أطلقت الحكومة اليمنية في منتصف شهر آب/أغسطس وقبل بداية شهر رمضان هجوماً شاملاً على مواقع المتمردين في محافظة صعدة اليمنية الشمالية. أطلقت الحكومة اسم "الأرض المحروقة" على العملية بشكل لم يترك مجالاً للشك حول نواياها. وكان القتال بين قوات الحكومة والحوثيين، وهو الاسم الذي يُطلق على المجموعة المتمردة، من أعنف ما وقع منذ بداية النزاع عام 2004 عندما حاولت القوات الحكومية اعتقال مؤسس الحركة حسين بدر الدين الحوثي. تسبب النزاع بلجوء الآلاف داخلياً، وانتشر إلى المحافظات المجاورة. كما تم إلى حد كبير تجاهُل النداءات المتعددة لتقديم المعونة الإنسانية من قِبَل المجتمع الدولي، حتى في الوقت الذي يعبّر فيه الكثيرون، ومن بينهم الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، عن قلقهم من أن يعطي عدم الاستقرار في اليمن لمتمردي القاعدة مساحة للتخطيط لهجمات والقيام بها.
ينتمي الحوثيون إلى طائفة من الشيعة المسلمين هي الزيدية، رغم أن الزيديين في اليمن هم أقرب إلى المسلمين السنة منهم إلى نوع الشيعة الذي تمارسه إيران، ويشار إليهم أحياناً ب "المذهب الخامس" للسنة. وقد قدّمت الحكومة تفسيرات مختلفة للحرب منذ اندلاع القتال، ولكنها تعتقد في هذا الوقت أن وجود حكم زيدي مستقل للمنطقة يشكل تهديداً وجودياً لبقاء نظام حكم الرئيس علي عبدالله صالح. يَعتَبِر الزيديون في صعدة في هذه الأثناء أنفسهم مجتمعاً يتعرض للهجوم وأنهم يواجهون خطر الفناء الثقافي.
كان هناك منذ ثمانينات القرن الماضي قتال متقطع بين الزيديين والسلفيين المتأثّرين بالوهابيين في الشمال، حيث قام السلفيون بتدمير القبور المقدسة وحاولوا تحويل الشباب الزيديين إلى عقيدتهم. رد الزيديون بحملة نشطة قوية وقاموا بنشر مواد دينية مصممة لحشد المساندة المحلية وتشكيل منظمة شبابية تجمع بين التعاليم الدينية والتدريب العسكري.
ويُنظر إلى الحكومة على أنها تساند السلفيين ضد الزيديين المحليين. وطالما شكّل أسلوب الحكم هذا على صورة "فَرّق تَسُد" الأسلوب الأفضل الذي اتبعه علي عبدالله صالح لجعل مجموعات المعارضة المحتملة تعتمد بشكل دائم على دعم الحكومة. وتم في العادة اعتبار أن الزيديين المحليين في صعدة يشكّلون تهديداً للحكومة أكثر من السلفيين المتطفلين.
تحوّل النزاع عام 2004 من صدامات دورية بين مسلحي الحوثيين والسلفيين المتنافسين إلى حرب مفتوحة.
وبسبب الخوف السائد من أن تجد القاعدة لها ملاذاً آمناً في اليمن المضطرب، توجد للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مصلحة كبيرة في يمن مستقر، وبالتالي دوراً تلعبانه في إنهاء النزاع العسكري. يتوجب على الولاياتالمتحدة، التي تملك تأثيراً محدوداً في اليمن، أن تعمل من وراء الكواليس لتقنع المملكة العربية السعودية بشكل تدريجي أن تهديداً من تنظيم قوي للقاعدة في اليمن يأخذ الأولوية على المخاوف المرتبطة بوجود دولة شيعية على حدودها الجنوبية. ويتوجب على المملكة العربية السعودية بدورها أن تستخدم تأثيراً ملموساً مع صنعاء لإحضارها إلى طاولة المقايضة.
تشكّل خطوات كهذه انعكاساً هاماً للسياسة لكل من الدولتين، إلا أن الصمت لم يفعل الكثير لتشجيع الاستقرار في اليمن.
وتبدو الولاياتالمتحدة مترددة في دفع اليمن باتجاه تسوية سياسية للأزمة مع الحوثيين خوفاً من أن يؤدي أي ضغط إلى المزيد من عدم إقناع حليف متردد من اتخاذ خطوات فعالة ضد القاعدة، وهو أمر يعتبره الكثير من اليمنيين مشكلة غربية. ويقلق البعض من أنه إذا لم تعمل الولاياتالمتحدة على دعم اليمن في ما تصفه على أنه "حربها الخاصة ضد الإرهاب"، فلن تدعم الحكومة اليمنية الولاياتالمتحدة ضد القاعدة.
أدت الطبيعة المطوّلة للنزاع اليمني كذلك إلى تبريرات متطورة حول استمرار النزاع. وقد تم إدخال رجال القبائل إلى القتال على كلا الجانبين. بالنسبة لهؤلاء الذين يساندون الزيديين، فهم يفعلون ذلك ليس بسبب التزامهم بالعقيدة الزيدية وإنما كردّ على أخطاء الحكومة الواسعة والعسكرية. واقع الأمر هو أن حملات الحكومة العسكرية المتنوعة خلقت أعداداً أكبر بكثير مما خلقته عند بدء النزاع.
لا يوجد حل عسكري لهذا النزاع، كما أثبتت خمس سنوات من القتال. حاولت الحكومة اليمنية مرات عديدة وفشلت مرات عديدة في قصف الحوثيين إلى حد الاستسلام، دون جدوى.
لا يملك أي من الطرفين رأس المال السياسي للاستسلام إلى مطالب الطرف الآخر، ويستفيد أعضاء الطرفين مالياً من اقتصاد حرب مزدهر. ولكن كلما طال أمد القتال، كلما ازداد التهديد للأمن الإقليمي.
يتوجب على الولاياتالمتحدة أن تقنع الاتحاد الأوروبي، والأهم منه المملكة العربية السعودية، على عرض جبهة متحدة على اليمنيين، مقنعة إياهم أن المرحلة العسكرية للنزاع قد انتهت وأن الوقت قد حان لتحقيق حل سياسي.
###
* غريغوري دي جونسين زميل سابق في مؤسسة فولبرايت باليمن وطالب يعدّ للدكتوراه حاليّاً في دراسات الشرق الأوسط بجامعة برنستون. كُتِب هذا المقال لخدمة Common Ground الإخبارية.