الإبداع والفنّ جمالٌ يعيشه المرء في عالمٍ يعيش سخطَ الدمار وغضبَ قتل الإنسان وتحطيم الجمال ووأدَ الحب. في وطني اليمن آلةُ القتل تعمل، تطحن، تدوس، تدمّر. هناكَ من يقتل باسم الدفاع عن الشريعة ونصرتها، ومن يقتل باسم آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، وهناكَ من يقطع على الناس أرزاقهم ويضيق عليهم معيشتهم. في وطني اليمن حياتكَ قد تنتهي على يدِ بلطجي قذر لأنكَ لم تدفع له جبايةَ الغصب. نعيش وطناً يتيماً، الكل يبكيه، وفي نفس الوقت الجميع يذبحه، أصابع الاتهام تشير إلى كل أبناءه، وكل فردٍ فيه يدعي البراءة. وبين هذا الركام من الخراب والدمار ترى ابتسامة شبابه وبناته، ابتسامةَ التفاؤل بوطنٍ يحبهم ويحبونه، ووسطَ آهاتِ الألم تبصرُ أعيننا زهراتٍ تتفتح لتحقق حلم شهداءٍ سقطوا ليذوق وطنهم حياة الرخاء والحب. قبل شهرٍ من اليوم، خرجتُ إلى شارع بغداد مع مجموعةٍ من شباب وبنات اليمن أطلقوا على مجموعتهم «يمننا لنبدأ من هنا»، قامت المجموعة بعملٍ طوعي جميل: تنظيف شوارع الحارات المجاورة لشارع بغداد. يومها وقف مجموعة من أبناء الحي متعجبين من صنيع أولئك الشباب. ماذا يصنعون؟ من الذي دفعهم لهذا العمل؟ كم نصيب كلٍّ منهم من الريالات؟ وكانت دهشة الجميع حينما علموا أن حب الوطن هو الدافع الأول والأخير لأولئك الفتية. لا تزال مجموعة «يمننا لنبني من هنا» تعمل وتبني، لا تلتفت إلى شيخ قبيلةٍ متعجرف رأسُ ماله القتل وعشقه الدمار، ولا إلى ذلك الكم الهائل من القتلة المنتشرين في أرجاء عاصمتنا، لقتل النفس التي حرم الله. وقد حدثتني الأخت رنا زيد - وهي من المنظمين للحملة - أنّ مشروعهم سيستمر وبمراحل وخطوات مدروسة بدءاً بتنظيف الشوارع ثم تشجيرها وليس انتهاءً بتأسيس مراكز صحية مجانية للفقراء من أبناء هذا الوطن.
«لوّن جدار شارعك» «لوّن جدار شارعك» عنوانٌ آخر لمشروعٍ حضاري رائع قام به مجموعةٌ من الناشطين العاشقين لوطن الأحلام والسعادة. قال الشباب: «إنهم يهدفون إلى القضاء على الملل والجمود». قالوا إنهم سيوصلون رسالة إلى جميع تجار الحروب : إننا هنا نعيش يمن الحب بالحب، وبدلاً من أنكم نقّبتم الجدران برصاصكم فنحن من سيسدّ ذلك النقب بألوان الجمال والإبداع. لك أن تمر وتجرب بنفسك، كما فعلتُ، وتزور منطقة الحرب في شارع هايل أو الحصبة، لتشاهد الدمار، ثم اذهب إلى أحد الجدران التي رُسِمت عليها الألوان، وقارن. بالتأكيد ستشعر بنبل هدف الحملة، وذكاء أصحابها.. لقد حطموا رشاشات المتحاربين، وأحرقوا صواريخهم، هكذا فهمتُ الرسالة بوضوح، وهكذا فهمها ذلك الجندي الذي وضعوه في معركةٍ خطأ ليقتل الأبرياء من شباب اليمن الطاهر. وطني سيعيش بالحب، والجمال، رغم ما يكتنفه من مستقبلٍ عبوس. يوماً ما سنضحك جميعا وسنفرح بيمنٍ سعيد. هاهو رغم جراحه يقذف بالحمم على كل قاتلٍ ومرتزق، ويفتح أحضانه للنبلاء من أبناءه وبناته. ويوما ما سنرى اليمن السعيد. ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً.