إنتاج الكهرباء للأغراض السلمية، فإن العالم سيشهد تفجير القنبلة الذرية الثالثة هذه المرة في صعدة، بعد قنبلتي "هيروشيما" و"ناجزاكي" في اليابان نهاية الحرب العالمية الثانية..
استخدام الطائرات المقاتلة في الحروب الداخلية اليمنية ليس تطوراً استثنائياً نادراً، إنه إجراء مألوف، لطالما لجأت إليه هذه السلطة الحاكمة بدون تريث، وإذا كان الحوثيون يقاومون الحرب التي تشنها السلطة في صعدة بقوة السلاح، فإن خيار استخدام سلاح الطيران ضد الحراك السلمي في الجنوب كان مطروحاً في الآونة الأخيرة، وفقاً لمعلومات كانت متداولة في الأوساط السياسية، وأن الضربة الجوية لبعض قرى وأنحاء منطقتي ردفان والضالع كانت وشيكة، أوقفتها تحذيرات قوية من مغبة العواقب التي ستجتاح البلد بعد ذلك..
وتماشياً مع المصطلح الذي أطلقه الناطق الرسمي فإن "الصنفور السياسي" في صعدة حرك المياه الراكدة في بحيرة وزارة الخارجية الأمريكية، ودفعها لدعوة الطرفين (السلطة الحاكمة من جهة، والحوثيين من جهة ثانية) لوقف القتال الأمر الذي يمكن أن ينظر إليه باعتباره بداية اعتراف دولي واسع على المستويين الإقليمي والدولي، ويحرك العديد من المبادرات والوساطات..
يحتاج الناطق الرسمي لاستبدال مصطلحه بكلمة أخرى مهذبة، قبل أن يحل اليوم الذي ستكون فيه حكومته "صنفوراً سياسياً" يجلس إلى طاولة الحوار مع الصنافير اليمنية..