ظهر الجندي في المؤتمر الصحفي ليعلن ما قال انه ملفات فساد سيقوم بكشفها تباعا حيث أعلن عن وجود ارشيف فساد بالمليارات ، وقد حاول ان يوهمنا بأنه سيقدم على كشف المستور ومواجهة الأخطار ، مؤكدا بأنه مستعد لتحمل العواقب حيث كرر عبارة ياسر عرفات : شهيدا شهيدا شهيدا .. وهذا هو طبع الجندي ، حيث يظهر لا كموال جاد ولا كمعارض جاد، (تذكروا .. هو رئيس حزب معارض) ولكنه هازل ماجن " يستدعي في حديثه قيادات ثورية كياسر عرفات وجيفارا للتحريض على قتل ثوار يقف ابنه بين صفوفهم .. "ويتمسخر" بولده من ضمن ما "يتمسخر" ، بما يشبه ابو دلامة الذي كانت مهمته اضحاك الخليفة وحين مات ولده لم يجد سوى موت ولده ليكون مادة الإضحاك والتسلية للخليفة .
الكلام كان سيكون حقيقيا لو أن الجندي اعلن عن ويكيليكس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة .. فهناك الجهاز، الذي تم إنشاؤه قبل 19 عاما بدعوى الرقابة والمحاسبة ، توفر له جيش من الموظفين ، ليغطوا كل مفاصل الجهاز الإداري للدولة، وفعلا يسجل ويرصد ويوثق التجاوزات والانتهاكات ويرفع التقارير إلى صالح رأسا .. اقتصر حديث الجندي الذي جاء انشائيا دون وثائق عن ما قال انه فساد حميد الأحمر وعلي محسن وعبد الملك منصور .. لم يفهمنا الجندي كيف أن أرباح تسويق حميد الأحمر للنفط اليمني يكون فسادا ، ما دام وسيطا معتمدا من قبل الحكومة نفسها، وإذا كان ذلك تم دون مناقصة كما قال الجندي فمن سمح بذلك ، فحميد مثلا يلزمه عقد ، وتوقيع رفيع ، كي يفوز بصفقة بيع النفط ، فمن هو صاحب التوقيع ؟ .. لأن الموافقة عليها لا يمكن أن تكون من غير الرئيس صالح نفسه .
لا جديد فيما قاله الجندي سوى أنه قد أدان النظام بالفم المليان .. فمجرد علم صالح بأي فساد حتى لو كان لمعارضين يدرجه في خانة الإدانة والخيانة لمصالح الشعب .. واذا كان حميد الاحمر لا يدفع الضرائب فهذا دليل إدانة لنظام صالح وتأكيدا لانعدام سيادة القانون الذي خرج الثوار لأجل ترسيخه بحيث يسود القانون على حميد الأحمر وعلي محسن واحمد علي وصالح نفسه.
الثوار يصرون على اسقاط النظام ، لأنه راعي للفساد ومتكتم عليه .. والجندي يثبت بأن صالح كان متعايشا مع التجاوزات والهبر دون انزعاج .. لولا هذه الثورة .. التي انظم لها بعض رجال صالح ..
الجندي هنا يقوم بمهمة الحديث عن فساد البعض ليس لأنهم فاسدون ولكن لأنهم منشقون عن النظام .. ولو ظلوا في جبهة صالح حتى الآن لكانوا غير فاسدين .. وعموما لو كان هؤلاء فاسدون فهم من سيئات صالح .. التي يستحق الرحيل بسببها .
على مدى عقدين .. الجهاز المركزي للرقابة يرفع أسماء فاسدين ، هم يزدادون ترقية ، والشعب يزداد تدهورا .. وبرغم ان الوطن جاع وافتقر وذل بسبب ما في هذا الارشيف ، فإن أصحاب هذه الملفات ظلوا جوار الرئيس وفي حمايته وستره .. هؤلاء الذين صادروا الفرحة والبسمة ومصروف المدرسة وقيمة العلاج .. لم يفعل صالح سوى أن قام بتسجيلها وركنها في الأرشيف ، وحكم عليها بالسجن المؤبد ...
تمنى الشعب ان يمنح نصف عمره ، ليعرف ما الذي يمنع إعادة المليارات المرصودة ، فالفاسدون مثبتون بالاسم والصفة .. ليفاجأ الشعب بصالح يقول ذات خطاب : أعطونا فاسدا واحدا وسوف نحاسبه .. بينما الفاسدون في قبضة يده وقبضة الأدلة التي في الارشيف ..
الثورة قامت أصلا بسبب هذا الارشيف المغلق والمتخم بالفساد ، ففي ارشيف هذا الجهاز تكمن مأساة اليمن ، وتفسير لماذا نحن فقراء ، ولماذا الكهرباء منطفئة والماء معدوم والبطالة مستفحلة والأسعار ملعلعة ، ولماذا لا تكفي ميزانية وزارة الصحة سوى 11% من المواطنين؟.
وإذا كان الجندي قد مد يديه لملفات مدروسة من الجهاز .. فالشباب قد سبقوه بالخروج لا من اجل انتقاء وثائق معينة ، ولكن نشر الغسيل كله تحت الشمس للقضاء على جراثيم الفساد وتنظيف العفن الذي امرض البلاد .. فالفتات الذي يتم تسريبه من وثائق هذا الجهاز يشي بأن البلد يقصم ظهره يوميا دون رحمة حيث تظهر تقارير فسادا بمليارات الريالات دونما أي تحرك للمساءلة ..
الفساد يقتلنا جوعا ومهانة ومرضا وجهلا، ولن يتغير الحال ما دام حارس الجهاز مكانه .. فقد جعل صالح جهاز الرقابة مثل الصندوق الأسود الذي يسجل كل شيء ، لكنه لا يتم فتحه إلا إذا حصل الانفجار أو السقوط .. الفساد كله موثق .. لكنه ليس توثيقا للمحاسبة، بل لابتزاز المسئولين وضمان صمتهم .. فمن حاول منهم تحريك ذيله ، حرك له ورقة من ملف ، كقرصة أذن على سوء الأدب ليعاود الامتثال ..
ولكن ما الذي جعل الجندي يتحدث عن ملفات الفساد ؟ .. إنها ليس إدانة صالح، الذي سمح بهذا الفساد وتستر عليه ، كما هو منطق المواطن العادي ، الذي كان يسمع الجندي ويتساءل : أين كان الرئيس من الفساد ولماذا صمت كل هذه السنين .
.. وتأملوا الخلاصة التي خلص اليها الجندي من استعراض ما قال انه فساد .. فالشهداء كما يقول الجندي خرجوا كي يضغطوا على الدولة لتبقي فساد حميد الأحمر ولا تلزمه بدفع الضرائب .. .. هكذا .. لكي يكون الشباب مجرمين وواقفين أمام تطبيق القانون والعدالة وقتلهم ضرورة .. خسة دنيء لا يستحي .. فحتى الحيوانات المفترسة لا تلغ في دماء أبناء جنسها .. إلا الجندي وهذا النظام .
العتاولة الذين تحتويهم كشوفات الجهاز - والجندي من ظمنهم - كنا ننتظر أن يضحي بهم صالح من اجل الشعب لكن صالح أثبت وفاءه لهم حيث أخرج منهم صالح 570 فاسد طلب عدم ملاحقتهم قضائيا في المستقبل.
الجندي يخرج لا ليعلن توبته وتوبة نظامه مما يعلمه الشعب ، . بل تجريم الشباب المغتالين بوحشية ليتسنى تخفيف الجريمة .. فحتى حين يتوب الذئب فلا تظنن ان الذئب يبتسم ولو كان ناطقه عبد الجندي الذي كما تقول العجائز .. فعله عظيم وقتله رحيم .