قد لا أكون روائيا بما يكفي للكتابة عن مشهد معين بطريقة تجعل من القارئ يعيش ويغرق في تفاصيل القصة التي كتبتها لكنني سأكتب بسطحية تامة عن مشاهد عشتها راكنا إلى ان تكون حقيقة الحقيقة بديلا لاستثارة المشاعر بما يجعلها تعيش تفاصيل اللحظة بما فيها من مشاعر متضاربة. ونحن نصعد جبال سمارة انتحيت مع صديقي وتوقفنا على قارعة الطريق نتأمل المشاركين، في المسيرة ومرت بنا الحشود التي لم تكن من فئة عمرية أو جنسية معينة بل كان الشاب والشيخ والطفل حاضر، وكانت المرأة شابة وشيخة أيضا هي الأخرى حاضرة تقوم بدورها وتغطي مكانها الذي لا يملئه غيرها، ليس هذا فحسب وإنما شاركت فئة من المعاقين والمصابين. مر بنا رجل كبير في السن مبتورة إحدى ذراعيها، فدفعنا الفضول إلى معرفة الأسباب التي حالت دون ان يعفيه تقدمه في السن من المشاركة في المسيرة فاقتربنا منه وسألناه فأجاب ماكان وهن العظم واشتعال الرأس شيبا قيداً نافذاً طالما ان هنالك حلم يشتعل في الخفايا نورا وطاقة تمنحنا القوة والقدرة على حمل المشاق. لم نجد شيئا آخر لقوله، وبمرور مشاهد أخرى أعادت لنا إحساسنا الذي شدفته كلمات ذلك الرجل العجوز.. مر بنا أكثر من مصاب يعرج على قدميه منهم من يملك عصا يتكئ عليها وآخر لا يمتلك غير الإرادة التي تخدره عن الشعور بألم قدميه.. كم كان منهم بحاجة شربة ماء أو سكريات يعوض بها ما فقده جراء مشيه راجلا مسافات طويلة في هذه المسيرة نفذت العيون إلى أرواحهم فرأت أرادة نسجتها رغبة العيش بكرامة وطوال عنى عايشوه حتى رأوا أن مواجهته خيار لا ثاني له. كم تمنيا ان تكون لنا يد قادرة على منحهم اي شي يخفف عن أقدامهم شدة الألم وان يضمدها من ما قد لحق بها من تشققات ونزيف، تساقطت الدموع من غير وعي وأنا أواري دمعي عن صديقي صالح الحقب رأى ان كثرة التمني لا يفيد فإذا به يخلع نعليه ليلبسهم لشاب قد تمزقت نعليه وبدأت الدماء تسيل من على قدميه،نعم ذلك لن ينهي كل ما بأقدامهم من آلام فقرر ان يعيش نفس ما شعروا به فمضى في اليوم التالي حافيا من يريم الى مشارف ذمار ولم يصل إلا وأقدامه قد تنتفت، ومع ذلك كان اسعد يوم عرفه بذلك الشعور الذي بدل ان يتذوقه مرارة ذاقه سعادة.. وفي طريقنا الى ذمار صادفت شابة كنت قد أجريت معها مقابلة في وقت سابق من الأمس ومريت جانبها وألقيت عليها السلام وسألتها ان كان قد أرهقها التعب فلم تجاملني وقالت: «نعم»، وزادت «متعبة جداً». وأضافت لكن علينا ان نتجاهل متاعبنا وان نواصل مسيرتنا فإذا أردت ان تدافع عن قضية هؤلاء بحق، وأشارت بأصبعها الى المسيرة.. فعليك ان تعيش مشاعرهم وتتعب معهم وذلك سبيل لابد منه للإيمان بقضيتهم ومن ثم العمل بإخلاص ما يقتضيه الايمان بالدفاع عنهم، يا إلهي لم أقابل احد في هذه المسيرة إلا وابهرني بما لديه من مشاعر وافكار واشياء كلها فاضلة، لحظات تجردت من الشق الآخر للنفس البشرية وهو الشق الاناني والمتملق والمريض.. لحظات تمنيت ان تكون كل حياتي مسيرة كهذه راجلة او على طائرة... مشاعر ابناء المناطق تجاه المسيرة جعلتني اشعر بمعنى المحبة والاخوة، لكن أهل زوجة احمد علي بمحاولة اعتداءهم على المسيرة انتزعوني من الجنة انتزاعا فبدأت افقد الرغبة في كل شي حتى الاشياء التي لاتحتمل التأجيل كأجراء مقابلات تلفزيونية مع الكثير من الذين وفدو لحماية المسيرة... تلك حماقة ان تسمح لشرير ان يصادر حقك في الحياة ولمجرد وجودها تفقد الرغبة في العيش لشعورك ان وجودك وفضيلتك مهددة.. الصواب وحده ان تفهم انك في صراع دائم مع الشر وان واجبك في الحياة هو الانتصار للفضيلة بأشخاصها ومعانيها.