تدور معركة ثقافية حامية الوطيس بين" الأنظمة الحاكمة المتمردة" وبين المتظاهرين المطالبين بإسقاطها، فقد رفع المتظاهرون السوريون لافتات تعلق على بعض ما جاء في الخطاب الأخير للرئيس بشار الأسد تقول " الجراثيم تريد إسقاط النظام" تعليقا على عبارة "المؤامرات كالجراثيم تتكاثر في كل لحظة وكل مكان"، بينما رفعت مظاهرة أخرى لافتة تقول:" خطاب الأسد الأخير برعاية ديتول"، وديتول لمن لا يعرف هو مطهر يقضي على الجراثيم. الأسد ليس أول من استخدم "معجم توصيف الشعب" فقد سبقه الرئيس التونسي الهارب زين العابدين والرئيس المصري المخلوع مبارك والرئيس "المحروق" علي صالح والرئيس المقدس "القذافي"، فجميعهم استخدموا سلسلة من المصطلحات لنعت من يطالبونهم بالرحيل وشملت "مخربين ومندسين وإرهابيين وعملاء وخونة وخارجين على القانون وجرذان وجراثيم" وهذه الأخيرة كانت ماركة مسجلة محتكرة باسم العقيد الليبي "معمر القذافي"، إلى أن أنهى بشار الأسد هذا الاحتكار بوصف المحتجين بالجراثيم. مهزلة زعماء هذه الأنظمة تبدأ من عدم قبولهم بالاعتراف بوجود "شعب"، فالنسبة لهم لا يوجد شعب يعترض على حكمهم إلى الدرجة التي وقف معها عقيد ليبيا المقدس ليسال الشعب "من أنتم"؟ في اغرب سؤال من نوعه في التاريخ، حيث لا يستطيع حاكم استفرد بالحكم 42 عاما أن يعرف من هم هؤلاء الناس الذين يحكمهم، وينكر وجودهم بالسؤال عن ماهيتهم، ليصل إلى النتيجة القاتلة ان "الليبيين ليسوا شعبا بل جراثيم وجراذين"، لكن المفارقة هي أن القذافي وقع في مصيدة الجرذان التي صمدت في مصراتة وتزحف إلى قلعته في "طرابلس الرهينة"، وتحول الشعار عمليا إلى "الجرذان تحاصر القذافي" وصارت على بعد 60 كيلومترا من حصنه في "باب العزيزية". أما عقيد سوريا "والعقيد هنا مستمدة من مسلسل باب الحارة وليست رتبة عسكرية"، فقد كان أكثر تفصيلا حين قسم السوريين إلى "صاحب حاجة أو خارج على القانون أو تكفيري"، ولا يعترف بوجود شعب يريد إسقاط نظامه، ولذلك فهؤلاء حسب رأيه "يلبسون الأقنعة ويقبعون في "الزوايا المعتمة" ويخربون باسم الإصلاح ويقتلون باسم الدين وينشرون الفوضى باسم الحرية ويستخدمون المسيرات السلمية كغطاء للمسلحين وينفذون عمليات اغتيال وهم يحملون فكر قبيح"، ويعلن ببساطة أن عدد الخارجين على القانون يصل إلى 65 ألف شخص. يصلح خطاب زعماء هذه الأنظمة الخارجة على القانون والمتمردة على الإرادة الشعبية مادة للهزل والسخرية والكوميديا السوداء، لكنها تعبر في الحقيقة عن طبيعة العقل الحاكم في العالم العربي، وطبيعة الخطاب الذي يحكم "الفئة الحاكمة" على وزن "الفئة الضالة" ،في سوريا وليبيا واليمن، التي تستخدم أيضا لوصف المعترضين الاستبداد والظلم واحتكار السلطة، وهو خطاب "أعمى البصر والبصيرة" لا يرى الناس إلا قابلين بمن يحكمهم عنوة أو "ضالين"، ولا يستطيع أن يتصورهم إلا خانعين لإرادة الحاكم أو مستحقين للحصار والقتل والتجويع مثلما يحصل في مصراتة والزاوية ودرعا وخربة الجوز وجسر الشغور. من وجهة نظر ثقافية خالصة غير مختلطة بالايدولوجيا والتنظير السياسي والمصالح النخبوية لا يمكن التعايش مع هذه "الأنظمة الخارجة على القانون والفاقدة للشرعية الشعبية والمتمردة على إرادة الشعب"، فالأصل أن أنظمة الحكم وجدت لخدمة الناس وليس استعبادهم، شرط قبول ورضى الأغلبية، ومن هنا فان هذه الأنظمة فاقدة للشرعية السياسية لأنها لم تات للسلطة عبر صناديق الاقتراع ، وهي متهمة بالفساد والإضرار بمصالح الأمة وبعضها متهم بالتفريط بالوطن والقبول بالاحتلال، والاهم من ذلك أنها فاقدة للشرعية الأخلاقية لأنها تقتل الشعب الذي يفترض أنها خادمة له وأمينة على مصالحه ومستقبله، وتسفك دمه وتحاصره وتجوعه وتدمر مدنه بالطائرات والمروحيات والدبابات .. فهل يبقى بعد ذلك أي شرعية لهذه الأنظمة.