لاحظنا في الآونة الأخيرة كثرت الأقاويل والشائعات والأخبار من مصادر القنوات الإخبارية ومن مصادر مسؤولة وحتى من خلال بيانات رسمية و متحدثين رسمية وجميعها متناقضة فيما بينها ومتغيرة في كل منها عن الذي بعده, ولن نستدل على الحقيقة في ظل هذا الكم الهائل من التناقضات وربما يكون هذا هو الهدف من إشاعة هذه الأخبار وهي أشياء تعودناها من نظامنا الذي لم يقل الحقيقة طوال استمراره في الحكم حتى في أبسط الأمور التي لا تحتاج للحقيقة, لكني أستغرب من دخول السعودية في خضم الإشاعات و الأكاذيب ومدى مصلحتها من مساعدة النظام في هذا الأمر إلا إذا كان الأمر تجاوز مرحلة خطيرة جدا و سنحاول فرد مجمعو السيناريوهات التي من الممكن أنها حدثت: السيناريو الأول : وقوع الحادثة بالفعل وهنا نكون أمام عدة خيارات طبقًا للمنفذ والمستفيد : - الرئيس هو منفذ العملية: هدد الرئيس بشن حرب أهلية إذا لم ترضخ المعارضة لطلباته من أجل العودة للشرعية, خصوصًا إن علمنا أن ضحايا العملية هم رموز النظام والمؤهلون دستوريًا لتولي زمام الأمور في حالة وفاة الرئيس أو عدم قدرته على تولي الأمور, كما أن أغلب ضحايا العملية وردت أسمائهم في البيان رقم واحد الذي قام بإصداره عسكريون بقيادة علي محسن قائد الفرقة الأولى مدرعة, لكن الرد على هذا الاحتمال أن تلك الرموز رسميًا لم تعد مؤهلة لتولي مقاليد الحكم دستوريًا فرئيس مجلس الوزراء تمت إقالته مع حكومته وإبقائه تحت بند تصريف الأعمال , ورئيس مجلس النواب انتهت صلاحية مجلسه بعد انتهاء الدورة الانتخابية للمجلس منذ أواخر أبريل الماضي , لكن هناك تساؤلات حول هذا الاحتمال حين وصلت الأنباء حول إصابة نعمان دويد ومع هذا لم يذكره الرئيس في تسجيله الصوتي المزعوم واكتفى بذكر أصحاب المناصب المؤهلين لتولي مقاليد الحكم فقط, وإذا علمنا أن ضحايا العملية هم إحدى عشرة قتيلا اكتفى الرئيس بذكر سبعة فقط لم يذكر بالاسم إلا محمد الخطيب فقط , كما أنه ليس من مصلحة الرئيس ولا من هيبته أن يقوم بهذه المسرحية المهينة له و لسمعته خصوصًا و أنه كان يهدد و يتوعد عبر كل المنابر قبل العملية , و لا ننسى التصريحات الأمريكية التي ذكرت أن الرئيس لم يكن متواجدًا أثناء تنفيذ العملية . - قيادات عسكرية هي منفذة العملية: منذ الفترة التي أعقبت صدور البيان رقم واحد و الجميع ينتظر صدور البيان رقم 2 أو على الأقل الخطوة رقم واحد بعد البيان, فجاءت عملية الاغتيال الرئاسية لكي تضع العسكر في الواجهة التحليلية للأحداث, لكن ما يثير التساؤل حول هذا الاحتمال هو عن قدرة هؤلاء العسكر لتنفيذ هذه العملية في ظل إمكاناتهم العسكرية خصوصًا في الفرقة الأولى مدرعة التي لم تستطع تحقيق أي إنجاز في صعدة طوال ستة حروب هناك , كما أن تنفيذ مثل هذه العملية يحتاج لمعلومات دقيقة حول تواجد الرئيس ودقة التصويب و الوصول ناهيك عن وجود المكان المناسب لإطلاق قذيفة أو صاروخ نحو الهدف , كما أن الصور الرسمية لجامع النهدين بعد العملية جعلت مثل هذا الاحتمال مستبعدًا لعدم وجود الشواهد التي تدعم هذه الفكرة , كما أن صمت العسكر يجعل الاحتمال مستبعدًا لأصحاب البيان رقم واحد على الأقل . - قيادات عسكرية داخل الحرس الجمهوري: إن كانت العملية تمت بالفعل فهذا أقرب الاحتمالات خصوصًا أن صور الجامع التي نشرتها قنوات التلفزة الرسمية تدعم مثل هذه الفكرة – إن كانت العملية تمت في الجامع بالفعل – فلا وجود لأي آثار تدل على هجوم صاروخي أو أية قذائف بعيدة المدى , لكن ما يدحض هذا الاحتمال عدم وجود آثار تدل على انفجار قوي أدى لمقتل عدد كبير من الأشخاص و إصابة عدد آخر من المسئولين الكبار في الدولة من ضمنهم رئيس الجمهورية و جميع حالاتهم خطرة , لكن الاحتمال هذا يبقى قويًا وهو الأقرب للواقع وفق المعطيات و الدلائل و يرجح أن يكون مكان تنفيذ العملية ليس في الجامع و إنما في مكان آخر , و إشاعة حكاية الجامع كان بهدف كسب التعاطف و الحفاظ على الولاءات خصوصًا أن توقيت العملية كان بعد أداء صلاة الجمعة في جامع السبعين و وقت إلقاء قاسم سلام لخطابه الجماهيري للمحتشدين في ميدان السبعين كما شاهدنا على شاشة التلفاز و التي لم يقم التلفزيون الرسمي بإعادة الخطاب كما عودنا دائمًا , كما أن تواتر الأخبار حول قيام مجموعات مسلحة بالهجوم على موكب الرئيس بعد خروجه من بوابة القصر أو أمام ( القوة الجوية ) كما وصل إلينا يدل على أن العملية كانت مخططة من قبل جهة كانت تعلم بكل تحركات الرئيس و مجهزة بآلات حديثة و أسلحة متطورة لا يملكها في اليمن إلا قوات الحرس الجمهوري أو قوات الحرس الخاص الأكثر تطورًا , أو قد يكون تنفيذ العلمية قام به فرد من داخل القصر الرئاسي من تلقاء نفسه و مثل هذا الاحتمال ضعيف بسبب الإجراءات الأمنية المتبعة و التي يفترض أن تكون صارمة في القصر الرئاسي و التي يصعب على فرد واحد نقل أسلحة و قنابل بمفرده و التنقل بها في ساحات و ردهات القصر الرئاسي . -آل الأحمر و مجموعات قبلية : جاءت العملية بعد تهديد الشيخ صادق الأحمر للرئيس اليمني و مجموعة من القبائل اليمنية للرئيس اليمني بإهدار دمه بعد ارتكابه للعيب الأسود وفق العادات القبلية اليمنية, لكن ما يعيب هذا الاحتمال هو ضعف الإمكانات التي تؤهل القبائل لارتكاب مثل هذه العملية الدقيقة و الكبيرة , لكن ماقد يجعل هذا الاحتمال ممكنًأ هو وجود شخصيات تنتمي للقبيلة في كل مفاصل الدولة و أركانها بما فيها الحرس الجمهوري و الحرس الخاص قد يكون سائها تصرفات الرئيس و إهانته لرموز القبيلة و شخصياتها الكبيرة , أو بتحريض مباشر من شيوخ القبائل لرجالهم في قلب الحرس الجمهوري و الحرس الخاص . - القاعدة وراء الحدث : هذا الاحتمال هو أضعف الاحتمالات لعدة أسباب منها أن القاعدة في اليمن ليست بذلك البعبع المخيف الذي يصوره الرئيس و نظامه و أغلب عملياتهم هي اغتيال بعض مسؤولي الأمن السياسي أو خطف بعض السياح في المناطق النائية و البعيدة عن العاصمة , و لم نتذكر لهم تنفيذ أي عملية لهم في صنعاء ناهيك عن القصر الرئاسي , وهم أصلا لا يملكون الوسائل التي تؤهلهم لتنفيذ عملية اغتيال بهذا الحجم الكبير بالأدوات التي يملكونها , و القاعدة ليس من مصلحتها إثارة غضب النظام وهي التي خدمت النظام لفترة طويلة بقصد أو من غير قصد . - مجموعة جهات متحالفة لتنفيذ العملية : قد يكون هناك تحالف قوي بين قوى عسكرية ومشائخ قبائل و أفراد من القوات الخاص نفذ العملية و قام بها, و بالتالي يكون تنفيذ العميلة من داخل القصر الجمهوري من قبل أحد أفراد القوات الخاصة ثم الاستعداد خارج القصر في حالة خروج الرئيس لإسعافه أو في حالة هروبه لمكان آخر من قبل قوات عسكرية منشقة , و يكون دور القبائل في تشتيت القوات العسكرية التابعة للنظام و إشغالها بمواجهات فردية , ما يعيب هذا الاحتمال هو عدم وجود الوقت الكافي لتنفيذ العملية بين صدور البيان رقم واحد من قبل القوات العسكرية الموالية للثورة و الهجوم على القبائل و تنفيذ العملية كما أن كل الأطراف المعنية بهذا الإحتمال كانت تنادي بسلمية الثورة ولم تلجأ للمواجهة إلا من باب الدفاع عن النفس , لكن مايجعل هذا الإحتمال قائمًا هو الضغط الهائل الذي وضعه صالح على تلك الجهات و تهديده إياهم مع بقية البلاد بالحرب الأهلية يجعل اتفاقها على أزالته بسرعة أمر ضروري و واجب وطني . -الولاياتالمتحدةالأمريكية : هذا الاحتمال سخيف كما قالت الحكومة الأمريكية و هي تصل لدرجة سخف قائلها الذي لم يعد أحد يصدقها في هذه الأرض , ولو كانت الأمور بهذه السهولة لأمريكا لاستطاعت قتل الكثير من الأعداء الذين يسكنون في العراء و دون مروحيات أو قوات خاصة تعرضهم للخطر , بغض النظر عن التحالفات القوية بين أمريكا و الرئيس اليمني علي عبدالله صالح و سكوت أمريكا طوال فترة الثورة إزاء تعنت الرئيس و قتله للشباب و تهديده بالقاعدة و الحرب الأهلية , فمجرد السكوت إزاء كل ما يجري يعني مساندة تمام , فعلامة الرضا هي صمت أمريكا . -شباب الثورة السلمية : ربما لا ينبغي وضع الإحتمال هذا حتى في أسوأ النوايا , لكن شباب الثورة السلمية هم الذين جعلوا الأمور تصل إلى هذا المستوى بسلميتهم وصمودهم ومطالبهم المشروعة التي خضع لها الجميع و جعل القادة العسكريين و مشائخ القبائل الذين كانوا بعيدين عن الشباب على كل المستويات و آخر من يفكر بهم أولئك , أولئك الشباب جعلوا كل أولئك ينضمون لهم و يرفعون لهم راية الطاعة و الولاء و يضربون لهم التحايا العسكرية والولاءات القبلية . شباب الثورة هم الحاكم الفعلي منذ إندلاع الثورة , وسبب رئيسي لأمراض الرئاسة و اغتيالاتها . وبوقوع العملية نحن أمام احتمالين حول الرئيس و صحته : -وفاة الرئيس : وهو احتمال قائم وأن كل ما يجري من تصريحات وتقارير هو من أجل مسألة الترتيب والتنظيم لنقل الصلاحيات و كسب شرعية النظام من شرعية رئيسه , و في هذه الحالة أكون مستغربًا من قدرة النظام على القيام بمثل هذا التنظيم و التكتم و قد عودنا على الفوضى و التناقضات . -حياة الرئيس : الرئيس ما يزال بالفعل حيا و أنه مصاب كما يقال في التقارير و المصادر . السيناريو الثاني : عدم وقوع الحادثة مطلقًا : والمستفيد الوحيد من هذا هو الرئيس نفسه وفق تفكيره هو , لكن على المدى البعيد ليس من مصلحة الرئيس أن يظهر نفسه بمظهر الضعيف الذي تعرض لعملية إغتيال وماهو مصير أولئك الذين أعلنوا وفاتهم هل هم مشاركون في العملية أم ضحايا لإمكان الإخراج التفلزيوني للرواية الرئاسية , و ماهو دور السعودية و هي تتلاعب بالتقارير و التصريحات أزاء كل هذا , و بغض النظر عن كل شيء فهذا السيناريو ضعيف و مستبعد تمامًا .
لن أخوض في مسألة التخمينات حول حياة الرئيس من عدمها فقد أغتالها الشعب تخمينًا و تمحيصًا على كل وجه واحتمال , لكن هفوات عبده الجندي و التناقض التام بين التصريحات اليمنية فيما بينها البين و بينها و بين التصريحات السعودية , كما أن وجود عملية بهذا الحجم مات على إثرها إحدى عشر شخصًا إلى الآن وفق أنباء التلفزيون الرسمي الذي أظهر جنازة أولئك القتلى وهم يصلون عليهم , و بعض أولئك مات محروقًا و مشوهًا و بأطراف مبتورة يجعل من الصعب بمكان أن ينجو أي شخص من هذا الجحيم . و هناك نقطة أود الإشارة إليها في التسجيل الصوتي للرئيس الذي قام بذكر المسؤولين بألقابهم لأول مرة فلم نتعود منه أن يذكر رئيس الوزراء باسم الأخ الدكتور علي مجور و كذلك بقية الضحايا أصحاب المناصب العليا خصوصًا وهو في حالة صحية سيئة و يعاني من حروق و شظايا و مصدوم بكل تأكيد مما جرى له , بالإضافة إلى ذكره لمحمد الخطيب من بين كل الضحايا يدل على وجود عملية اغتيال حدثت قام محمد الخطيب بدور مهم في التصدي لها أو تنفيذها على حد سواء . وأخيرا أود التأكيد أن السعودية تلعب دورا مهما في اللعب بمشاعر الشعب اليمني وهي تعلن عن صحة الرئيس حينا و حينا بترجله من الطائرة سليما و مرة باستخراج شظايا و عمليات أخرى و مرة بوجوده بغرفة الإنعاش و مرة بإمكانية عودته بعد أسبوعين , وهو ما ينبغي على شباب الثورة التصعيد من أجل معرفة الحقيقة الكاملة سواء في حالة وفاة الرئيس أو بقائه حيا . لأنه بوفاة الرئيس فنحن نترك أمام النظام الفرصة الكاملة لترتيب أوراقه و الحفاظ على المؤيدين من انسحابهم لو علموا بوفاة الرئيس وهو ما يترتب عليه استجماع قوة النظام ضد الشباب بالأخير , و المطالبة بمعرفة الحقيقة تعتبر مسألة ضرورية و سيادية يجب التصعيد من أجلها مهما كانت نتائجها . لأننا حين ننادي بنظام جديد شفاف و ديمقرطي مدني فإننا يجب أن نسعى لهذا و نطالب به بكل قوة .