لم يعد هناك شك في أن أهم التحديات التي تواجه الثورة في اليمن موجودة الآن في ثلاث عواصم بدرجة رئيسية: واشنطن والرياض وطهران. والسبب أن ما يصدر من هذه العواصم حتى الآن فيه كثير من الالتباسات، والمواقف المحمولة في لغة أكثر التباساً، ولو أخذنا عينة بسيطة فقط وردت في مقابلة للسفير الأمريكي في صنعاء لاتضحت مظاهر التحدي جلية للعيان حتى من دون أن يكون لدينا أي مواقف أو انحيازات تجاه السفير وسياسة بلاده ومواقفه العجيبة منذ اندلاع ثورة الشعب وحتى اليوم. ففي المقابلة الأخيرة التي أثارت استياء الشعب اليمني تحدث سفير الولاياتالمتحدةالأمريكيةبصنعاء جيرالد فرستاين عن هيكلة الجيش اليمني وعقيدته في المستقبل، وكأنه يتحدث عن بلد لقيط، ولا يعرف أن اليمن موجودة في هذا المكان منذ 2000 سنة تقريباً باسمها وجسمها من قبل أن تظهر الولاياتالمتحدة، والأمريكان بطبيعة الحال لا يؤمنون بالتاريخ لأنهم بلا تاريخ، ولكنهم اليوم أكبر قوة في العالم تؤثر على مستقبل الشعوب والدول، ولسنا بصدد كلام لسفير عادي ودولة عادية. والمعنى أن اليمن تقع في جغرافية تقاطع المصالح الحيوية والإستراتيجية للولايات المتحدة في الخليج والبحر الأحمر والمحيط الهندي، مايعني أن وظيفة الجيش اليمني القادم لا يراها السفير إلا من زاوية خدمة المصالح الأمريكية وحمايتها من التهديدات، وقد تحاشى السفير عمداً الإشارة إلى مصالح الشعب اليمني وأمن الدولة في اليمن. خطاب السفير الأمريكي- أيضاً- نبهنا إلى تحدٍ آخر بطريقته وليس بما ينبغي أن تكون عليه علاقة الشعب اليمني بجواره الخليجي والعربي والإسلامي. قال إن ايران أصبحت حاضرة في اليمن بالمال والسلاح وأنها تدعم الشيعة والسنة، واعتبر ذلك تدخلاً في الشأن اليمني وأنهم يراقبون هذا التدخل. وهو حديث ظاهرهُ الدفاع عن اليمن وباطنه أسوأ أشكال التدخل بتقرير شكل وعلاقة الشعب اليمني الخارجية، والمشكلة هنا واضحة فهو لا يرى حديثه تدخلاً في الشأن اليمني، والطائرات الأمريكية التي تخترق السيادة وتقتل اليمنيين لا يعتبره تدخلاً سافراً فيما يرى طهران بلداً متدخلاً في اليمن. لقد تابع اليمنيون بالتأكيد مجريات التدخلات الإقليمية والدولية في شؤونهم منذ بداية الثورة، وعبروا عن مواقفهم الرافضة لكل أشكال التدخل، ولا يستطيع السفير ولا أي عاصمة إقليمية أو دولية أن تتجاهل صور الملايين من أبناء اليمن وشبابه الأحرار وهم ينددون بالسياسة الأمريكية والمبادرة الخليجية تنديداً مبنياً على أضرار خطيرة وقعت وتعرّض لها اليمنيون جراء المماطلة والتسويف والتلاعب بالزمن، واستقبال صالح وعودته والحديث عن أولاده وأعوانه وتقديم الحماية لهم، ودعم شركات للعلاقات العامة دافعت عن صالح وأولاده في وسائل الإعلام الغربية حتى دفع الشعب اليمني 4000 شهيد وأكثر من 25000 جريح ثمناً للمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية. هذه صورة من مشهد التحدي الخارجي أمام الثورة، واليمنيون جميعاً يدركونها، ولن تكون حجة على الشعب اليمني التصريحات الدبلوماسية والمواقف الإقليمية والدولية فيما يجب وما لا يجب، سيرفض اليمنيون كل أشكال التدخل والوصاية، وهم الذين سيقررون بوعي من تاريخه وخبرته المتراكمة في التعامل مع العالم مَن من الدول والحكومات هي الصديقة لليمن أو العدوة له، وستبقى المشكلة فقط كيف يستطيع شباب الثورة وقواها وأطرافها بلورة موقف واضح تجاه من يحاولون تحويل الثورة وأراضي اليمن إلى مسرح نزاع إقليمي ودولي.