من الواضح أن الحدث كان غير مسبوق في سويسرا؛ "لاعبة صغيرة لم تتعد العشرين عاماً تتمسك بحجابها وقت ممارستها الرياضة" على الرغم من اللوائح التي تمنع ذلك. في الواقع كان "إعلان لاعبة كرة السلة السويسرية من أصل عراقي سرى الشوق (19 سنة) تمسكها بارتداء الحجاب، رافضة تهديد اتحاد كرة السلة السويسري بعدم السماح لها باللعب مع فريقها إذا تمسكت بالحجاب، وكذلك بشطب نتائج فريقها "إس تي فاو لوزان" إذا ساندها في هذه المسألة"، هو الخبر الذي طغى على ما عداه حتى على تلك الأخبار التي لا شأن لها بالرياضة.
مسئول في الاتحاد السويسري لكرة السلة قال إنه [من غير الوارد] تعديل اللوائح المعتمدة من الاتحاد الدولي "فيبا"، والتي تنص على منع الرموز الدينية في الملاعب، مضيفاً: "يجب أن تكون للعبة الأولوية بالنسبة لممارسيها، ومنهم سرى الشوق، أما إذا كانت الأولوية للدين فلن تتمكن من اللعب"، طبقاً لصحيفة "الشروق" المصرية الخاصة.
سرى الشوق كانت في تصريحات لصحيفة محلية بمدينة لوزان قالت: "إن الدين يحتل في حياتي المرتبة الأولى، وليست كرة السلة، وإذا وجدت نفسي أمام خيار من اثنين فسأختار الحجاب، ولن ألعب كرة السلة مرة أخرى".
عدا ذلك؛ تستنكر سُرى في حديثها ل"الجزيرة نت" مبررات القرار "بضرورة التزام الحياد الديني أثناء المباريات"، وتساءلت "لماذا لا يتحدثون عن وشم يغطي أجزاء من أجساد بعض اللاعبين وبه رموز دينية؟".
لكن من يتابع تصريحاتها - عن كثب- يكتشف بسهولة أن سرى الشوق تتمتع بشخصية تفوق عمرها الحقيقي. على الأقل هذا ما تبدى بالنسبة لي.
حسناً.. تابعوا قراءة ما يلي: تقول سرى: "النادي ساندني، لكن الواضح أنه لن يستطيع تغيير اللوائح، ولذلك لا أريد أن أتسبب في مشكلات لهم، وسأحل أزمتي الشخصية بنفسي".
في الواقع كانت سرى ترد على مساندة مدربها لها وهو الذي حدد موقفه من القضية بشكل لا لبس فيه على الرغم مما قد يواجهه جرّاء ذلك.
لقد وصف المدير الفني لفريق سرى السويسري أوليفر باكر قرار منعها من اللعب بسبب ارتدائها الحجاب ب"الغباء"، مضيفاً في تصريحات لوسائل إعلام سويسرية "أنه لا يساعد المجتمع على التطور" (وسرى هي اللاعبة رقم 1 في فريقها، وحصلت على لقب أكثر لاعبات كرة السلة موهبة في سويسرا خلال موسم 2008-2009م).
في سويسرا يطالب المنتقدون بعدم اعتبار الحجاب رمزاً دينياً، مشددين على أنه جزء من رداء المرأة المسلمة العادية، بل ويعتبرون أن هذا القرار يعطل اندماج الأقلية المسلمة مع بقية مكونات المجتمع السويسري (يعيش في سويسرا نحو 350 ألف مسلم من أصل حوالي 7.5 ملايين نسمة).
خلال الأيام القليلة الماضية، زخرت صحيفة "تسيش" السويسرية بعدة مقالات تطالب بإيقاف ما أسمته "العدوان على حجاب سرى"، وباستثنائها من قرار الاتحاد الدولي، باعتبار أنها تمثل مستقبل سويسرا في لعبة كرة السلة النسائية.
كما ظهرت عدة مجموعات على موقع التعارف الشهير "فيس بوك" لتأييد موقف سرى الشوق، ولم تقتصر عضوية هذه المجموعات على العرب والأتراك فقط، بل ضمت العشرات من مشجعي كرة السلة في مدينة لوزان.
لكن ردود الفعل لم تهدأ على قرار اتحاد شمال شرق سويسرا لكرة السلة منع اللاعبة سرى الشوق من المشاركة في مباريات الدوري، بسبب إصرارها على عدم خلع الحجاب أثناء المباريات.
طبقاً لعدد من وسائل الإعلام فإنه مع كل صباح تستفيق سرى وبريدها الإلكتروني يعج برسائل تؤيد موقفها وتشجب القرار وتحثها على ضرورة مواجهته وعدم الاستسلام.
لكن في المقابل يدافع رئيس اتحاد كرة السلة السويسري هانيتس شلوسل عن قراره، مكتفياً بالإشارة إلى لوائح الاتحاد الدولي لكرة السلة التي تحظر على اللاعبات ارتداء الحجاب أثناء المباريات.
من جهته أكد الناطق الرسمي باسم المركز الإسلامي العراقي في سويسرا كريم السماوي تضامن المركز مع اللاعبة واستعداده لمتابعة الملف مع السلطات وأمام المحاكم إذا اقتضى الأمر.
السماوي قال في تصريح للمصدر السالف ذكره إن "صدور مثل هذا القرار من بلد متعدد الأعراق أمر مثير للدهشة، وقد لا يدرك من يساندونه أنه ربما يؤدي إلى مشاكل في سويسرا هي في غنى عنها".
أما الناشطة العراقية في مجال حقوق المرأة بالمركز سعدية التميمي فقالت إن "ثقتنا كبيرة في الديمقراطية السويسرية، فهي أول من وضع اللبنة الأولى لحقوق الإنسان".
متضامنات عراقيات مع سُرى كنّ عبرن عن دهشتهن من هذا القرار ووصفنه ب"الجائر"، بل ذهبت إحداهن إلى القول إن سويسرا "ربما تتعرض لضغوط لممارسة مضايقات على المسلمات، فالحجاب ليس رمزاً دينياً ولا يتعارض مع العيش في أوروبا".
الكاتب العراقي المقيم بسويسرا قاسم المرشدي قال: "نعرف عن سويسرا أنها بلد التسامح والحريات وحقوق الإنسان؛ لكن تلك المواقف تسيء إلى سمعتها لاسيما في المجال السياحي".
اللافت للنظر في القضية أن الأحزاب السياسية تفاعلت بصورة متفاوتة مع المشكلة طبقاً للمصدر سالف الذكر، فقادة الحزب الاشتراكي لم يتمكنوا من الاتفاق على موقف موحد، إلا أن ممثله في لوتسرن قال "ليس لدينا مشكلة مع الحجاب لأنه حرية شخصية، لكننا ضد ارتداء من يعملن في وظائف حكومية للحجاب".
وفي حين رأت المستشارة بحكومة لوتسرن "أنجيلا بفيفلي" أن الانضمام الطوعي إلى أي اتحاد أو جمعية أو ناد يعني الموافقة الكاملة على شروطه واتباعها، أكد النائبان "باتريك ماير" و"لودفيغ دايخر" من الحزب المسيحي الديمقراطي [على أهمية الحوار] في مثل هذه المواقف، ودعوَا إلى مناقشة الأمر بهدوء.
في المقابل يرى رئيس حزب الشعب اليميني المتشدد جوزيف كونتس في لوتسرن أن "المشكلة يمكن حلها بسهولة شديدة، إذ ليس أمام سُرى من حل سوى الاندماج والقبول بمبادئنا الأوروبية، أو الرحيل والعيش في المكان الذي يتناسب معها كمسلمة". وتساءل كونتس قائلا "لماذا يجب علينا أن نقدم التنازلات تلو الأخرى للمسلمين الذين لا يكفون عن المطالبة بخصوصياتهم؟". لكن هذا الحل تراه الناشطة بالمركز العراقي "ضحى الشيباني" غير مقبول "لأنه يغفل حق آلاف السويسريات اللاتي أشهرن إسلامهن عن قناعة"، متسائلة "هل يجب عليهن الآن الرحيل من بلادهن؟".
لا أحد يدري؛ في الواقع سيتعين على الجميع ترقب تداعيات ذلك في لاحق الأيام وربما شهور وسنوات تالية للإجابة على تساؤل "بنت الشيباني"....!