جاء القرار بتجميد عضوية سوريا وإدانة نظامها من قبل جامعة الدول العربية مرضياً لتطلعات الشعب السوري الذي يواجه نظام الأسد منذ أشهر بصدور عارية.. إلا أن أحداً لم يطلق دمعة واحدة على ضحايا اليمن الذين يقتلهم صالح وجنوده بدم بارد وبالمئات في مناطق مختلفة في اليمن!! لا لشيء.. وإنما لوقوف كُبريات دول الجوار خلف نظام صالح دفاعاً عن مصالحها المشتركة مع الأسرة الحاكمة في اليمن.. ومن باب فرض السيطرة على المنطقة بأكملها.. بجعل اليمن حديقة خلفية لها.. تماماً كما تفعل ألمانيا وفرنسا مع اليونان.. عندما فرضت عليها تغيير رئيس وزرائها غيورغيوس باباندريو مقابل مدهم ببعض القروش لانتشال اليونان من الأزمة المالية التي تمر بها البلاد.. وتماماً كما فُعل برئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني.. الذي أجبر على التنحي.. لترضى دول الجوار عن إيطاليا.. لكن الوضع في اليمن يبدو مخلفاً قليلاً (أو ربما كثيراً) إذ أن دول الجوار تستميت في الدفاع عن تمكين صالح ونظامه المتهالك من الصمود لأطول مدة ممكنة على العرش.. صالح الذي عاد من المملكة السعودية يحمل «غصن زيتون» أخذ يجلد به كل الذين يصادفهم في طريقه من سكان اليمن الأصليين.. بعد أن تلقى إنذاراً أخيراً على ما يبدو مضمونه إما أن «تتمرجل» أو أننا لن نستطيع أن نضلل مجلس الأمن لفترة أطول..
لم يتوانى صالح بعدها في أن يلقي بكل كروته الثقيلة والنارية على طاولة الحوار الثقيل.. والثقيل جداً.. محاولاً إقناع المجتمع الدولي أنه لا يريد السلطة.. وأنه سيتنحى بعد أيام.. لكن العالم لم يدرك أن هذا الرجل لا يصدق حتى في حديثه مع نفسه.. فهم لم يعاشروه ل 33 وسنة.. وليس فيهم من استمر في منصبه طيلة هذه المدة ليحظى بشرف معاشرته.. لكننا فعلنا.. وبقينا في وظيفة «المواطن» طوال هذه المدة ورفضنا أن نتنحى عندما طلب منا ذلك لأننا وبكل بساطة لا نؤمن بالديموقراطية كما يفعل هو! صالح الذي بنى اليمن الحديث بكل ديونه وفساده ومطباته.. وشوارعه المحفرة.. وجامع السبعين يقاتل من أجل ترسيخ الديموقراطية التي لم نفهم ماهيتها حتى هذه اللحظة.. كل ما يقوم به صالح الآن هو التمسك بشرعية الدستور التي لأجلها أباد الشعب المتمرد الذي لا يريد المدنية ولا الحرية!
فكان كلما أثخن صالح في هذا الشعب الجراح رأيت طائرة «الزياني» تهبط في مطار صنعاء محملة بمفاجئات جديدة ومبادرات فريدة.. تطالب الثوار بضبط النفس.. وتضمن لصالح خروجاً آمناً!!
والعجيب أن المنظمات الحقوقية.. ومجلس الأمن.. وجامعة الدول العربية.. والأمم المتحدة.. وكل الذين تنفتخ أوداجهم.. وتحمر أعينهم غيرة على حقوق الإنسان.. كلما فتح ملف اليمن.. أحالوه إلى المبادرة الخليجية. سؤال أخير.. لماذا لا تكون لسوريا مبادرة خليجية؟ ولماذا لا تفرض الجامعة العربية العقوبات على نظام صالح؟