قد كثُرَ الحديثُ في عالمنا العربي اليوم , حتى طالتِ القراءات في مآل النهوض العربي ، فلم أجد نفسي إلا واقفةً على عتباتِ المُستقبل .. قارئة ما خطّتهُ أقلامُ من واراهُم الثرى , وقد تطبّعَ اليأسُ كلماتُهُم , وغطتِ الأحزانُ حروفهم , يرثون الشعوب العربية ، ويبكونَ الوطن البائس. عندما كتب نزار قبّاني قصيدته " متى يعلنون وفاة العرب " في تسعينيّات القرن الماضي .. تأثرت أبياته بصوت النّعي المتألّم .. يقول : أنا منذ خمسينَ عاما أحاولُ رسمَ بلادٍ تُسمّى - مجازا - بلادَ العربْ وحين انتهى الرسمُ، ساءلتُ نفسي: إذا أعلنوا ذاتَ يومٍ وفاةَ العربْ... ففي أيِ مقبرةٍ يُدْفَنونْ؟ ومَن سوف يبكي عليهم؟ وليس لديهم بناتٌ... وليس لديهم بَنونْ... وليس هنالك حُزْنٌ، وليس هنالك مَن يحْزُنونْ!!
فنظمَ بعدها الراحل د. غازي القصيبي قصيدته مُجيباً فيها نزار ومشاركاً إيّاهُ النّعي , قائلاً نزار أزف إليك الخبر .. لقد أعلنوها وفاة العرب ! وقد نشروا النعْيَ..فوق السطورِ وبين السطورِ..وتحت السطورِ وعبْرَ الصُوَرْ!!
وفي مطلع عامنا هذا 2011م اندلعت موجة من الثورات والاحتجاجات في مختلف أنحاء الوطن العربي ، وقد شكل شرارة البدء محمد بوعزيزي الذي أشعل نفسه وأشعل معها فتيل الصمت العربي المطبق . فالوطن العربي الآن يشهد صحوة ثورية نحو التغيير ، يشهدها بعد أن جُرّدت الهوية العربية من كل شيء عدا الظلم والعجز والفاقة ، بعد أن كان الفرد العربي يمثل الفعل الغائب المقهور ، وبعد أن بات الوطن العربي يُصنف من المجتمعات التي مازالت تعيش بما يسمى زمن الماقبليات _أي ما قبل التقدم_ ما قبل الحداثة ،ما قبل المدنية. هنا نقف إلى العقود الطويلة التي قضاها هؤلاء الحكام المستبدين بالحكم ،فما أشبه حكمهم ب "الاستعمار!" فما عُرفَ حكمهم إلا بالفساد والتضييق السياسي وسوء الأوضاع بشكل عام في معظم البلاد العربية ، عقود من الحكم جعلت الوطن العربي يعيش مكرهاً على إيقاع واحد من الصمت والتكميم والذل.
لابد لكل شيء أجل ولكل ظلم عقاب أليم ، وحانَ أن يكسر كل عربي حاجز الصمت ويصرخ في وجه الزمن ويختار الانفجار لا الانصهار تحت سقف العبودية ، صرخ الوطن العربي بملء فيه "شباب العرب قرروا أن يغيروا!" ، قرروا أن يكونوا فعل حاضر وفاعل ، أن يخرجوا العالم العربي من المحنة التي تكاد تخنقه ، وتعرقل تقدمه وتحجب عنه الرؤية التطلعية للغد.
إن ما يحصل الآن من تغييرات متلاحقة في الوطن العربي ،لا بد أن يتجدد معها الحديث عن النهضة والأمل بالمستقبل ،فقضية الثورات العربية هي قضية مستقبل , قضية وطن وحضارة وأهمها أنها قضية نهضة ونهوض بعد سبات طويل !
فقد آن الأوان لأن تنبجس " طاقة الاستنهاض ، وتجديد الوطن " .. آن الاوان أن تتحدث الشعوب .. آن لكل حاكم عربي استبد وظلم أن يصمت ويتلاشى *أيا نزار : سجل بأني عربي .. ويا غازي : سجل بأني ثائر !.
أرقدوا بسلام فإن الوطن العربي الآن ينهضْ !! المصدر أونلاين