استبشر الجميع خيراً بالثورة الوليدة ودمائها الجديدة ونضالها الأجد ورياحها التغييرية العظيمة, ثورة لم تقم بالأدوات التقليدية ولا بالمحاربين القدماء ونظرياتهم السمجة ولا بروح ثورات العسكر وانقلاباتهم المتعددة.. ولم تستمد ألقها من إيديولوجية معينة, إنما هي ثورة ابتكرت أدواتها بنفسها بأصوات شبابية وبمصطلحات ثورية, قلبت الموازين كثيراً وفاجأت الكثير من الزعامات التي لم تكن تتوقعها ولم يكن في حسبانها. لذا يبدو السؤال منطقياً: هل وئدت القوى الجديدة؟ سؤال يبحث عن إجابات متعددة, ونحن نحتفل بمرور عامين على انطلاقة الثورة.. وهو سؤال ربما يدور في مخيلة مفجري هذه الثورة الأوائل ومبدعيها العظام, الذين غابوا اليوم من المشهد كثيراً, بل نراه صوت الكثير منهم فأصابه اليأس والقنوط فوصل إلى مرحلة التنكر لثورته وعدم الإيمان بها أو بصوته, صوته الذي أريد منه أن يخرس كلية في “عدن” الذي سقط فيها أول شهيد في ثورة11 فبراير.. وأريد منه أن يهادن أي الصوت الثوري الشبابي في تعز ليصبح توافقياً هنا ولا رأي له هناك وتابعاً هنا وهناك.. ومن ثم يأفل وينتهي ويموت في كل بقاع اليمن. نعم لتكن أصواتاً هادرة وجموعاً حاشدة إذا أريد لها ذلك, ولكن لتبقى ظاهرة صوتية فقط, لا وجود لها على أرض الواقع, ولا مكان لها في أجندة التغيير, وإنما الدعوة لها عند الحاجة ضد فلان وعلان من الناس أو الأحزاب, نكاية وقطع طريق لمستقبل ما زال في علم الغيب.. وخطب ودها والاعتراف قليلاً بها, من باب السياسة والسياسة المضادة فقط. ويظل السؤال مشروعاً أيضاً حين نرى المحاربين القدماء يطفون على السطح من جديد, وكأنهم هم من صنعوا هذه الأحداث, التي توجت بالثورة النوفمبرية الجديدة, فيتنكرون لدماء سقطت ولعرق تصبب ولنضال جسد كل القيم والأخلاق بروح التسامح النبيل, قلّ أن يوجد في زمن ما, فما نشهده اليوم هو العودة إلى الصراعات القديمة, وبالعقليات العتيقة ممن ابتلي بهم هذا الشعب عقوده الأخيرة وبتفكيرهم الذي لم يتطور ولن يتطور كما يبدو للمتابع العادي, فما بالنا بالمتابع الحصيف والقارئ للأحداث بعين النقد, لا بعين الحقد والتشفي, فهو تفكير لم تعد لديه القدرة على التحديث أو الفرمتة كلية.. إذ يحتوي على “ذاكرة” قد فقدت فاعليتها تماماً. فظهورهم على هذا النحو المخيف يدل على أن الشباب والقوى الجديدة نحيت تماماً, وأخرجت من المشهد قسرياً.. فلم يعد المشترك هو من سرق الثورة, مجتمعاً أو فصيلاً منه ومكوناً واحداً كما كان يروج من قبل, بل ظهر اللصوص الحقيقيون ومصاصو الدماء بالخبرة وبشهادات عالمية معترف بها بالنهب والنفي والاستحواذ.. ممن يشهد عليهم التاريخ وأخواته من العلوم الإنسانية وغيرها بأنهم سادة الإقصاء والتهميش, وعرفوا الحروب والصراعات الداخلية, التي حصدت آلافاً من الأرواح, وما زالت تبعاتها إلى اليوم في كل أرجاء هذا القطر, الذي لم يحن الوقت ويستريح من شرور محاربيه المعتقين وساسته الهرمين وتخريفاتهم العابرة للقارات, التي وجدت في عقولهم السقيمة, فأردوا فرضها على أرض الواقع, ضاربين عرض الحائط بالممكن وبكل الحقائق والمسلمات, التي يريدون القفز عليها وتجاهلها, كتجاهلهم الصوت الجديد والنضال الجديد, الذي أخرجهم من مقابرهم ومدافنهم الحجرية فجازوه بوأده وقتله في مهده أو هكذا خيل لهم. فما نشهده اليوم هو صراع الزعامات القديمة, صراع النخبة صراع الساسة من ماركة الديكة والثعابين السامة, التي ظل يرقص على رؤوسها الرئيس السابق سنين طوال, ويتفاخر بأنه كان حاويها, وكابحاً لغرورها وصلفها, الذي يبدو أن هذا الغرور عاد ليتشكل من جديد, ولكنه أكثر حدة وقوة في تطرفه وإقصائه, فلم يعد يرى إلا نفسه في الميدان, لذا بدأ بالتعارك مع ظله, فتراه يهدم هنا, ويفجر هناك, ويشيع الخوف والفوضى إلى كل مكان يمكنه الوصول إليه. فالظاهر اليوم على السطح هو الصراع السياسي العفن المستند على إرث عظيم من العنف, والرؤية الأحادية والنظرة القاصرة وفق أجندة وتعبئة إعلامية ممقوتة, وأعمال همجية مغلفة بالثأر والرغبة في الانتقام, ليس إلا, عندها قدرة على إشعال الحرائق فقط, وإطلاق الرصاص, وقتل الأبرياء, عاداتها القديمة المتجددة, وقد قتلوا كل معنى جميل تغياه يوم 11 فبراير وما بعده شباب اليمن الثائر, من أحرار وحرائر, ويظل السؤال مطروحاً وبمرارة: هل وئدت القوى الجديدة؟ وما زال الراقصون على أشلاء أجسادنا, ينتشون بدماء وطن نهبوه من قبل, واليوم يتفننون في طعنه وقتله, والتخطيط للدمار والموت والبحث عن الزعامة والسلطة, في ظل أوضاع يسهل فيها صنع الزعامات الثورية الورقية, التي لا هم لها إلا غرورها وإن على أشلاء الوطن. رابط المقال على الفيس بوك