عصام السفياني - الشرق السعودية أصبحت اليمن معرضاً مفتوحاً لصور شهداء الثورة، فأينما يمّمت وجهك في صنعاء أو أي من مدن الثورة التي ثارت ضد نظام الرئيس صالح، تجد الصور على واجهات المحلات وشرفات البيوت وأعمدة الكهرباء والسيارات، سواء كانوا من أنصار الثورة أو مدنيين من شباب الساحات، والذين قدموا أرواحهم في سبيل الحرية منددين بالحكم الفردي الاستبدادي، كما يقول أحد شباب ساحة التغيير في صنعاء. وتتزاحم صور أطباء ومهندسين وصحافيين وعمال وأطفال ونساء وشيوخ، شهداء من كل شرائح المجتمع في ساحة التغيير، داخل الخيام وخارجها، مجموعات وفرادى، ينتمون إلى مختلف مناطق اليمن، تختلف انتماءاتهم الجغرافية، ويتحد الهدف الذي فقدوا حياتهم من أجله.
معرض لرموز الثورة في العالم وتحولت ساحة التغيير في صنعاء بأكملها إلى معرض مفتوح لصور الشهداء والمناضلين اليمنيين، وكذلك صور أشهر الثوار في العالم، كجيفارا ومانديلا وغاندي، وغيرهم من رموز التحرر في العالم، لكن الخلاف بين الحوثيين والإخوان المسلمين في ساحة التغيير وصل إلى حد تدمير «تقاطع الشهداء»، وهو ما تحدث عنه بأسى كبير «سليمان ثعيل» وهو يروي حكاية الاشتباك وعدم احترام الطرفين لشهداء ثورتهم العظيمة. ويفرق الناشط اليمني أحمد جعدان بين شهداء ساحات الثورة وشهداء حروب الجيوش النظامية؛ حيث إن شهداء الحروب النظامية يكونون جميعهم من العسكر، مع وجود ضحايا مدنيين في مناطق المواجهات، غير أن شهداء الثورة اليمنية الحالية يتوزعون في مهن مختلفة، ومناطق مختلفة، وأعمار وأجناس مختلفة، والرابط بينهم هو وطنهم اليمن، الذي ماتوا من أجل كتابة تاريخه من جديد، بعد ثلاثة قرون من العبث بتاريخه وحضارته ومستقبل أجياله.
جمعة الكرامة ويقول أحد شباب الصمود «وسيم الشرفي» إن شهداء «جمعة الكرامة» هم من كتب وقائع جديدة في تاريخ اليمن المعاصر في ساحة التغيير في صنعاء، ولولاهم ما تحرك قطار الثورة بهذا الزخم الكبير؛ لأنها أفقدت النظام توازنه، وقسمت الجيش والمؤسسة المدنية، وتساقطت أوراق صالح في ساعات قليلة حين تخلّى عنه نصف أركان نظامه المدنيين والعسكريين؛ احتجاجاً على مجزرة الكرامة. وبدأت معركة «جمعة الكرامة» في 18 مارس 2011 الماضي، وأثناء أداء حشود كبيرة لصلاة الجمعة، كان الرئيس صالح يحلق بمروحية فوق ساحة التغيير في صنعاء؛ ليتعرف على حجم المناهضين له في ساحة اعتصام الجامعة، بينما كان عدد من القتلة يجهزون الذخيرة لتنفيذ مجزرة روّعت العالم، وراح ضحيتها 52 شاباً يمنياً، كانوا يصرخون بصوت واحد «ارحل صالح» ليكتب «البلاطجة» رحيلاً من نوع آخر لشباب من خيرة أبناء اليمن، وغالبيتهم من شباب الجامعات اليمنية. وأصاب صالح وأركان مؤسسته الأمنية والعسكرية الذعر من هول المجزرة، وأنكروا صلتهم بها، لكن تداعيات المجزرة وصلت إلى قصر الرئاسة؛ حيث انشق اللواء علي محسن الأحمر عن النظام مع القوات التي تتبعه، بعد 33 عاماً قضاها شريكاً لصالح في كل قرار وغنيمة وجريمة. وانقضى عهد صالح، ولكن بقيت صور الشهداء خالدة في أذهان اليمنيين كخلود سنين عجاف، عاشوها حاملين أرواحهم في أكفهم للمطالبة بإزاحته عن كاهلهم، مستبشرين بعهد جديد قد ينسيهم ويلات الزمن الغابر. وتتوقف أسر الشهداء ومحبوهم، وحتى المارّة الذين لا يعرفون شيئاً عن هؤلاء الشباب؛ لقراءة الفاتحة والترحم عليهم.
معرض مفتوح وابتكر فهيم حامد النصيري طريقة جديدة لتخليد صور الشهداء؛ حيث يقوم بصناعة ساعات حائطية وإلصاق صور الشهداء على واجهاتها، في عمل سماه إبداعات شباب الثورة، ويقول النصيري إنه يبيع الكثير من الساعات، ويكسب بعد كل ساعة حائطية دولاراً ونصف دولار «340 ريال يمني»، وهو مبلغ جيد يتبرع بجزء منه لصالح شباب الساحة. ويطالب النصيري بابتكار أعمال إبداعية أخرى لتخليد صور الشهداء عليها، وتحديداً التحف والهدايا التذكارية ذات المنشأ اليمني، في إشارة منه إلى التقدير الذي يجب أن يناله الشهداء. وتحول معرض صور الشهداء إلى مزار مفتوح لكل الموجودين والوافدين على الساحة، ومتاح لأي شخص أن يلصق صورة شهيد جديد، سواء سقط في صنعاء أو في غيرها من محافظات اليمن، وجميع الشهداء الذين سقطوا في كل أنحاء اليمن منذ انطلاق الثورة اليمنية توجد صورهم في ساحة التغيير.
حديقة ومتحف إلكتروني لشهداء الثورة اقترح الطالب في كلية المجتمع في صنعاء وجدي سنان تصميم متحف إلكتروني «موقع» يضم الصور والأسماء والسير الذاتية لكل شهداء الثورة اليمنية، وتقوم بمهمة إنجازه وزارة الاتصالات اليمنية، باعتبارها جهة تملك إمكانات تقنية عالية. بينما تطالب ولاء اليوسفي بنقل الصور من ساحة التغيير إلى حديقة تجهز باسم الشهداء، واقترحت أن تخصص الحكومة جزءاً من حديقة السبعين القريبة من دار الرئاسة لتكون معرضاً دائماً لصور شهداء الثورة؛ لأن قطعة أرض في حديقة عامة ليست بأغلى من أرواح عشرات الشهداء الذين واجهوا رصاص النظام بصدورهم العارية. وقالت ولاء «إن صالح وأركان نظامه نهبوا مساحات كبيرة جداً، وهي من ممتلكاتهم إلى الآن، فلماذا نستكثر على مئات الشهداء أمتاراً قليلة لنضع فيها صورهم، ونحول هذا المكان إلى مزار سياحي، كما هو شأن مزارات صنعاء التاريخية». ويرى الناشط في ساحة التغيير سامي الشرعبي ضرورة إنشاء مؤسسة باسم شهداء الثورة، تتولى الاهتمام بكل ما تركه الشهداء من مقتنيات خاصة، وإيداعها في متحف خاص بهم، وقال «أريد أن أرى كتب ومراجع وملازم وملابس زملائي الذين درستُ معهم في الجامعة في متحف؛ لنقول للعالم وللأجيال إن هناك شباباً لم يكونوا يملكون قيمة كتاب جامعي من شدة فقرهم، لكنهم كانوا أغنياء بحبهم لوطنهم، الذي وهبوه أرواحهم الطاهرة دون أي تردد أو مغالاة».
وطالب الشرعبي بتمليك أسر الشهداء للوحدات السكنية التي أنشأها الرئيس صالح للموظفين، وأطلق عليها «مدن الصالح السكنية»، وتحويل اسمها إلى «مدن شهداء الثورة اليمنية»؛ لأنها ملك للشعب، وهؤلاء الشهداء قدموا أرواحهم من أجل هذا الشعب.