لا شك أن الثورة الفرنسية تمثل حدثاً من أبرز أحداث الألف عام المنصرمة إن لم تكن الأبرز ,ومحطة فارقة أفضت عن تحولا ت كبرى أعطت للتاريخ الأوروبي وجهته وتركت الأثر العميق في الفكر الإنساني وحضارته بكل أوجهها . ومما يستدل به على البعد العالمي لتلك الثورة, إعلان حقوق الإنسان الذي يتكلم عن حقوق البشر وليس مواطني فرنسا فقط. وما يؤخذ على الثورة الفرنسية هو انجرار أبناءها لسلسلة حمراء من العنف والانتقام والانتقام المضاد استغرق من الزمن عقد كامل لم تجف فيه الدماء من على شفرة المقصلة, حتى أكلت الثورة بالفعل أبناءها. ونحمد الله على أن ثورتنا لا يمكن أن يصل أمرها بأي حال لذلك المستوى بحقائق العصر وحكمة الشعب اليمني, الأمر الذي جعلنا نشعر بمزيد من الفخر لانتمائنا لهذا الشعب, وما أريد قولة هو ان الثارات تضر الثورات أكثر من أي شيء أخر, بل وأخطر من أي شيء .. وقد يكون من اللازم توضيح أن الدعوة للابتعاد عن ممارسة الانتقام لا تعني عدم محاكمة المتورطين بقتل الأبرياء أو نهب المال العام الذين لا بد وأن ينالوا جزاءهم العادل, وإنما المقصود هو التسامح في كل ما عدى ذلك مع أن لكل صاحب حق الحق في عدم التسامح. إن أهداف الثورة المعلنة والمفهومة ضمناً تؤكد ضرورة العمل على بناء الدولة المدنية التي تكفل للشعب العدالة والمساواة والحياة الكريمة تحت سماء من الحرية. ومن المؤكد أن من عوامل تسريع تحقق ذلك هو العمل في مناخ يسوده التسامح. وهناك محاولات جارية لحل الأزمة أو حلحلتها والمأمول منها أن تحقق اختراقا ايجابيا, إذا لم يجري صدها بطريقه فظة, والتعامل معها بالتفاوض من اجل تعديلها بدلا من رفضها. وهناك على سبيل المثال نقاط يمكن طلب إضافتها مثل أن يكون أول أعمال الحكومة المطلوب تشكيلها برئاسة المعارضة, إعادة هيكلة قيادة المؤسسة العسكرية وعلى رأسها الحرس الجمهوري وسيسهم ذلك في إشاعة جو من الطمأنينة وكذلك للتأكيد على غياب إمكانية الالتفاف على الاتفاق ,وكذلك على وجود فاعلية الضمانات التي يجب أن لا تكون لشخص أو أشخاص ,بل لتنفيذ كامل بنود الاتفاق وأولها تلك المتعلقة بانتقال السلطة. مثل هذا التوجه سيوفر الكثير من الوقت والجهد والأهم ,الكثير من الدماء الغالية. لقد مر زهاء أربعة عقود منذ الثورة الوطنية على الاستعمار والملكية ,بقيت خلالها الأهداف التي قامت الثورة لها غائبة أو معطله فالجميع كان مشغول إما بإقصاء غيره أو مقاومة إقصاء الغير له. وكان ذلك يدور على أساس فئوي مناطقي وعشائري ضيق مع الأسف لا يمت , للوطنية التي تغنى الثوار بها وغنى لها الشعب , بصلة. فكانت سنينا مهدورة من تلك السنين الطوال في التاريخ التي لا يجد فيها جديد غير تنوع الصراعات وتلونها, وان كانت هناك فائدة تذكر من تلك الفترة فهي الفهم بان تلك التجربة يجب أن لا تتكرر.
يقول الأديب والمفكر الفرنسي "اندريه مارو": (إن الثورة هي الأمل وليست الحقد, إن الحقد يؤدي إلى الثأر ولا يؤدي إلى الثورة) وقد عفا الرسول الأعظم "ص" عن من ساموا المسلمين في مكة سوء العذاب وفوق ذلك من قتلوا شهداء أحد وحتى من مثلوا بسيد الشهداء "حمزة " ولاكوا كبده. وبعد كل هذا لقد ذهب إلى ما لم يكاد يفهمه عقل بل ما لم يستوعبه الأنصار بالفعل, فبعد شهر من عفوه عنهم حين قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء, منح القوم أفضل الجوائز وأسناها. قام الرسول بكل ذلك من أجل أن تسود روح التسامح التي كانت ضرورية لبناء الدولة, والتي لا تزال..وقام الرسول بكل ذلك لأنه يدرك بفطرته, أن التاريخ الأكثر إشراقا وصفاءاً والأقدر على الامتداد على الأفق الحضاري, هو ذلك الذي يكتب بحبر فيه الأقل من الدم والدمع.