'تعرف البارونة هيلينا كنيدي في كتابها القانون العادل إجهاض العدالة 'بأنه إفلات المذنب من العقوبة'، والقانون في رأيها هو الأساس الوطيد للأمة، فهو الذي يخبرنا من نحن، وما هي القيم التي نعتز بها، ومن هو صاحب النفوذ والسلطة ومن لايملك ذلك. وتضيف أن لاشيء يؤثر على حياتنا أكثر من القانون الذي يشتبك مع كل وجودنا اليومي وينظم علاقاتنا الاجتماعية وتعاملاتنا في الأعمال ويضبط سلوكنا وبه نقيس قيمنا ،وغيابه يهدد سلامتنا وأمننا. أثناء مفاوضات محلية وخليجية ليترك صالح السلطة كمخرج وحيد لإ رضاء شباب الثورة المطالبين بمحاكمته ووقف الممارسا ت الوحشية لقواته ضد الثوار دامت شهورا وسالت خلالها دماء وهدمت بيوت وخربت عمارات وشرد مئات الألاف من منازلهم وتفاقمت الضائقة الاقتصادية واشتدت الأزمات التموينية وارتفعت الأسعار واتسعت خريطة الفقر، ظل صالح يرواغ لغرض وحيد هو أن يمنح حصانة كاملة تعفيه من الملاحقة القضائية والقانونيةعلى ماارتكبه من جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان طوال عام الثورة الشبابية و32 عاما قبلها.
طوال حكمه مارس صالح مالم يمارسه حاكم يمني من قبله. اغتال خصوم وخصوم محتملين وحلفاء ولكنهم فقط معارضين لتوريث الجمهورية لإبنه أحمد. لم يكن يقف في طريقه شيء لاقيم ولاأخلاق ولا قوانين أو حتى العرف القبلي الذي طالما عبر عن انتمائه إليه. صالح لم يكن يبالي فالاغتيال كان عنده بحكم التعود لذيذ المذاق'وسهل . كانت أول عملية اغتيال نجح فيها صالح عندما قتل جنديا كان يدافع عن الثورة أثناء الحرب الأهلية 1962-1970 من أجل الاستيلاء على بندقيته طبقا لمصدر عسكري موثوق. استطعم صالح الدم واستهان بحياة الغير وقائمة اغتيالاته طويلة ومنها ماتم بالسم البطيء أوالسريع وبحوداث السير - سيارات - ناقلات وكمائن لمسلحين في الطرقات وحتى القتل بالطائرة. أما عن الوضع الاقتصادي في عهده فحدث ولاحرج فقد تدحرج اليمن الغني بموارده وقواه البشرية الديناميكية التي أسهمت في إعمار دول أخرى إلى مصاف الدول المستجدية للإنقاذ الخارجي بدءا من مؤتمر لندن عام 2006 وانتهاءا بمجموعة أصدقاء اليمن التي كان آخر اجتماع لها في فبراير 2011. كان الغير يريد إنقاذنا وسلطتنا المسترخية والمستريحة لاتعبأ بشيء ماكان يهمها حصريا هو المزيد من نهب المال العام وتهريبه. حتى الثروة النفطية لم تسلم من التهريب المحمي عسكريا. لقد بلغ سوء الحال وانعدام الثقة بالنظام الفاسد إلى أن كل دولة مانحة كانت تشرف على مشاريعها بنفسها باستثناء المشاريع التي ينفذها صندوق التنمية الاجتماعية. الفساد فلت عقاله وضرب أوتاده واستقوى بالرئيس ذاته ولم يعد صالح الذي أطلقه قادرا ولاراغبا في محاربته وكيف له أن يفعل ذلك وهو يقود قاطرته، صالح لم ينشئ الهيئة العلياء لمكافحة الفساد إلا تحت ضغط الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بعد فشل اليمن في تحقيق أهداف الألفية في مجالات التعليم ومحوالأمية ومع ذلك لم تحقق الهيئة أي إنجاز وظلت كالجهاز المركزي للمحاسبة تراكم الملفات وترفعها له ولاتقدم أي قط سمين إلى القضاء. الشعب اليمني لم يثر من فراغ وكان احتقانه مكتوما بدليل ماقاله ثائر قادم من أرحب 'لقد انتظرت هذا اليوم 15 سنة ولقد كتبت وصيتي وأخبرت أسرتي بعد أن جهزت كفني أني قد لا أعود من ساحة التغيير'. لقد عانى الشعب طويلا وصبر وعندما نفد صبره انتفض وساعده على ذلك نجاح ثورتي تونس ومصر. انتفض اليمنيون ضد رجل خان الأمانة ووظف الدولة بكل مكوناتها من قوات مسلحة ومخابرات وثروات وقوانين وسلطات ودستور وقبيلة لما يرغب فبه وحده. وفرض على اليمنيين مسالك غريبة عليهم لكسب العيش بثقافة دخيلة عليهم ومضادة لإبائهم وتمس كبريائهم وهم الأباة الذين يأبون الضيم ويستنفرون مخزونهم القيمي لنصرة المظلوم وإحقاق الحق. زرع صالح قيم النفاق والاستهانة بالقانون وبالمصلحة العامة والخوف من رقابة الأمن وسلطة المسئول المرتبط بالأمن وسخر المال العام لمصالحه الخاصة وشجع الفساد وحارب النزيهين وهمشهم ولم يكن يريحه سماع قول أن فلان ناجح في عمله أوأن علان يحافظ على المال العام، وكل مانمى إلى علمه أن فلانا يبطش بالمال العام تنفرج أساريره ويعطيه درجة وظيفية أعلى وسط دهشة من يعرف سلوك هذا أو ذاك. كان كل همه أن يكسب حليفا متلبسا لن يرفع صوته ضد سياساته أو يحتج على أي من خروقاته أوممارسات إبنه غير الدستورية رئيس الظل أو أبناء أخيه وأخوته وأصهاره الذي ملكوا زمام كل إدارة وموقع ذو أهمية عسكرية أو أمنية أومالية. تلك الثقافة الدخيلة لم نعرفها قبل عهده. لاننكر أنه كان لدينا فساد ولكنه كان في الحدود المقبولة وحورب هذا الفساد بعد الحركة التصحيحية في 1974 ولكن ما إن استتب لصالح الأمر بعد ثلاث سنوات من حكمه حتى ألغى الهيئة العلياء للتصحيح التي أنشأها الشهيد الحمدي عام 1974 لكي يسوى الملعب له وللفاسدين. وبالفساد وشبكات المحسوبية خلخل صالح ترابط المجتمع واحترام الفرد لذاته وتفشت النميمة المدفوعة الأجر نقداأو عينا (بعض سائقي التاكسيات يتسلمون حصص بترولية من مقر جهاز الأمن نفسه) وهبط بتقاليد وأعراف وثوابت قبلية راسخة إلى القاع.وشن حروب استنزاف ضد كل ماهو جميل في اليمن. وبدون شوفينية أصبح اليمني المشهود له بالذكاء الفطري الذي يحفر بأظافره ليحصل على قوت يومه يرى في الدخول إلى السعودية بالتهريب أو تهريب إبنه غير الراشد منقذا له من بؤسه. وتهاوت هامة اليمني الذي قال عنه سفير الماني عمل في اليمن كدبلوماسي شاب بأن اليمني ذو كبرياء. هذه الكبرياء برغم سياسة صالح الذي اتبع جوع كلبك يتبعك ستعود كما كانت وأقوى بعد انتصار الثورة ورحيل نظامه الذي بدأ برحيله هو شخصيا في 22 يناير. وفي عهده كان الحق للأقوى وللأغنى ولمن يلوذ بحمايته ويخنع له وينافقه حتى ولو علم أنه يظهر غير مايبطن. لقد جعل أحاديث الناس تتمحور عن كسر القانون وليس عن احترامها وتطبيقها وعن نهب المال العام والعمولات التي أصبحت مشروعة ودفع الناس إلى المقارنة لأول مرة بين عهدي الأئمة في الشمال والبريطانيين في الجنوب وبين عهده وكانت المقارنات في غير صالح نظامه. ولم يكن ذلك يخفى عليه.كان يسمي الفاسدين في خطاباته بالشرفاء ولم يترك مناسبة إلا وأشاد فيها بجهاز الأمن كقوة قمع وبالقوات المسلحة كصمام أمان للوطن وكأن اليمن في حالة حرب مستدامة وليس في عهد تعددية سياسية وديمقراطية ودستور يكفل الحريات ووسائل حفظ الأمن والسيادة وانتقال السلطة. في عهده سمعنا عن تصفير عداد فترة الرئاسة ثم تفكيك هذا العداد وتصويت البرلمان في يناير 2011 الذي كان ألعوبة في يده بتعديل المادة 112 التي تحدد فترة الرئاسة بفترتين لاثالث لهما لجعلها مفتوحة بحيث يحكم اليمن حتى يلقى الأجل ومن بعده إبنه أحمد أو إبن أخيه يحي أيهما يستطيع حشد تأييد قبيلة سنحان ويكون كريما في العطاء من المال العام. الأن خرج صالح من السلطة مدانا ولو بدون حكم محكمة ومكروها من غالبية مواطنيه بعد أن صدق المنافقين بأنه الرمز والضرورة الوطنية الملحة ومحقق الوحدة (منفردا) وباني نهضة اليمن الحديث والرئيس الذي ازداد التدين في عهده وأبوالأيتام الخ... بعد حين سيكون مطلوبا للعدالة لأن حصانته غير قانونية وضد مبادئ العدالة وحقوق ضحاياه الجدد والقدامى الذين سيفتحون عليه نار جهنم جراء اغتياله لأبائهم ولأولادهم ولنسائهم وأطفالهم. هكذا تكون نهاية كل طاغية متجبر لم يأخذ العبر من سابقيه. نعلم أن حكومة الوفاق الوطني لم تكن تملك حرية الخيار وقد ارتأت أن المصلحة العامة تقتضي منحه الحصانة وفاوضت لكي لاتسري الحصانة الشاملة على شركائه في كل ماسال من دماء وما لحق باليمن وأهله من كوارث. كانت دموع رئيس حكومة الوفاق الأستاذ باسندوة صادقة وزفراته من القلب. كان باسندوة بين خيارين أحلاهما مر إما السماح لصالح بإعمال المزيد من القتل والتدمير أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه. والحصانة لاتحول دون حق أسر ضحايا الاغتيالات والقتل العمد في محاكمته لأن الحق الخاص لاتسقطه اتفاقات خارج القانون الوطني والدولي الذي يكفل حقوق الضحايا وهؤلاء لن يتركوا حجرا إلا وحركوه لتحقيق العدالة. الحصانة تطرقت إلى المصالحة الوطنية وقانونها المرتقب وهذه أيضا لاتلغي الحق الخاص إلا إذا طلب صالح العفو منهم أو عوضهم وأعلن توبته السياسية وترك اليمن نهائيا. هذه نهاية شخص أتى من قاع المجتمع وكان متوقعا أنه بخلفيته الاحتماعية المتواضعة سيكون أكثر الناس حرصا وصدقا في خدمة وطنه وانحيازا للفقراء وهم غالبية شعبه ولكنه انحاز إلى الشيخ ضد الفلاح وإلى التاجر ضد المستهلك والأثرياء ضد الفقراء وخلق أقلية لاتعبأ بأي مصلحة عامة. وكحاكم أؤتمن على مصالح الشعب وبضمنها بل في قلبها العدالة التي غابت في عهده. كان من الأفضل لصالح ألا تكون نهايته كنهاية شاه إيران شريدا، ملعونا، طريدا، غير قادر على فتح فيه للدفاع عن نفسه بل أن يقدم نفسه للقضاء طالما أن طلبه للحصانة كان اعترافا منه بإرتكابه جرئم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعندما يفصل القضاء ربما سيكون الشعب اليمني رحيما به خاصة إذا أعاد له ملياراته المنهوبة من قوته وعرقه وبطون خاوية ل60' من شعبه. صالح كان أحيانا يستذكر لغة حكمه الشمولي ويطالب بتحصين الشباب ضد الغزو الفكري فيما يسبح بحمد التعددية التي وجدت في عهده، وفي النهاية لعله يتذكر وبأسى أنه لم يحصن نفسه من هذا المصيرو ينبغي أن يحاكم لارتكابه خيانات وطنية عظمى في حق وطنه وشعبه.