عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    رئاسة الحكومة من بحاح إلى بن مبارك    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    في حد يافع لا مجال للخذلان رجالها يكتبون التاريخ    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    هزتان ارضيتان تضربان محافظة ذمار    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أثر الانتفاضة الشعبية في الأحزاب السياسية اليمنية
نشر في المصدر يوم 05 - 12 - 2011

كان يفترض أن معظم الأحزاب السياسية البارزة على الساحة الوطنية قد عقدت مؤتمراتها العامة منذ سنتين تقريباً لكن معظمها تعثر في التحضيرات التنظيمية لتلك المؤتمرات التي تقضي الأنظمة الداخلية للأحزاب بعقدها كل أربع سنوات.
تأتي حركة الاحتجاجات في الجنوب والأزمة السياسية التي احتدمت بين المعارضة والنظام الحاكم منذ 2008 بشأن الانتخابات بين أبرز العوامل التي عرقلت انعقاد مؤتمرات الأحزاب وخلطت حساباتها على نحو حاد.
وفيما كانت الأزمة السياسية تتجاوز الأشهر فالسنوات دون التوصل إلى حل، كانت حركة شعبية تتراكم عفوياً بفعل تردي الأداء الحكومي وتعاظم معدلات الفساد والفقر والبطالة حتى اندلعت الانتفاضة الشعبية السلمية ضد حكم الرئيس علي عبدالله صالح في فبراير 2011 مستلهمة انتفاضتي التونسيين والمصريين على نظامي الحكم في البلدين العربيين.

ولقد بدا واضحا أن حركة الناس البسطاء وأنصار الأحزاب السياسية غير المنخرطين في النشاط السياسي المباشر سبقت حركة السياسة وأداء الأحزاب بمضمار طويل في مجال الفعل المؤثر. وحتماً سيكون للانتفاضة الشعبية تأثير كبير على مصير الأحزاب السياسية ومستقبلها وبما قد يمس بناءها وتحالفاتها واستقرارها التنظيمي التقليدي خصوصاً مع بروز جيل شاب قدح شرارة الانتفاضة وأدار مقودها في الوقت الذي لمس تقاصر فعل الأحزاب وقلة حيلها.
إضافة إلى ذلك، فإن أداء الأحزاب الذي يغلب عليه التعثر وترحيل المهام التنظيمية وصعوبة الفكاك من الحمولات الأيديولوجية التاريخية التي تحد من نشاطها العام القائم على ملامسة احتياجات الجمهور في الدرجة الأولى كلها عوامل مساعدة في دفع الأجيال الشابة والفئات المهنية الأكثر ارتباطاً بالجمهور والسياسة اليومية إلى مغادرة عباءة أحزابها التقليدية وتأسيس أحزاب جديدة تقوم عقيدتها الأساسية على التنافس في الإدارة المثلى لخدمات الدولة وتوفير احتياجات الجماهير.
وستنشأ البيئة الملائمة لتأسيس هذا النوع من الأحزاب الجديدة في حال استطاعت المرحلة الموعودة التي ستفرزها الانتفاضة الشعبية الراهنة إرساء دولة ديمقراطية مستقرة، يرتكز الوصول إلى حكمها على التنافس النزيه بين الجماهير على أساس برامج الأداء العملية لا التنافس على أساس الميراث التاريخي أو استقامة المبادئ.
تبحث هذه المقالة في وضع الأحزاب السياسية المهيمنة على الحياة السياسية منذ سنوات وترتبط حالياً ارتباطاً مباشراً بالانتفاضة الشعبية السلمية سواء المناهضة لها أو الداعمة لها.
وهذا التعريف يشير إلى المؤتمر الشعبي العام: الحزب الذي يحكم به الرئيس علي عبدالله صالح وهو التكتل السياسي الذي يتزعم مقاومة الانتفاضة ومحاولة إخمادها، وأحزاب المعارضة السياسية الرئيسة المنضوية في تحالف اللقاء المشترك وهي التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وحزب البعث العربي الاشتراكي واتحاد القوى الشعبية وحزب الحق وهذه الأحزاب هي الواجهة السياسية للانتفاضة كما تقدم نفسها.
المؤتمر الشعبي العام
ربما تطوي التحولات الشعبية والسياسية الراهنة صفحة المؤتمر الشعبي العام قبل أن يتطور إلى حزب سياسي حقيقي بالمفهوم التنظيمي والاتجاه الفكري السياسي العام الذي يقوم عليه.
في الواقع، كان الإبقاء بعد قيام الوحدة بين شطري البلاد في 1990على الميثاق الوطني خلفية فكرية وسياسية للمؤتمر الشعبي العام ضرباً من التسيب الفكري والكسل التنظيمي بوصف تلك الخلفية صيغة توافقية حررها مثقفون وعلماء دين في مرحلة شمولية من الحكم في شمال البلاد عام 1981 بقرار رئاسي وكان القصد منها جلب الاستقرار لنظام الحكم عبر وضع محددات ثقافية وسياسية ملزمة للقوى السياسية التي كانت تنشط في السر تحت قمع أمني رهيب من سلطات الرئيس علي عبدالله صالح.
وحالياً من بين مئات الآلاف من أعضاء المؤتمر وفقاً لإحصائياته ربما عشرات فقط مازالوا يتذكرون الميثاق الوطني المقترن بالمرحلة الشمولية بسبب طبيعته المتخلفة عن التطورات السياسية التي رافقت قيام الوحدة وأعقبتها وبسبب يتصل بالأعضاء المتدفقين على المؤتمر طلباً لمنافع ومصالح مختلفة لا صلة لها بالميثاق.
عملياً، كان الميثاق الوطني قد انتهى كمرجعية فكرية للمؤتمر وصار طللاً يتذكره المؤتمريون على ملصقات الدعاية في مناسبات شحيحة بعد أن حُشر في هذا التجمع الفضفاض أصناف شتى من المنتسبين إليه طوعاً وكرهاً.
وخلال الانتفاضة الشعبية اليمنية، يكاد المؤتمر الذي تأسس في 1982 بقرار رئاسي يلحق بالميثاق الوطني في الاندثار بعد أن هجرته الطبقة السياسية التي كانت إحدى العلامات القليلة الدالة على طابع التنظيم السياسي فيه. وهي حالياً تمضي باتجاه تأسيس تنظيم سياسي بعد أن أشهرت تكتل الأحرار الذي يحوي السياسيين والبرلمانيين المؤتمريين المستقيلين احتجاجاً على قمع احتجاجات الانتفاضة السلمية.
حتى في حال حافظ المؤتمر على ما أمكنه من بنيته في الحياة السياسية الجديدة التي ستفرزها الانتفاضة الشعبية فإنه لن يستطيع الإمساك بأطراف خليطه الواسع من شيوخ القبائل وضباط الجيش والأفراد الذين اتخذوه ملاذاً لنيل النفوذ أو الوظيفة أو الحماية فضلاً عن الوافدين إليه من الأحزاب السياسية الغريمة ممن أنفق رئيس المؤتمر علي عبدالله صالح أموالاً طائلة على شراء ولاءاتهم.
على ضوء ذلك، يمكن القول راهناً أكثر من أي وقت مضى إن الخليط الواسع غير المتجانس للمؤتمر قد أخذ في الانفراط وسيعيد الخلطاء تشكيل أنفسهم بطريقة ما سواء داخل المؤتمر أو خارجه.
التجمع اليمني للإصلاح
في خريف 1990 أعلن الإخوان المسلمون في اليمن تنظيمهم السياسي تحت اسم التجمع اليمني للإصلاح بعد عقود من النشاط السري والتحالف مع أنظمة الحكم التي حكمت الشطر الشمالي في البلاد ابتداء من عهد الرئيس عبدالرحمن الإرياني فالرئيس إبراهيم الحمدي ثم الرئيس علي عبدالله صالح الذي أسسوا في عهده بناهم التنظيمية والمادية وقاتلوا خصومه في الشمال خلال المرحلة الشمولية وخصومه في الجنوب عقب قيام الوحدة.
كانت المصالح والعلاقات التي اكتسبها الإصلاح من تحالفه مع نظام الرئيس صالح واحدة من أكبر الثقالات والكوابح التي تقيد نشاط هذا التنظيم الكبير وتوجه مواقفه المتصلة بالجماهير بما يخرجها ضبابية ومنقوصة.
لكن التنظيم الذي يملك أعضاء في كل قرية على امتداد مناطق البلاد تقريباً تمكن من التخلص تدريجياً من ذلك الإرث الكابح خاصة بعد رحيل رئيسه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي كان حارس التحالف ومجدده.
انحاز الإصلاح إلى المعارضة الصريحة في مطلع العقد الأخير وتزعم مع الحزب الاشتراكي اليمني إنشاء تحالف اللقاء المشترك في 2002 وهو التحالف الذي ضم أطراف المعارضة السياسية ووحد نشاطها السياسي والانتخابي في مواجهة نظام علي عبدالله صالح.
تكمن إحدى ميزات الإصلاح في أنه يملك جمهوراً عريضاً موحداً، يصغي جيداً إلى تعاليم حزبه وينفذها بوصفها أوامر مرتبطة بالسماء وعصيانها وقوع في زلل المخالفة. يمكن وصف هذه القواعد بالجمهور الجاهز، المصهور في قالب قياسي بإمكان حزبه أن يستدعيه متى شاء. ودائماً ما تملك الأحزاب والحركات الدينية هذا النوع من الجمهور.
لكن بقدر ما يمثل هذا الجمهور الجاهز ميزة للإصلاح فإنه يشير في جانبه الآخر إلى جمود مضاد للتجديد وتسليم من مئات ألوف الأعضاء بما يتلقونه بالرغم من الحركة المادية النشطة التي تبدو من خلال حركة الاستقطاب الفاعلة والانضباط التنظيمي غير أن السكون يصيب في هذه الحالة المحورين الفكري والسياسي.
وبالرغم من ذلك، ليس بالإمكان إغفال حركة تجديد ظهرت في الإصلاح في آخر ست سنوات، يقودها جيل شاب قوامه صحفيون وناشطون مدنيون وطلاب جامعات لهم خصائصهم المستقلة بدءاً من نوعية الخطاب المعارض والانفتاح على القوى السياسية الأخرى والاستعداد غير المتحفظ للعمل الشفاف الذي لا يغلف بحسابات تميعه وتجعله حالة وسطية وضبابية كما كانت أجيال الإصلاح الأولى تفعل.
امتلك عدد من طلائع هذا الجيل وسائل نشاط تتخاطب مع المجتمع يومياً كالصحف والمنظمات المدنية والحقوقية وبالإمكان ملاحظة اختلاف أداء هذا الجيل عن سابقيه بسهولة وهو الطبقة التي يجري التعويل عليها لتجديد وجه الإصلاح وروحه.
الشيء المهم الذي يفتقر إليه الإصلاح حالياً، حاجته إلى نفس سياسي كبير بحجم الإصلاح الكبير أي أن يروض نفسه لأن يكون ملاذاً كبيراً، يساعد القوى السياسية الصغيرة المتحالفة معه ويتنازل لها خارج محددات الحجم والأرقام لا أن ينازعها المكاسب والمقاعد كخصم سياسي شرس. وستعرًضه المرحلة المقبلة لاختبارات صعبة من القوى السياسية والدينية غير المتوافقة معه وقد يفشل في تخطيها إن لم يتحلى بالنفس السياسي والقيادي الكبيرين.
في المجمل، يبدو معظم أعضاء الإصلاح وقادته مغرمين جداً بسلوك حركات الإسلام السياسي في البلدان المتقدمة وإنجازاتها خاصة إنجازات حزب العدالة والتنمية في تركيا والسؤال المحوري الذي يعني الإصلاحيين أنفسهم هو ما إذا كان بمقدورهم امتلاك الشجاعة لإحداث تحولات فكرية وسياسية كبيرة تقترب من المستوى الذي استقر عليه حزب العدالة والتنمية مثلاً حتى ينبغي لهم بعدها التطلع لبناء تجربة مماثلة.
الحزب الاشتراكي اليمني
حتى في المرحلة التي كان يُنظر للحزب الاشتراكي اليمني وقتها أنه منهار غير أنه ظل يبرهن على قدرته في قيادة تحولات سياسية مست جوانب مهمة من الوضع السياسي للمعارضة اليمنية بفضل عدد من المثقفين الكبار الذين انضموا إليه مبكراً ومزجوا بين السياسة والفكر في تعاطيهم مع القوى الأخرى.
بعد نحو 20 عاماً من مناداة الاشتراكي ببناء دولة الوحدة لتكون دولة مدنية حديثة وإخراج قوات الجيش ومعسكراته من المدن، ارتفع هذا النداء الآن ليصير مطلباً عريضاً للانتفاضة الشعبية اليوم. إن هذا مثالاً على الرؤية المتقدمة التي يبلورها الاشتراكي تجاه الأحداث الكبيرة وأحد أفضل انتصاراته المعنوية والسياسية.

يملك الاشتراكي قاعدة حزبية وشعبية كبيرة تغطي مختلف المناطق في البلاد لكنه لم يستطع إلى الآن إعادة الاتصال بها وتنشيطها نتيجة الضربة القاصمة التي تلقاها في 1994 وأخرجته من الحكم كما أقصته من المسرح السياسي المباشر لما يقارب عقداً كاملاً.
يبدو أن نشوء الاشتراكي ونموه داخل السلطة بدءاً من منبعه الرئيس (الجبهة القومية ) حتى قيامه في أكتوبر 1978 ومواصلة حكمه للشطر الجنوبي من البلاد إلى 1994 قد جنى عليه أكثر مما أفاده بأن ضاعف كلفة خروجه من الحكم حين قُذف به إلى بيئة المعارضة التي لم يجربها من قبل كما أفقده القدرة على العودة السريعة إلى وضع سياسي طبيعي.
وينشط الاشتراكي حالياً تحت ضغط ظروفه غير الطبيعية بوصفه مقصياً يقاتل من أجل البقاء إضافة إلى القضية الجنوبية التي تطورت خلال السنوات الأربع الأخيرة إلى حركة احتجاجات عاصفة وتضغط على الاشتراكي أن يتبنى مطالبها بما فيها فصل الجنوب في دولة مستقلة وهو المطلب الذي تنادي به فصائل متطرفة في الحركة.
والاشتراكي أكثر حزب سياسي واقع تحت تأثير القضية الجنوبية سلباً وإيجاباً ويتعرض لابتزاز سياسي هائل بشأنها من الأصوات المتشددة في الحراك، أسهم في عرقلة تحضيراته التنظيمية والانتخابية للمؤتمر العام الخامس الذي كان مقرراً في منتصف 2010.
مسألة الجنوبية نفسها ستظل إحدى التحديات الماثلة أمام الاشتراكي ليس في شكلها المرتبط بالقضية الجنوبية فحسب بل في قدرته على التحرر من التقليد الأدبي في حصر رأس قيادته في سياسيين منتمين إلى المحافظات الجنوبية بأثر رجعي من حكمه للجنوب وميلاده هناك فضلاً عن التسويات التي كانت تحدث في المؤتمرات العامة بشأن أعداد المندوبين خلافاً للوائح التنظيمية والإحصاء الحزبي وبما يبقي على هذه المسالة.
لا يعني ذلك أن قيادة الاشتراكي في مراحله المختلفة كانت تُفرض خارج إرادة أعضائه بل إنها حازت رضا قياسياً من مندوبي المؤتمرات العامة خاصة في آخر مؤتمرين عامين، لكن هذا التوافق المبدئي الذي يمضي دون غضاضة من أحد فيما يبدو هل سيكون تغييره متاحاً لأعضاء المؤتمرات العامة في حال رغبوا دون أي تدخل للتسويات والتوافقات.
ومن التحديات الكبيرة في مسيرة الاشتراكي أن أجيالاً جديدة فيه قد تنشأ منزوعة الصلة عن تاريخه وأدبياته وأجياله السابقة نتيجة الركود الثقافي الغالب على نشاط هيئاته التي يفترض أن تبني جسر تلك الصلة بالمكتبات الحزبية والتثقيف الحزبي وتعميم أدبيات الحزب في وسائل إعلامه.
ما يميز الاشتراكي هو استمرار مبدأ الجدل الثقافي والسياسي داخل هيئاته وبين أعضائه حول أي فكرة أو قرار وعدم القبول بالفكرة الجاهزة بما من شأنه تنشئة قادة سياسيين جدد فيه بإمكانهم الحفاظ على النمط التقليدي لزعماء الحزب الذين قادوا تحولات داخله وعلى مستوى المشهد السياسي اليمني كله.
الأحزاب القومية
داخل تحالف اللقاء المشترك هناك حزبان قائمان على أساس الفكرة القومية هما التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري والبعث العربي الاشتراكي وكلاهما يقومان على تمجيد القومية العربية وزعاماتها التي ظهرت في البلاد العربية بعد حقبة الاستعمار الغربي.
مرً التنظيم الناصري بمحن تاريخية أودت بأبرز قادته التاريخيين بما فيهم مؤسسه عيسى محمد سيف الذي أعدمه نظام علي عبدالله صالح مع عدد من كبار قادة التنظيم عقب فشل الإطاحة بصالح في انقلاب أبيض عام 1978 وذلك بعد عام واحد من اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي الذي يقول الناصريون إنهم كانوا قد استقطبوه إلى تنظيمهم.
يؤخد عادة على التنظيمات القومية وبينها الناصريون والبعثيون الانغماس في حديث الماضي بوحي من فكرة القومية القائمة على الاحتفاء بخصوصية الأمة العربية بما في ذلك الاحتفاء بالزعامات التي خدمت الفكرة سواء في مصر أو سوريا أو العراق وغيرها من البلدان العربية.
سيتعين على الأحزاب القومية تطوير فكرتها بالمجمل خصوصاً تلك التي مازالت جزءاً من قيادة قومية كالبعث مثلاً المتحالف مع البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا ويواجه انتفاضة شعبية تنادي بنفس المبادئ التي تنادي بها الانتفاضة اليمنية التي ينخرط فيها البعث القطري.
وفي الواقع الجديد الذي ستفرزه الانتفاضة الشعبية، لن يكون كافياً للتنظيم الناصري وحزب البعث أن يقدما نفسيهما إلى الجماهير لمجرد ارتكاز الهوية الأساسية لهما على الافتتان بالفكرة القومية وهو ما بدا واضحاً حتى في المرحلة المنصرمة.
حزب الحق
تأسس حزب الحق في 1990 مرتكزاً كلية على المذهب الهادوي المهيمن على محافظات شمال الشمال مما يجعله ممثلاً للإسلام السياسي الزيدي في منافسة حزب الإصلاح الممثل للإسلام السياسي السني في حال الحديث عن جذورهما.
كان أمام حزب الحق أن يصير تنظيماً كبيراً بعد أن انضوى فيه جمهور كبير مما وصف سابقاً بالجمهور الجاهز بوصفه ممثلاً سياسياً للمذهب الهادوي المحور من مذهب الزيدية لكن الخلافات التنظيمية داخله شتت جمهوره وحالت دون عقد مؤتمر عام له منذ عقد مؤتمره التأسيسي قبل عقدين.
وأدى ذلك الخلاف وسيطرة قيادة تقليدية عليه إلى انشقاق قياديين عنه كان أبرزهم حسين بدر الدين الحوثي الزعيم الديني لجماعة الحوثيين التي خاضت مواجهات مسلحة مع القوات الحكومية في صعدة منذ 2004 حتى 2010 وغدا لها وزنها وتأثيرها الهائل وسط المجتمع الزيدي بوصفها ممثلاً جريئاً له وأكثر تماسكا.
ووصل الأمر بالسلطات إلى حل حزب الحق رفي 2007 بدعوى تلقيها طلباً بذلك من أمينه العام حينها أحمد الشامي الذي توجه إليه أصابع الاتهام في تعطيل قدرات الحزب. ولولا الاجتماع الطارئ لمجلس شورى الحزب (لجنة مركزية) حينها واختيار أمين عام بديل والشروع في عقد مؤتمرات محلية تحضيراً للمؤتمر العام لكانت السلطات استمرأت قرار حله وحظرت أنشطته السياسية.
التحدي الاستراتيجي الذي ينتصب أمام «الحق» يكمن في استعادة عافيته بالمجمل وإرضاء جمهوره .بل واستعادة جمهور كبير انفرط منه، وفي حال تأطرت جماعة الحوثيين في حزب سياسي بوصفها التعبير الأصولي العملي للمواطنين المعتنقين للمذهب الهادوي فسيسحب ذلك معظم البساط الذي يقوم عليه «الحق».
أما التحدي الظرفي أمام الحزب فيرتبط باستكمال التحضيرات لمؤتمره العام وانتخاب قيادة له وفق إجراءات طبيعية كاملة وطي جمود عقدين من الزمن.
اتحاد القوى الشعبية
غطى الارتباط المصيري لاتحاد القوى الشعبية بعائلات ثرية من سلالة الهاشميين بزعامة عائلة الوزير على باقي تاريخه بوصفه فصيلاً من فصائل الحركة الوطنية في شمال البلاد منذ منتصف القرن الماضي.
وبالرغم من تشابه الجذور لاتحاد القوى وحزب الحق غير أن الأول ينحو خطاً ليبرالياً واضحاً ويتكئ على العامل السياسي بقدر ما يستند الثاني إلى العامل الأصولي الديني.
هذا التوصيف طبع الاتحاد بطابع الحزب النخبوي ذي الشعبية المحدودة القادمة من عائلات معينة وناشطين سياسيين كثير منهم ذوو مشارب يسارية وليبرالية، يتعاملون مع النشاط السياسي في إطار الاتحاد كمهنة فيما يبدو.

لم يجترح الاتحاد حتى الآن محطة هامة ترسخ علامته في وعي المجتمع بالرغم من قدم نشأته فلا هو بالحزب القائم على أيدلوجية أصولية تجلب له الجمهور الجاهز كالإصلاح وحزب الحق ولا هو بالحزب التقدمي الذي يحتضن ميراثاً كبيراً كالاشتراكي ولا هو أيضاً بالحزب الليبرالي الكبير الذي يرى فيه الليبراليون ممثلاً صرفاً لهم.
التوصيف الأقرب للاتحاد أنه واجهة سياسية لعائلات ثرية تنفق بسخاء لتصنع لها تلك الواجهة. ويتوجب عليه فعل الكثير ليتمدد خارج هذا التوصيف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.