الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    ليفاندوفسكي يقود التشكيل المتوقع لبرشلونة ضد فالنسيا    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء المثير يعود إلى الواجهة : سيناريو توريط علي صالح الأحمر في الحرس الجمهوري
نشر في الأضواء يوم 04 - 09 - 2012

من المبكر جداً القول بأن قوات الحرس الجمهوري لم تعد تُشكل تحدياً مناوئاً بالنسبة لثورتنا السلمية، غير أن ذلك –بالمقابل- لا يعني إغفال المؤشرات التي تؤكد مبارحة الحرس لتموضعه المناوئ للثورة السلمية ولو جزئياً.ثمة واقع عسكري جديد –ما لبث أن تخلق بفعل الأحداث- يجعلنا نزعم بانخفاض معدل عداء الحرس الجمهوري لقوى الثورة وتراجع ضديته للفعل الثوري إلى أدنى المستويات.وفق المعطيات الظاهرة، لا يزال الحرس الجمهوري محافظاً على ولاءاته للرئيس صالح والأولاد، لكنه –في الوقت عينه- لم يعد ولاءاً خالصاً بقدر ما أضحى نسبياً ومرتبطاً بمتغيرات عديدة.ربما كانت الحوارات الجارية بين قادة الألوية والقبائل التي تعيق حركتها نقطة تأثير هامة في زعزعة المسارات الولائية للحرس، غير أن عودة اللواء الركن علي صالح الأحمر إلى قيادته عبر بوابة العمليات الحربية والقتالية تجسد نقطة التأثير الأكثر عمقاً وحضوراً في إحداث ذلك التغيير الولائي.فعلي صالح الأحمر، ليس قائداً عادياً كي تتصف عودته بانعدام التأثير، إنه المؤسس الفعلي لقوات الحرس الجمهوري والأب الروحي لمعظم منتسبيه، وهو ما يعني بالضرورة سهولة استعادته لزمام السيطرة مرة أخرى على مقاليد القيادة داخل الحرس على حساب نجل الرئيس الذي لازال يحتفظ بموقعه كقائد للحرس.مع هذا، ليس بوسعنا الادعاء أن الحرس الجمهوري أضحى في أيدٍ أمينة، إذ لازال مكمن الخطورة قائماً، لكنها خطورة تبدو نسبية، فإذا كان حصار القبائل لمعسكرات الحرس خارج العاصمة قد أدى لعزلها عن الفعل العسكري وشل قدرتها على التحرك بموازاة التأثير في ولاءات منتسبيها، فإن تعيين علي صالح الأحمر كقائد للعمليات الحربية والقتالية –بالمقابل- أدى لتضاؤل إمكانية السماح بنفاذ أي قرارات طائشة يمكن أن يتخذها احمد علي عبدالله صالح ضد الثورة وقوات الجيش الداعمة لها.علي صالح تحت قيادة أحمد عليعقب أحداث جمعة الكرامة الدامية التي سقط ضحيتها (52) شهيداً في ساحة التغيير، أصدر الرئيس صالح قراراً عسكرياً قضى بتعيين (أخيه غير الشقيق) اللواء علي صالح الأحمر قائداً للعمليات الحربية والقتالية في القيادة المركزية لقوات الحرس الجمهوري.بدا القرار للوهلة الأولى مفاجئاً بالنسبة لكثير من المهتمين بشؤون الجيش، تعدد الأسباب هنا لا يحول دون الإشارة الى أبرزها وأعلاها شاناً، فالجنرال علي صالح الأحمر –الذي لايزال يشغل منصب مدير مكتب القائد الأعلى- يحتفظ بسجل تصادمي كبير مع نجل الرئيس احمد، وذلك على خلفية إقصاء الأول من قيادة الحرس الجمهوري وإسنادها إلى الثاني خلال مراحل فائتة.وبالتالي، كيف يمكن لأحمد نجل الرئيس، القبول بوجود أبرز معارضيه ضمن فريقه العسكري، وكيف يمكن لقائد عسكري محنك بحجم الجنرال علي صالح الأحمر القبول بالعمل تحت قيادة ضابط يفتقر للخبرة والتجربة كأحمد علي عبدالله صالح..؟!لماذا عاد علي صالح الى الحرسثمة تفسيرات عديدة لقرار التعيين، سنكتفي بإيراد أكثرها ترجيحاً، إذ تشير المعلومات المتواترة الى أن مجزرة جمعة الكرامة التي ارتكبتها وحدة المهام الخاصة في الحرس الجمهوري، تسببت في انزعاج كبير لدى معظم قادة الجيش ومن بينهم علي صالح الأحمر.وفق المعلومات، فعلي صالح أبلغ الرئيس احتجاجه العنيف على سفك دماء المعتصمين بهذه الهمجية والوحشية والبربرية غير المسبوقة.لم يكتف القائد علي صالح الأحمر بالاحتجاج الكلامي، إذ تشير مصادر متطابقة الى أنه اتخذ قراراً بالاعتكاف في منزله وتعليق دوامه في مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة حتى إشعار آخر.لقد تألم الرجل لهذا الحادث الإجرامي البشع، لدرجة انه –حسب المصادر- أخذ يفكر جدياً في الانضمام الى أبنائه الثوار المعتصمين، وهو أمر جعل الرئيس صالح يسعى بشتى الطراق لإرضائه.قيل هنا، أن علي صالح الأحمر اشترط على الرئيس، إيقاف عبث احمد علي عبدالله صالح بقوات الحرس الجمهوري، وهو ما جعل الرئيس يبادره بالقول: أنت الوحيد القادر على منعه من ذلك فما رأيك أن تعود إلى الحرس..!!ربما كان تعيينه محاولة لإثنائه عن الانضمام للثورة، غير أن السعي لإبعاد نجل الرئيس احمد عن تهم سفك الدماء يبدو أكثر سيناريوهات التعليل اقترابا من الحقيقة.فالرئيس بهذا التعيين، يريد لعلي صالح أن يكون مسؤولاً عن أي دماء قد تسفكها قوات الحرس الجمهوري سواءاً من المعتصمين أو من منتسبي الفرقة الأولى مدرع وليتسنى له إخراج أحمد من دائرة المسؤولية المباشرة.على أن سيناريو (توريط علي صالح) حتى وإن بدا الأكثر تماهياً مع المعطيات الماثلة، غير انه لا يعد وحيداً في التراتبية السببية، فهنالك تعليلات أخرى سنأتي منها على ذكر سيناريوهين رئيسيين.يفترض السيناريو الأول أن أحمد علي عبدالله صالح أثبت عدم قدرته على إدارة التحركات العسكرية والتكتيكات الميدانية بدليل إخفاقه في سحب ألوية ومعسكرات الحرس الجمهوري من المحافظات وإعادة نشرها وتمركزها في صنعاء، وهو إخفاق جعل الرئيس يلجأ للاستعانة بمؤسس الحرس الجمهوري وقائده التاريخي علي صالح الأحمر وذلك لتعزيز السيطرة الرئاسية على قوات الحرس وتصحيح الإخفاقات التي تسبب فيها أحمد بموازاة ضمان تنفيذ هذه القوات لأي تعليمات في إطار مخطط استدراج الفرقة الأولى مدرع إلى فخاخ التصادم العسكري.السيناريو الثاني، يفترض أن تهور أحمد علي عبدالله صالح ودفعه للأمور باتجاه التصادم غير المحسوب، أمر جعل الرئيس يستعين بعلي صالح الأحمر بهدف كبح جماح هذا التهور لاسيما إذا ما علمنا أن علي صالح يمتاز بالحكمة والحنكة العسكرية ويأنف عن سفك الدماء، كما أنه الوحيد القادر عملياً على تحجيم السلطة النافذة التي يتمتع بها نجل الرئيس بين ضباط وقادة وجنود الحرس الجمهوري.إن كان السيناريو الأول ينطلق في مضامين فرضيته من منطلق الحرص الصالحي على الاحتفاظ بالرئاسة حتى آخر ورقة ممكنة، فإن السيناريو الثاني ينطلق في افتراضاته من منطلق الرغبة الرئاسية في الخروج المُشرف، وهي رغبة يستحيل تحقيقها إذا ما استمر الرئيس صالح بالغرق في الدماء التي يسفكها الأبناء.علي صالح يستعيد السيطرةمنذ تعيينه في قيادة العمليات الحربية، لم يدخر علي صالح الأحمر جهداً لإعادة ترتيب الأوراق في أروقة ودهاليز القيادة المركزية للحرس، بصورة تمكنه من استعادة زمام السيطرة سريعاً بموازاة تحجيم قدرة أحمد علي عبدالله صالح على إنفاذ أي قرارات هجومية متصفة بالاندفاع والتهور.بوسعنا هنا، رصد أبرز الترتيبات العسكرية والتحركات القيادية التي استحدثها علي صالح في ثلاثة مسارات رئيسية، أولها: تعيين ضباط يرتبطون ولائياً بعلي صالح كقادة جدد لبعض ألوية الحرس، ثانيها: إعادة الضباط الذين أحيلوا للتقاعد إلى الخدمة من جديد، وثالثها: وضع خطة عسكرية تكتيكية لمهاجمة الفرقة الأولى مدرع والاستيلاء عليها عسكرياً.وضوح المسار الأول يجعلنا نكتفي بتبيين أبعاد ودلالات المسارين الآخرين.إبان قيادته للحرس الجمهوري، كان علي صالح الأحمر يدير هذه القوات من خلال شبكة ولائية معقدة استطاع أن يصنعها بصفته المؤسس والقائد.لقد كان الرجل يدير الحرس ويتحكم بتحركاته عبر تلك الشبكة الولائية التي تتكون من عشرات القادة والضباط المؤثرين.حين جرى إقصاؤه من قيادة الحرس وتعيين أحمد علي عبدالله صالح كبديل، لم يكن هذا الأخير يتمتع بنفوذ حقيقي، إذ ظل الحرس يُدار عملياً عبر تلك الشبكة النفوذية بعيداً عن القائد الجديد الذي لا يحظى بأي قبول.بشتى الطرائق والأساليب، سعى أحمد لتكريس هيمنته القيادية وبسط نفوذه، غير أن تحركاته ظلت محدودة الفاعلية والتأثير كنتاج لمقاومتها من قبل شبكة النفوذ المرتبطة بالقائد المؤسس.بالتقادم، أخذ الصراع يتبلور في قالب افتراقي بائن، إذ انشطر الحرس بين أحمد وحاشيته من جهة، ورجال علي صالح من جهة أخرى.تصميم أحمد، على تفكيك الشبكة الولائية من رجال علي صالح، تسبب في تصاعد تدريجي لوتائر الصراع بالغاً بذلك مداه الأعلى إثر محاولة اغتيال أحمد علي عبدالله صالح من قبل ضابط يُقال إنه محسوب على شبكة النفوذ التابعة للمؤسس.معززاً بتأييد والده وتعاطف بعض الجنود والضباط، عاد أحمد من إصابته ليستكمل مخططه الاستحواذي، إذ نجح في تفكيك تلك الشبكة الولائية عبر إحالة بعض رموزها إلى التقاعد وإقصاء البعض الآخر من مواقعهم العسكرية ليتمكن بذلك من فرض نفوذه وتكريس هيمنته القيادية.بعودته إلى الحرس، كان لابد لعلي صالح الأحمر من استعادة تلك الشبكة الولائية وإعادة بنائها سريعاً بصورة تحقق له ممكنات السيطرة وتمنحه قدرات الإدارة الفعلية في توقيت قياسي.إذ أقدم الرجل على إعادة عدد من الضباط الذين أحالهم أحمد الى التقاعد، كما قام بتفعيل أولئك الذين جرى إقصاؤهم نفوذياً، ثم أقدم أيضاً على تعيين ضباط آخرين يرتبطون به كقادة لبعض ألوية الحرس، وهي إجراءات مكنته –في المحصلة الإجمالية للمسار الثاني- من استعادة زمام السيطرة الفعلية على جزء كبير من قوات الحرس الجمهوري.في المسار الثالث، يمكننا القول إن علي صالح الأحمر وكبار الضباط في قيادة الحرس الجمهوري وضعوا مخططاً لدفع الأمور باتجاه التصادم العسكري وذلك بناءً على طلب من القائد الأعلى للقوات المسلحة علي عبدالله صالح.علاقة العليين الأخوينعقب هذا العرض الموجز للخطط الحربية، نتساءل: هل ثمة احتمال حقيقي في أن يُنفذ قائد وطني بارز بحجم علي صالح الأحمر أي توجيهات تقضي بسفك دماء أبناء وطنه؟لتقديم إجابة بأدنى درجات الإقناع عن تساؤل كهذا، يتعين علينا قبل ذلك التعريج على الخلفيات الماضوية وبالأخص تلك التي تتصل بطبيعة وتفاصيل العلاقة السلطوية الرابطة بين (العليين الأخوين) علي عبدالله، وعلي صالح.كأخوين غير شقيقين، اتسمت علاقة الرجلين على الصعيد السلطوي بالتحالف والمعاضدة والمؤازرة.في الواقع لم يُعكر صفو هذه العلاقة التحالفية المصيرية بين الأخوين سوى حدثين اثنين كادا أن يضعا لها حداً نهائياً من الافتراق الدائم.إن كان استشهاد نجل علي صالح الأحمر على يد الحراسة الشخصية للرئيس علي عبدالله صالح يُجسد حدث الافتراق الأول، فإن تعيين أحمد علي عبدالله صالح كقائد للحرس الجمهوري يُجسد بالضرورة حدثاً ثانياً.مصرع نجل علي صالحفي حادثة استشهاد نجل علي صالح الأحمر، تتضارب الروايات وتتعدد سيناريوهات التبرير، غير أن ما يبدو قاسماً مشتركاً فيها، هو الإجماع على استشهاده في دار الرئاسة من قبل (جهاز الأمن الخاص) المسؤول عن تأمين حياة رئيس الجمهورية.أبرز الروايات تشير الى أن نجل علي صالح، عاد من رحلة خارج أرض الوطن وذهب للقاء عمه الرئيس علي عبدالله صالح بهدف إبداء الاحتجاج في شأن يخص العائلة.وتزعم الرواية أن الشاب المقدام بدا غاضباً من تصرفات رئاسية غير معلومة بدقة، حيث رفض أن يُسلم سلاحه الشخصي لأفراد الحراسة التابعين لجهاز الأمن الخاص، مبدياً إصراره على لقاء عمه الرئيس دون تسليم سلاحه الشخصي.تمضي الرواية بالزعم أن نقاشاً حاداً جرى بين النجل وعمه الرئيس تطور الى مرحلة دفعت الأول للإمساك بسلاحه الشخصي، وهو موقف جعل الأمن الخاص يبادر الى إردائه صريعاً على الفور.هذا فيما تزعم رواية أخرى، بأن الشاب كان يدافع عن نفسه إزاء قيام عمه بتوبيخه ومحاولة صفعة باليد كنتاج لرفضه تسليم سلاحه الشخصي وتهجمه على الرئيس لفظياً.مما قيل في الحادثة أيضا، إن الرئيس هاتف أخيه علي صالح الأحمر عقب الحادث مباشرة وقال له: ابنك تهجم عليّ ورفع سلاحه في وجهي محاولاً قتلي، جي بز جثمانه!!هل حاول علي صالح أن ينقلب على أخيهلم تكن خسارة علي صالح الأحمر قابلة للتعويض، فالنجل الشهيد، يعد من أبرز الرجال وأكثرهم شجاعة وأوفرهم خلقاً واستقامة.لقد كان شاباً جسوراً قوي الشخصية مقداماً كوالده، كما كان أيضاً يتمتع بصفات قيادية ورثها عن أبيه.ثمة إجماع هنا على أنه كان بحق (ذلك الشبل من هذا الأسد).كان من الصعب على أب حنون كالقائد علي صالح الأحمر، استيعاب الموقف وتمريره للرئيس دون عقاب أو انتقام.حيث يزعم البعض بأن القائد علي صالح الأحمر خطط لمحاولة انقلابية للإطاحة بأخيه الرئيس صالح في عام 1996م بالاشتراك مع العميد محمد الحاوري الذي كان قائداً للشرطة العسكرية آنذاك.وفق هذا الزعم، فقد كانت خطة الانقلاب تقضي بدس عناصر من الحرس الجمهوري والشرطة العسكرية ضمن كتيبة الحماية
التابعة للحرس الخاص في مطار صنعاء، حيث كان من المقرر أن يعود الرئيس صالح من زيارة لجمهورية مصر العربية.تم إبلاغ الرئيس –حسب هذا الزعم- أثناء تحليق طائرته بوجود عناصر مجهولة ترتدي زي الحرس الخاص في كتيبة الحماية بالمطار وكذا وجود تشكيلات للحرس الجمهوري مثيرة للريبة، وهو ما جعل الرئيس يُغير اتجاه طائرته من مطار صنعاء إلى مطار الحديدة التي نزل فيها، ليفاجئ به الجميع بعد بضع ساعات وهو يمضغ القات في دار الرئاسة بصنعاء!يمضي أرباب هذا الزعم بالتأكيد على أن الرئيس صالح قبل عودته إلى دار الرئاسة، طلب من القائد علي محسن صالح أن يقوم بتحريك عدد من كتائب ومدرعات الفرقة الأولى مدرع الى دار الرئاسة لحمايتها والتأكد من تأمينها وخلوها من أي مظاهر انقلابية.ويشير هؤلاء إلى أن تدخل القائد علي محسن صالح حال دون نجاح المحاولة الانقلابية المزعومة التي نفذها الحرس الجمهوري بمساندة الشرطة العسكرية.يومها كان في وسع علي محسن أن يكون رئيساً للجمهورية بالاتفاق مع قادة الانقلاب، غير أنه أصر على تسليم الرئاسة لعلي عبدالله صالح، وهي –بالمناسبة- المرة الثالثة التي يتنازل فيها علي محسن عن رئاسة الجمهورية ويمنحها للرئيس صالح.الانقلاب كتبرير مقنع للإقصاءرغم تعدد رواياته، لكنه –أي الانقلاب- لا يبدو قابلاً للتأكيد، إذ لا وجود لأي معلومات حقيقية من مصادر وثيقة الاطلاع تؤكد حدوثه.انعدام التأكيد، يجعلنا نفترض وجود غايات ومرامي رئاسية من الترويج لحدوث هذا الانقلاب الوهمي.عملية إقصاء علي صالح الأحمر من منصبه كقائد للحرس الجمهوري، يمكن أن تمنحنا أفقاً آخر للفهم، فرغم أن مشروع التوريث كان هو المبرر الحقيقي لعزل علي صالح الأحمر من منصبه وتعيين أحمد علي عبدالله صالح بديلاً عنه، إلا أن فكرة الانقلاب بدت أكثر قبولاً وتفهماً وبالأخص لدى رجال علي صالح الأحمر في الجيش والدولة.لقد جسد الانقلاب تبريراً ذكياً لعزل الرجل والحيلولة دون بروز أي مواقف ضدية مناوئة من جانب رجاله وبالذات في الحرس الجمهوري، لاسيما عقب ما راج عن رفضهم الاعتراف بأحمد كقائد، وتمسكهم بالمؤسس والقائد التاريخي علي صالح الأحمر. بين الملحقية العسكرية ومكتب القائد قيل إن علي صالح غادر صنعاء مغاضباً باتجاه العاصمة الأميركية واشنطن، وذلك رغم المحاولات الرئاسية لاسترضائه وإبقائه داخل أرض الوطن.وتشير بعض المصادر إلى أن القائد علي محسن صالح اقترح على الرئيس تعيين علي صالح الأحمر كملحق عسكري في السفارة اليمنية بالولايات المتحدة الأميركية وذلك لإضفاء الصبغة الرسمية على وجوده في أميركا بموازاة إرضائه نسبياً وإعادة الاعتبار له أمام رجاله في الجيش والدولة.لم يكن قائد الفرقة الأولى مدرع راضياً عن ما آلت إليه الأمور بين الأخوين، إذ سعى لإقناع الرئيس بإعادته الى الحرس، لكن الرئيس ظل يرفض ذلك باستمرار.بالنسبة للرئيس، لم تكن عودة علي صالح الأحمر إلى قيادة الحرس الجمهوري واردةً على الإطلاق لتعليلات عديدة لعل أبرزها أن هذه العودة ستعني بالضرورة إعاقة سيطرة نجل الرئيس أحمد على مقاليد النفوذ ومفاتيح التحكم في قوات الحرس الجمهوري وبالتالي إحباط مشروع التوريث الذي كان يومها في طور التخلق البدائي.إثر جهود قيل إن علي محسن بذلها، اقتنع الرئيس أخيراً بإعادة علي صالح الأحمر إلى القوات المسلحة ولكن شريطة عدم تدخله في الحرس الجمهوري.أثمرت الجهود في عام 2001م عن صدور قرار جمهوري قضى بتعيين الجنرال علي صالح الأحمر كمدير لمكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة.ولكن.. لماذا أصر علي محسن على إعادة علي صالح الأحمر إلى الجيش؟ تساؤل اعتراضي يفرض ذاته.بوسعنا الادعاء هنا، أن علي محسن شعر بأن الرئيس استخدمه واستعان به لمواجهة وعزل أخيه علي صالح الأحمر، لقد أدرك علي محسن بعد فوات الأوان أن وقوفه إلى جوار الرئيس ضد القائد علي صالح الأحمر كان خطأ فادحاً غير مقصود، فها هو التوريث يُطل برأسه ليؤكد لعلي محسن خطأ حساباته لاسيما عقب تيقنه من أنه أضحى هدفاً تالياً للإقصاء.لعبة استدرار الأموالفي الواقع، لم تكن تلك هي اللعبة الرئاسية الأولى للمصادمة بين العليين القائدين (علي محسن وعلي صالح) إذ كان سعي الرئيس دوؤباً للمصادمة بينهما بالأفعال والأقوال.في تكتيكات الحكم بين "العلاعلة" الثلاثة، كان الرئيس يوهم الأمريكان بأن الفرقة الأولى مدرع وقائدها يشكلان مرتعاً خصباً لقوى التطرف والإرهاب، غير أن وجود الحرس الجمهوري وقائده علي صالح الأحمر يجسدان معادلاً استراتيجياً موازياً.استدرار الأموال الأميركية بحجة دعم الحرس الجمهوري في مواجهة الفرقة الأولى مدرع، ظل هو الدافع الظاهري لهذه اللعبة المشتركة بين العلاعلة الثلاثة، لكنه في الواقع لم يكن دافعاً وحيداً بالنسبة للرئيس.لم يأل الرئيس جهداً في إقناع القائدين بتلك التكتيكات منطلقاً في ذلك من إجادته لفن اللعب على المتناقضات، انطلاء الحيلة الرئاسية بلغ حداً بات فيه التراشق الكلامي عنواناً واصفاً للعلاقة بين القائدين في المقائل وأمام الآخرين وذلك بهدف إقناع الأمريكان بواقعية ادعاءات الرئيس صالح.إجادة القائدين لأدوار التضاد، رغم تسببها في تخليق حساسيات حقيقية أسهمت بوقوف علي محسن إلى جوار الرئيس ضد علي صالح ومساندته لقرار الإقصاء، إلا أنها لم تشكل حائلاً دون إعادة جسور الود والتواصل بين القائدين.شعور علي محسن بالمغازي الرئاسية الحقيقية الكامنة خلف تكريس التباين بينه وبين علي صالح الأحمر، جعله يسعى باستماتة لإعادته إلى الجيش عبر منصب مدير مكتب القائد الأعلى.لقد أدرك علي محسن أن إقصاء علي صالح الأحمر كان أبرز هدية قدمها لمشروع التوريث، فلولا هذا الإقصاء لظل أحمد علي عبدالله صالح عضواً في البرلمان، ولما تمكن الرئيس أبداً من تعيينه كقائد للحرس الجمهوري.كبش فداء لإنقاذ أحمدلا خلاف على أن القائد علي صالح الأحمر يعد أبرز القادة العسكريين الذين طالهم الظلم والاعتساف والقهر على يد الرئيس علي عبدالله صالح.فالرئيس لم يكتف بحرمان الرجل من نجله الشهيد فحسب، إذ أوغل في ذلك الحرمان ليحرمه من منصبه كقائد ومؤسس وأب للحرس الجمهوري، ويحرمه أيضا من حقه الطبيعي والواقعي في الترقية الى رتبة (فريق ركن).سيناريوهات الحرمان لم تقتصر على ذلك فحسب، فها هو الرئيس يحرمه من حقه في العودة كقائد للحرس الجمهوري جاعلاً منه مجرد قائد تحت إمرة نجله أحمد، وها هو أيضا يريد حرمانه من الحفاظ على تأريخه العسكري الناصع عبر دفعه إلى سفك الدماء وتقديمه ككبش فداء لإنقاذ نجله أحمد.في الواقع، لقد حرمه الرئيس من كل شيء، لكنه –أي الرئيس- لا يبدو مكتفياً بكل ذلك الحرمان، إذ ها هو يحاول أن يجعل منه مجرماً وسفاحاً بعد أن كان قائداً بارزاً يُشار إليه بالبنان ذات يوم. وماذا بعد؟يبدو القائد علي صالح الأحمر، أمام مفترق طرق حقيقي، فمتوضعه الراهن كحارس لعلي عبدالله صالح، لا يتناسب مع تأريخه النضالي المُشرف، ولا يتلاءم مع أدواره العسكرية البطولية في الدفاع عن الوطن وصون كرامة الشعب اليمني.يتعين على القائد علي صالح وهو يعكف في الإعداد لمواجهة أبنائه الثوار، أن يُعيد حساباته ويدرك المغزى الرئاسي من إعادته إلى قيادة الحرس الجمهوري في توقيت بالغ الحساسية والخطورة كالذي يعيشه الوطن حالياً.على القائد علي صالح أن يبحث في دواخله عن إجابة للتساؤل التالي: هل كان الرئيس ليعيده الى الحرس لو أن علي محسن لازال محافظاً على ولائه التاريخي للرئيس؟!قائد محنك كعلي صالح الأحمر، لا ينبغي أن يسمح لأي كان باستخدامه كأداة لقتل أبناء شعبه حتى ولو كان هذا ال(أي كان) هو أخوه غير الشقيق علي عبدالله صالح.لابد للقائد علي صالح الأحمر أن يدرك حجم المكانة ومستوى التقدير الذين يكنهما له أبناؤه الثوار في ساحات التغيير والنضال.إنهم يرون فيه القائد الوحيد المؤهل لقيادة الحرس الجمهوري بعد نجاح الثورة المجيدة، ليس هذا فحسب، بل ويؤمنون بضرورة أن يكون عضواً بارزاً في المجلس العسكري الذي سيتم تشكيله عقب الثورة لإدارة القوات المسلحة.بالنسبة لكثير من الثوار، يظل علي صالح الأحمر هو المؤسس الفعلي والقائد الحقيقي للحرس الجمهوري، بل إنهم يؤمنون بضرورة أن تقوم الثورة بمساندته للعودة إلى موقعه الطبيعي عبر الضغط لعزل أحمد علي عبدالله صالح.تقدير الثوار واحترامهم البالغ لشخص هذا القائد، يجعلهم مؤمنين أيضاً بأنه لن يسمح مطلقاً لقوات الحرس الجمهوري بسفك الدماء أو بارتكاب أي انتهاكات بحق أبنائه سواء أكانوا في الفرقة أو ضمن الثورة السلمية.أخيراً، أجدني مضطراً لمخالفة أولئك الذين يشعرون بالسوء والامتعاض إزاء عودة علي صالح الأحمر إلى قيادة الحرس الجمهوري، السبب ببساطة يكمن في شعوري بأن هذا القائد البارز لن يسمح بتشويه تأريخه النضالي أو تلطيخ سمعته العسكرية بسفك دماء أبناء شعبه.ربما أكون مفرطاً بتفاؤلي، حين أزعم بأن الرجل سيدرك قريباً أن موقعه الطبيعي ينبغي أن يكون مسانداً للثورة ومتعاطفاً مع مطالب أبنائه الشباب.ختاماً: عظماء القادة لا يمكن أن يسمحوا بسفك دماء أبناء وطنهم، ولا يمكن أيضاً أن يقفوا ضد إرادة شعبهم وتطلعاته المشروعة في العزة والكرامة والحرية والديمقراطية.وبما أن المكان الطبيعي للقادة العظام هو في أوساط الناس وبين صفوف الشعب، فإن ذلك يدفعني لمناداة علي صالح الأحمر وغيره من شرفاء وقادة الجيش قائلاً: المجد بانتظاركم.. وأبواب التأريخ تناديكم.. فماذا أنتم فاعلون؟! .* الصورة عن موقع "المصدر او لاين"

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.