لا يهم كيف سقط القذافي ، ولا يهم كيف أن الإعلام الغربي والسياسة الغربية تعاطت مع موضوع القضاء على ملك ملوك أفريقيا كما كان يزعم الرجل ، فقد كان الرجل مضرجاً بدمائه ينزف ومسدى على فراش البسطاء ، ودخل عالماً آخر من عوالم الغيب ، بعد أن جعل الناتو من ليبيا موطئاً له وولغ في ترابها وعاث فيها كما شاء بقصد الإطاحه بنظام العقيد ، الناتو الذي طالما سال لعابه أمام حضرت القذافي يقتل العقيد ثم يتسائل من قتل القذافي مختصراً قتل الليبيبن وضرب المنشآت بسؤال ساذج بحسب حديث روبرت فيسك ، ثمة علاقة جدلية بين النظم المستبدة والغازية وهي أن كليهم يرعى مصالحه فقط لا يهمه المواطن العادي ، فالدول المحتلة ممكن أن تضحي بالكثير من أجل مصالحها وإن دمرت ليبيا بأكملها ، والدول المستبدة ممكن أن تجعل من ليبيا كلها تحترق من أجل أن تحافظ على بقائها ، الكل على ما يبدو حتى العوام يدرك أن ثورة ليبيا ثورة حقيقية وإن ولغت فيها الناتو بحجة التحرير ، لكن المهم أن يغسل التراب الليبي بالتسامح والنقاء والصفاء والديمقراطية ويؤسس ذلك المجتمع القوي لدولة مدنية ذات سيادة مستقلة ، وأن يحافظ هذا الشعب على موارده لتكون ليبيا دولة رائدة في البناء والإصلاح بعيداً عن تلك الدول الغازية ... سقط القذافي وبن علي وحسني مبارك وهذ يذكر بالصورة التي جمعت بين الرؤساء الأربعة من اليمين حسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح وبن علي وكأنها تعبر عن العام 1432بحسب ترتيب السقوط الأول بن علي والثاني مبارك والثالث القذافي والرابع علي عبدالله صالح ، حتى الأرقام لها لغات ولكن اللغة الأقوى والأمتن هي لغة الشعوب وهي تصيح بكل صوتها الشعب يريد إسقاط النظام ، الشعب يريد دولة مدنية وكأن هناك مرحلة تمر على هذه الأمة لم تشهد لها مثيل في تاريخها وسوف تكون الصورة الأنصع للشعوب على ا لأقل لمائة عام قادمة .. هنا فقط وفي هذه اللحظة التاريخية سيتوجب على الشعوب أن ترفع راسها عالياً وهي تحافظ على كرامتها وقوتها وعزتها ، ترفع راسها عالياً وقد مرت جميع السيناريوهات على ثلاثة زعماء عرب كانو عمالقة في الإسبتداد والقمع والقتل والإجرام والتعذيب، الأول هارباً والثاني متنحياً وهو يحاكم كاللص والثالث مقتولاً ، وما يثير الغرابة أن يكون رجلاً كحسني مبارك يحكم بلد ثلاثين عاماً وبلد مهماً وفارقاً ورائدا في القرار السياسي كمصر ويقول في محكمة يحاكم فيها أنه ينفي كل التهم المنسوبه إليه تماماً كما يفعل اللصوص ، ولم يعتذر ولم يقل شيئاً يبرر فيه ما صنعه طول عقود ، كما أن الأعجب في محاكمته أنه يحاكم على قتل المتظاهرين ولم يحاكم على أخطاء سياسية قاتلة في حق مصر والعرب يستحق عليها الإعدام مليون مرة .. المهم أن سقوطهم هذا كان ولادة جديدة لديمقراطية رائدة يفوز فيها حزب النهضة الذي اسهم فكرياً في جعل العلمانيين واللبراليين ينظرون إلى الحركات الإسلامية نظرة مختلفة تستحق الدراسة ،وهذا يجعل العالم العربي أمام ولادة حقيقية سالت من أجلها الدماء وضحى من أجلها الشباب في الساحات بدمائهم وأموالهم وبوقتهم وتعليمهمم من أ جل القضاء على الثلاثي الأبرز الفساد والإستبداد والتبعية .. هناك عناصر مهمة ينبغي الإشارة إليها على عجالة .. أولاً : يحاول أرباب الإستبداد من الباقين على كراسي الحكم في قصور مشيدة أن ينجوا بأنفسهم وأن يحافظوا على الفتات بعد أن أكلوا الأخضر واليابس وامتلأت الآفاق حديثاً وجدلاً عن مدى كونهم بشراً بعد أن نهشوا بشعوبهم كما تفعل الوحوش فليس ثمة بشر هناك في بيوتهم بل أحصنة وخوف وقلق لم يعهدوه في حياتهم فليس أفضل من هكذا حياة لمثل هؤلاء وهم ينامون ويصحون على صوت يسمع دويه العالم كله الشعب يريد إسقاط النظام ، ولكن هيهات فقد أيقضت الثورات مرقدهم وشوهت أجسادهم وهي في طريقها إلى إبعادهم من طريقها وإلى الأبد ناهيك عن محاكمتهم وخروجهم وإن لم يكن هناك سيناريو آخر للموت يختلف عن سابقيهم فما يدريك فلعل الوسائل الغائبة أكثر من السابقة ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ... ثانياً : الدول المستبدة تنخر في العظم وأربابها وأنصارها مصابون في جهازهم المناعي فهم يبدون أكثر هشاشة من دولتهم وهم يهتفوف بصوت خجول وعلى عجالة بحفظ اليمن من الفتن ، ويرددون بخدود حمراء بجودة الرئيس وكأنه سلعة للتسويق وليس حصيلة إنجازات لأناس عرفوه أكثر من ثلاثين عاماً ولدراسات تقيم الدنيا لتروي لنا قصص تشيب لها الرؤوس في الفساد والنهب والسلب والمحسوبية وصفقات وعقود وإتفاقيات بالإضافة إلى ظواهر كثيرة جداً تثير الدهشة والخجل وهي ظاهرة العبودية في بلد الإيمان والحكمة ..كما فعلت القوات التونسية والمصرية أثناء الثورة ثم بعدها صدم الناس وكثير من المثقفين والفنانين المصرين بخطأ ما فعلوه فهم يعتذرون يومياً على الملأ وإن كانو مجرد دمى تتحرك وفقاً لإرادة القائد المفكر وحامي حمى البلاد .. ثالثاً: الجميع يتحدث باستمرار عن الحالة الثورية في اليمن والنهاية الحتمية للرئيس اليمني الذي يتصاعد من جسده الدخان دون عبرة أو عظة بعد أن حرص طوال عقود على إيهام الناس بأن ثمة إنسان منهم يجلس على كرسي من نار فإذا به يتحول إلى شيطان من نار ويجلس على كرسي من حرير ليحرق البلد بمن عليها لكي ترتاح نفسيته المريضة والحاقدة على شعبه وهو يرى الدم في كل مكان وفي كل يوم وكأننا نشرب الدماء شراباً ونتغذى عليها ، لكن الحالة الثورية مستمرة والعزيمة تبدو كما هي ،والصوت العالي يدوي في كل آفاق الدنيا وهذا ما يجعلنا قاب قوسين أو أدنى من النجاح .. رابعاً :من السذاجة أن ينتظر العرب من الآخرين إتخاذ قرارتهم بدلاً عنهم ، وعلى التعاطي السياسي مع الغرب أن يتم بحذر ، فأنا أظن أن من السذاجة والبله إلتفات العرب إلى الغرب بعد اتقافية سايكس بيكو ..وعلى الشعب اليمني أن يدرك أن منح السيدة توكل كرمان جائزة نوبل ليس دليل على أعتراف الغرب بسلمية الثورة فالغرب لم يعترف بالثورة أصلاً إلا من وراء جدر ولكن يعرف الغرب كيف يتصرف إزاء القضايا الدولية ، كما أن جائزة نوبل منحة لم تضف إلى السيدة توكل شيء فقد كانت السيدة توكل وصلت إلى الشاطئ ولم تكن بحاجة إلى قارب بعد أن وصلت ، كما إنني أعتقد أن سقوط أكبر ثلاثة أصنام في المنطقة جعل من الصنم الرابع هشاً من الداخل وإن بدى محصناً بأبنائه وأبناء أخوته وأن الثورة سوف تنجح بإذن الله إذا أعتبرنا الأرقام لها لغة مع الصورة التي أخذت للأصنام الأربعة فإن العام الهجري لن ينتهي إلا بزوال نهائي لمرحلة علي عبدالله صالح وإن كان الزوال قد تم ونحن جميعاً في مرحلة الثورة وفي صدد الإنتقال إلى مرحلة ما بعد الثورة فإن المسألة مسألة وقت تراجع فيه دول الخليج موقفها ويدرس فيه المجتمع الدولي موقفه ويكون على الثوار أن يجعلوا من الحراك الثوري واسعاً وقوياً ومدوياً لكي يعجل من التراجع والدراسة للإقليم والعالم.. كل عام والجميع بألف خير وعافية..