الرجل المتصدر للواجهة اليمنية الآن هو عبد ربه منصور هادي فقط؛ لا أحد سواه يعقد عليه اليمنيون آمالهم في الخروج بالبلد المعتم إلى دائرة الضوء؛ وليس لشخصه بديلا تلتقي حوله الآراء وتؤيده القوى في تحديد مسار هذا الطموح الشعبي النبيل. إنها مرحلته وحسب؛ ويجب أن يكون هذا العسكري المخضرم فارسها الصنديد وناصر التحولات الأول في تأريخ اليمن الحديث. لطالما عاش النائب المعين بقرار رئاسي دوراً هامشياً منذ أن صعد مع دخان حرب صيف 94 حد وصف محمد العلائي له في مقال بعنوان "كرة البولينغ"، غير أن ما كانت بالأمس إنابة مجازية أصبحت اليوم أكثر من مجرد واقعاً ملموس. إذ باتت ملامح وجهه المحمر على الدوام، تتوسط كل شاشات الانتظار بعيدا عما إذا كان لا يزال يدوس قواعد اللغة العربية في خطاباته التي كانت تتسلل لأسماع اليمنيين من وقت لآخر، أم أن أبجديته بدأت تشذبها الأضواء. المتتبع لسيرة الجنرال عبدربه منذ أحداث يناير 86 التي اختفى بعدها مع رفاقه في "الزمرة" ثم سطع نجمه مجددا في حرب صيف 94 مروراً بموقفه الهادئ بحذر، في احتجاجات المتقاعدين في الجنوب منتصف 2007 وحتى حضوره المتزن والعقلاني في ثورة الشعب منتصف فبراير الماضي؛ المتتبع لكل ذلك؛ يدرك جيداً أن الرجل انحاز بموقفه ولو صمتاً، إلى صف الحق، أكان وطنٌ ينشد الرفق أم ابنٌ له مظلوم. وبعيدا عن أي دواعي انتقامية قد يجدها البعض في بعض مواقفه إلا أن القائد العسكري الذي لم يكمل عقده السابع من العمر، يحمل من الدهاء والحكمة ما قد يتفاجىء بنتائجها الجميع، لاسيما إن لازمت كظل، مهمته الوطنية في هذه المرحلة الحرجة من تأريخ البلاد؛ ومثلما هو مشهود للجنرال منصور إسهامه في وقف نزيف الانشقاق اليمني اليمني في حرب صيف 94 ليكافئ بعدها بوزير للدفاع ومن ثم نائباً للرئيس؛ فإن التأريخ حتماً، كفيل بمكافئة أجزل إذا ما أسهم اليوم في وقف النزيف النفسي والمادي لليمن ولليمنيين. لاشك أن الفريق الذي أوكلت له مهام رئيس الجمهورية بعد أن تطايرت أجزاء كبيرة من جسد النظام في حادثة تفجير جامع النهدين بدار الرئاسة، يبدو محاصراً بمواقف متباينة وقوى مختلفة من الداخل والخارج، ويبدو كما تناولت بعض وسائل الإعلام فحوى لقاءاته مع مختلف الأطراف، قد فاض به كيل الصبر على ما وصف بأنه محاولات "لي الأذرع" تمارس عليه من قبل قوى مختلفة أزعجها أمر التهدئة. لقد التقى الفريق الذي طالما وصف بأنه هادئ الطباع بعدة أطراف وتمخضت تلك اللقاءات عن أفكار متباينة تمحورت حول فكرة التهدئة والعمل من أجل إعادة الحياة المتدهورة إلى طبيعتها ولاسيما على المستوى الأمني والاقتصادي. ورغم أنه أسهم في تثبيت هدنة وقف إطلاق النار بين أنصار الشيخ الأحمر والقوات الحكومية وعمد فضلاً عن الأزمات الاقتصادية الطاحنة، إلى ترسيخ فكرة إلغاء التجمعات المسلحة وبالأخص في شوارع بعض المدن ممكن كانوا مساندين للنظام، ناهيك عن ما تناولته بعض وسائل الإعلام من أن الرجل أقدم على في أول قرار له على إقالة قائد معسكر خالد في تعز بعد حديث سرى عن خلافات حول إعفاءه. لا أدري لم أبدو كما لو أنني أبالغ في سرد مزايا رجل لم تبدأ مهامه الفعلية بعد، لكن ما من شأنه رفع نفسية الرجل الذي يبدو أنه يحب العمل بهدوء في بلد تضج بالأزمات من أقصاها إلى أقصاها؛ هو ما يتوجب أن يقال من الجميع لاسيما وأن جميع الأطراف المؤثرة في الساحة اليمنية سواء من الداخل أو من الخارج قد رضوا عن الفريق منصور وأجمعوا على تسلمه قيادة المرحلة الانتقالية. ببساطة، نحن لم نقتنع بلجنة التهدئة التي تمخضت عن لقائك بالمعارضة يا سيادة الرئيس بالإنابة، ولا ننتظر أنشطتها تتلى الآن أو غداً. إن هذا الشعب البريء لا يجدي معه الآن أن تظل سياسياً، موضع الهادئ والرصين المحايد. إننا نريد لهذه الأزمات الكارثية حلاً جذرياً طالما كل الأطراف يشاطرونك ومن منزلك، الوفاء والالتزام؛ كل من ناحيته، وإلا فإن صمتك حيال المتسبب فيها وأنت أقرب لهم جميعاً، قد يكون كارثياً وربما سيفقدك الهالة التفاؤلية التي بناها الشعب حول نظراتك التواقة للتهدئة؛ فضلاً عن أن صديقي ذو الروح الفكاهية، سيفقد رهانه حول أن عبده ربه منصور هادي جدا.