يأتي إعلان المجلس الوطني لقيادة الثورة بعد سبعة اشهر عجاف عاشتها اليمن، في ظل مخاوف أثارها غراب البين ورهطه المتمسكين "بذيل الحمار" والمتجهين نحو الهاوية، مما جعل الشعب يمسك على قلبه خوفا من حمامات صالح التي يتوعد بها الناس، فهو لا يعرف غير الدم وجريانه "من فوق أو من تحت الركب" وعلى ما يبدو فإن حمامات صالح لن يكون لها وجود بعد هذا الإعلان الذي لقي تأييدا جماهيريا عارما من الساحات ومن أبناء اليمن في الداخل والخارج. المجلس الوطني جاء ترجمة حقيقة للثورة الشعبية العارمة التي اجتاحت محافظات الجمهورية وأيدها القاصي والداني.. سيقول قائل تأخرت هذه الخطوة كثيرا ،فنقول نعم لان المعارضة اليمنية وهي الوجه السياسي للثورة، لم تحاول القفز على الواقع وتركت مساحة للحوار الطويل، والذي اثر على أدائها وعلى مكانتها بين الجماهير الثائرة، لكنها أبرت ذمتها أمام الله وأمام الشعب وحاولت بشتى الوسائل الخروج بحلول سلمية متأخرة ولم ترد حلول مستعجلة تراق فيها الدماء. اجتماع المجلس جاء في وقته المطلوب وخاصة بعد أن تم تأديب الحرس العائلي في مخلاف تعز، وأرحب صنعاء.. حيث علموا أن قبائل اليمن ستساند الثورة حتى لو سالت انهار الدم، إذ لا عودة عن الثورة مهما كلف الأمر، وتحملت القريتان أرحب بلد القاضي الزبيري، والمخلاف بلد عبده محمد المخلافي المؤسسان لحركة الإخوان المسلمين في اليمن والتي يتهمها صالح بأنهما من ثارت عليه، ويرى أن الثورة هي غضبة الحركة، ولذا أراد الانتقام من رفات الموتى المؤسسين، ومن الأرض التي انجبتهم، لكن القريتان أثبتتا تماسكا قويا وأعاقتا تقدم قوات الحرس العائلي وأفقدته صوابه .. البعض يبحث عن معنى لماذا انسحب فلان وعلان من هذا التكليف الوطني الذي يسجله التاريخ لمن أخذه بحقه دون تهاون ، ودعوني هنا أوضح أمرا لابد منه، وهو ان الناس في اليمن بشتى توجهاتهم ومناطقهم ممن اشتركوا في هذه الثورة ولو بالتأييد والإشارة من بعيد رضي عن الثورة ومساندتها دخلوا عبر بابين: الأول وهو باب الحب لليمن أرضا وإنسانا، وإيمانا بهذا الشعب، وبحقه في الحصول على حياة كريمة على أرضه، وفي هذا الباب كان اغلب الشباب والفعاليات السياسية قد دخلت منه حبا ،وكرامة ، وإعزازا لمبدأ الحب لهذا الوطن الممتد من صعدة إلى المهرة . الباب الثاني: وهو باب الكره للنظام وفساده ومنه دخل البعض يريدون إسقاط الأسرة الحاكمة، لأنها فعلت باليمن مالم يفعله الأحباش والفرس والمستعمر والسلاطين والإمامة، لكن البعض ممن اتى بهم الكره لهم نظرة ضيقة ومصالح وان بدت عامة إلا إنها تظل محصورة في إطار المناطقية وما قبل عام 1990 م عندما أعاد الشعب وحدته وظل البعض يزايدون ويراهنون على 27 عاما عاشه الجنوب مستقل اسميا و"مدعوس" تحت أقدام الروس فعليا، وعاشه الشمال مستقل اسميا وهو تابع لوكلاء الامريكان في المنطقة فعليا ، بعض هؤلاء لا يرون في سقوط صالح وأسرته إلا عوده لتاريخ الشمولية.. ومنذ بداية الثورة الشعبية ونحن نسمع نغمة الجنوب، والجنوب، والجنوب، وكأننا في تعز وعمران وصنعاء وذمار والمحويت وصعدة ورداع كنا ننعم بخيرات البلد من دونهم ،ولم يستوعبوا ان اليمن برمتها وقعت تحت قبضة اسرة فاشية ومرتزقة من الشمال والجنوب تاجروا بشعبنا بأكمله وأذاقوه الويلات. لسنا بصدد محاكمات تاريخية ولكننا بصدد التبيين لحقيقة الدوافع التي جعلتهم يرفضون إجماع الساحات ويرون ان 20 او يزيدون سيغيرون مسيرة ثورة ننتظر حسمها بفارغ الصبر، ونقول للجميع أن دافع الحب أفضل من دافع الكره الأعمى الذي يريد تحويل مسار الثورة من ثورة شعب إلى ثورة شمال وجنوب ، لقد أزكمت أنوفنا هذه المناطقية العفنة وتحملنا أذاها من بداية الثورة وآن لها أن تختفي نهائيا، فما جناه صالح يعود عليه وعلى أسرته وليس على ثورتنا، إن أحقاد القلوب لن تختفي مادمنا نفكر بذواتنا ولم نذب حبا وعشقا في اليمن الكبير . يرى البعض أنهم على حق وينسون أن نساء وأطفال أرحب يدفعون بأرواحهم فداء للثورة ولساحات الثوار، بينما هم يتسكعون في أروقة الفنادق باحثين عن مواقف يصدرونها لنا وكأنهم صناع ثورة او مضحيين بمصالحهم، هي الميادين من تحكم هم الرجال من يقفون اليوم على خطوط التماس مع قوات الحرس الهمجية، ويقدمون أرواحهم فداء للوطن من صعدة إلى المهرة، وفداء لكل شاب وشيخ وامرأة وطفل يقف في الساحات يهتف ضد بقايا النظام. لا يهمنا تخاذل المتخاذلين عن التكليف الوطني فالوطن لديه أبناء كثر من كل المحافظات وإذا كان هؤلاء يقولون إن أبناء الجنوب في المجلس قلة، نقول لهم إن الجنوب في قلوبنا وفي دمائنا مثله مثل الشمال، والمجلس ليس للحكم ولا للترفيه، انه مجلس وطني لحسم الثورة ،ولا يحتاج لاعتراف من احد، انه نابع من الساحات، وتأييد الساحات يكفي وإذا كان ولابد فليزاد أعداد الأعضاء من أي قرية تريدون وليكن نصيب الوطن هو الأعلى عددا .. أنا شخصيا من تعز ومن يمثلني في هذا المجلس الأستاذة حورية مشهور إذ أرى إنها خير من كل المتخاذلين والمخذلين، حكيمة لا تقول إلا حقا وصدقا، مع إني أكن لها الود والاحترام منذ عرفتها في اللجنة الوطنية للمرأة إلا إني أتعامل معها كيمنية ولم أسالها من أي قرية، ولا من أي مدينة أتت، لأن ذلك لا يهمني ما دام إني أرى فيها اليمن برمتها، وهي اليوم ناطقة باسم القضية اليمنية. الأسماء العتيقة التي رفضت يستبدل بها أسماء من شباب الساحات ومن شباب الثورة في الخارج، فلم يعد لتلك الأسماء معنى ولا قيمة وأنا شخصيا حين اراهم لا يذكروني الا بقصة "وريقة الحناء والعجائز الشريرات" .. فليمض المجلس على بركة الله ليحسم أمر الثورة "ومن كانت غارته من شعبه فالرجال لا تكبه" بمعنى إن من ثار معه شعبه لن يهزم .. الشعب معكم والإجماع لكم ولا تراجع ،ولا تلتفتوا لمن راحوا ضحية أهوائهم وأحقادهم . ومن لم يمت قلبه شغفا بثورتنا فهو أصلا لا يستاهل ان يقف او يذكر معها او فيها. من المهم اليوم في هذه المرحلة ان ننسى ذواتنا وننصهر في ذات الثورة العظيمة والجميع ثوار لأجلك يا يمن .. ودعونا نعاتب أصحاب المشاريع الصغيرة الجانبية ،ونقول لهم رفقا بوطنكم رفقا بثورة الشباب ، ونقول لهم :واهم جدا من يظن ان الثورة تمسك بسكين الجزار لتقسم لهم أجزاء من الوطن.. واهم جدا من يظن ان الثورة ستتحول الى قاضي الغرام الفاضي جدا لمناقشة قضايا ميراثهم من الوطن .. واهم من يريد من الثورة ان تتحول الى عصا موسى او خاتم سليمان او مصباح علاء الدين ،فالثورة نضال طويل، وصراع مرير، مع الفساد المتمثل في بقايا ومخلفات النظام حتى يتم إزالتها للأبد، واهم جدا من يريد من الثورة أن تغير ذاته وهو جامد في مكانه بلا حركة ، واهم جدا من يظن انه يستطيع إجهاض حلم الشعب وإنهاء الثورة والعودة من جديد لممارسة الفساد ، واهم جدا من يحلم ان الثورة ستزول وسيجد الفرصة لمحاكمة كل خصومة بتهمة مساندة الثورة . الى كل من ثاروا بدافع الكره والانتقام أعيدوا النظر ، وصححوا النيات، لقد ثرنا حبا في اليمن وإخراجها من الفشل ،وحنانا بها وكرامة لها ، فليس الكره اكبر عندنا من الحب.. فالحب هو أساس ثورتنا.