هل من المعقول أن ننام ونستيقظ كعرب على نظرية المؤامرة التي أرهقت وعطلت العقل العربي عن التفكير الممنهج حول ما يدور من حولنا من ظواهر سياسيه واقتصاديه مثلما كان حال المجتمع الأوربي في عصور الظلام فلطالما كان السحر والأيادي الخفية قوى ظلاميه عكرت صفوة حياتهم , لكن الفرق عند الأوربيين أن السحر والعوالم الخفية كانت بمثابة مؤامرات تديرها قوى طبيعيه. وأما الأعجب ما ذهب الفيلسوف ادوارد سعيد مبينا أن الغرب يعتبر الشعوذة مصدر من الأخر (نظريه الأخر) أي من الحضارات الشرقية بمن فيها الحضارات العربية ناهيك عن الهند الذي اتهمها العالم فريدريك هيقل بأنها حضارة غير ناضجة كون شعوب الهند تعد رافدا من روافد التفكير الخرافي الذي يفتقر لمرتكزات منطق العقلانية. هل ولد عالم ومنظر الجغرافيا السياسية البريطاني جون ماكيندر من جديد حتى ينظر للشرطي التونسي الذي طالت يده وجه محمد ابوعزيزي ليكن بدلا من (قلب الأرض ) إلى (قلب الكف) أي أن نظرية قلب الأرض أو هرتلاند أو مركز الأرض عند ماكيندر التي تعني جغرافيا واستراتيجيا منطقه اوروسيا و أسيا؟. فما اكبر الاختلافات والمفارقات بين قصة أدولف هتلر و أبو عزيزي, فالأول تحدى اكبر قوى العالم آنذاك ليس من دواعي انه كان يكره اليهود كما زعم الكثير من العرب والمسلمين آنذاك بأنه كان قائد رباني سخرة الله لنصرة الإسلام على اليهود, ولم يقرع طبول الحرب العالمية الثانية بغيه حصاد أربعين مليون نسمه, بل ساقه إلى ذلك طموح الفكر الامبريالي الذي استلهمه من نظريه (قلب الأرض) التي تقول "من يتحكم في شرق أوروبا يسيطر على قلب الجزيرة العالمية "الهارتلاند" ومن يسيطر على الهارتلاند يسيطر على العالم". ...فلا أبو عزيزي عرف أنها مؤامرة على بلده وعلى العالم العربي أحيكت من قبل الشرطي الذي صفعه على وجهه التي بدورها استفزت مشاعره وهو البائع المتجول البسيط لينتهي به الأمر إلى إشعال النار في جسده , ولا الشرطي هو الأخر عرف أن صفعته ستكون أخر علامات قيامة ألامه العربية..فلماذا لم يعتبر الشعب الألماني أنها كانت مؤامرة أكثر من كونها هزيمة باعتبار أن النظام النازي كان مجازفا ليقارع أقوى دول العالم؟ أما النظام النازي نفسه اعتبرها مؤامرة على طموح الشعب الألماني ,لان المؤامرات لأتكون موجودة إلا بعد وجود أسباب الشروع في عمل ما أو التخطيط لإنجاح شي ما..وعليه كيف للعقل أن يقول أن الربيع العربي كان مخطط له مسبقا..فهل من المسلم به جدلا أن تكون عناصر الاستخبارات الاميركيه المركزية والموساد الإسرائيلي قد أقنعت مسبقا كلا من الشرطي والشاب التونسي على أن يذهب الأول لأهانه الأخر (بوعزيزي)مع الاشتراط بان يشعل النار في جسده حتى يفارق الحياة ..وهل ذهب كلا المتآمرين إلى مجموعه من الشباب ودفعوا لهم المال حتى ينتفضوا نصره للشاب الذي احرق نفسه؟؟؟ . إذا لماذا هي مؤامرة نظامية على بوعزيزي على عكس ما يعرفه الكثير حول قضية مؤامرة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق جون كنيدي إذا ما فسرنا المؤامرات النظامية أو غير النظامية سوى على أشخاص أو انظمه سياسيه وغيرها وعليه يخلص المرء إلى أن مقتل كنيدي كان من ضمن المؤامرات السياسية الكبرى التي قد يكون اللوبي الصهيوني وراءها. لحظه تاريخيه أم لحظه تنفيذ مؤامرة؟ استمعت يوما إلى أغنية أم كلثوم (الثورة معجزه) فتبادر إلى ذهني حينها كم كانت الأمم السابقة تكذب أنبياءها وتغلظ عليهم بمجرد سماعهم بقضايا وعلامات نبوءتهم أو بمجرد قوانين وأخلاقيات كانوا يسنوها في أوساطهم. إذا فالثورات وحركات التغيير سنه الله في بناء الأمم والمجتمعات وهي بمثابة معجزات إذا ما اختصينا بالذكر مجتمعاتنا العربية ويعزى السبب إلى تأخر حضارتنا في كل المجالات ,كيف وقد استبقنا الغرب خمسه قرون قبل مجي الإسلام وخمسة قرون ما بعد عصور الظلام في أوربا. في كونها لحظه تاريخيه محضة يصف لنا هذا المشهد الدكتور غسان إسماعيل عبدا لخالق قائلا ""أكثر ما يسترعي النظر في ربيع العرب ذلك الاستقطاب الحاد بين تفسيرين قطعيين لا مجال للجمع بينهما؛ تفسير يقول بأن الربيع العربي مثل لحظة تاريخية تجمعت فيها عوامل الإحباط العربي الداخلي مع إمكانيات التفهم الأجنبي الخارجي. وتفسير ثانٍ يقول الربيع العربي مثل مؤامرة أميركية وأوروبية لإعادة استعمار الوطن العربي عبر التلويح بقمصان الديمقراطية والتغيير". حيث نفى الكاتب صفتي التخطيط والمؤامرة في كلا التفسيرين باعتبار إن التخطيط يتمثل في الإسهام النسبي التي لعبته المنظمات الغربية التي نادت بحقوق الإنسان والحريات على مدار السنوات ألماضيه. التخطيط يقتضي منهجيا التفكير الاستراتيجي بوسائله المختلفة مع مراعاة عامل الوقت المسخر لاستهداف شي معين , و ما يسمى حاليا بسياسة الفوضى الخلاقة التي قد تنقض على فترات ما بعد الثورات العربية يندرج تحت مفهوم التخطيط السياسي. أما الحديث عن المؤامرة في صناعة الربيع العربي, هل يشترط في مفهوم نظرية المؤامرة عند العقل العربي أن تكون المؤامرة خارجية؟؟؟. التاريخ السياسي لمنطقتنا العربية يلخص لنا حقيقة مفادها إن الأنظمة الغربية تخطط أكثر مما تتآمر والأنظمة العربية تتآمر أكثر مما تخطط والشاهد على ذلك بعدما نجحت في إجهاض الحركات القومية العربية بدءا من حركه 48 و انتهاء بالعدوان الثلاثي على مصر في 1967 ليقضي بذلك على الامتداد الثوري الذي كان سيصل إلى المملكة العربية السعودية بعد إن وضعت الثورات العربية آنذاك أخر مواليدها في اليمن. مؤامرات الداخل إبان وما بعد الربيع: بدأت المؤامرات النظامية أو الثورات المضادة منذ اللحظة الأولى لاندلاع الربيع العربي على سبيل المثال ما عمد إليه الرئيس اليمني السابق علي صالح حالما حاول استمالة أنصاره من مشائخ القبائل ليعلنوا ثوره مضادة ضد من اسماهم الشباب المغرر بهم في إشارة واضحة لمؤامرة داخليه تتمثل في حزب الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) وال الأحمر ومؤامرة خارجية تدبرها أميركا مستشهدا بنشاط الناشطة الحقوقية اليمنية توكل كرمان التي حصلت لاحقا على جائزة نوبل للسلام واتهامه المتكرر والمتشدد لقطر وقناتها الإخبارية (الجزيرة). لا يختلف اثنان من ذوي التفكير المحايد على أن هناك تآمر داخلي على الثورات العربية أجهض إلى حد ما الاصطفاف الشعبي حول أهداف الثورة لاسيما بعد أيام من اندلاع الثورة-على سبيل المثال المشهد اليمني- حينما انضم إلى الثورة من كانوا بالأمس القريب يعرفون باركان النظام السياسي اليمني السابق: الركن العسكري متمثلا في اللواء علي محسن الأحمر الأخ غير الشقيق للرئيس اليمني, الركن القبلي متمثلا في آل الأحمر مشائخ (حاشد)اكبر قبائل اليمن, والركن الديني عبد المجيد الزنداني (من اكبر قيادات حزب الإصلاح الاخواني) . من المسلم به أن تتكلل الثورات العربية باعتبار إنها ستفرز جمله من الإصلاحات السياسية و الاقتصادية كما يفسره الفيلسوف التونسي مازري حداد في كتابه الجديد ": "الوجه المخفي للثورة التونسية، الأصولية والغرب: تحالف محفوف بالمخاطر الكبرى" أي أن الربيع في تحليل هذا الكتاب عند هشام صالح "قد يصبح خريف بل وشتاء أصولي قارس.فالمستفيد الوحيد منه الذي سيقطف ثمرته هو الحركات الإسلاموية". ولكن هناك تخوف سائد في ما بعد الثورة, ولذلك فان العرب بحاجه إلى برامج هيكليه كبيره تعيد بناء الفكر الذي قد لوثته وشوهته الصراعات الفكرية أصوليه وعلمانيه داخليه وخارجية (صراعات الحضارات) كل هذا حتى ينسجم مع الإصلاحات السياسية الجديدة الداخلية والامتداد الفكر السياسي الدولي الجديد في المنطقة الذي احتضنته تركيا العلمانية المسلمة الذي يتطلب من العرب تهيئه مستدامة للفكر العلماني الإسلامي الجديد الذي قد يتضارب مع محور فكري مضاد في المنطقة له ثقله الدولي تتزعمه إيران. الربيع العربي نذير بنظام عالمي جديد : بانتهاء الحرب الباردة وانتهاء النظام السوفييتي ومكوناته في المنطقة العربية ظهر النظام الاميريكي ومطامعه الحيوية في المنطقة وبد يرسم خارطة مشروع شرق أوسط جديد تزعمها المحافظين الأمريكيين الجدد. ففي مطلع العام 2000م بدا المحافظين الجدد ينفذوا مشروع الشرق ألا وسط الجديد على مبدأ (التمقرط مقابل الحرب على الإرهاب) وهذا ما تبنته إدارة بوش أعقاب حادثة 11 من سبتمبر الارهابيه و الذي بينته إستراتيجية الأمن القومي الاميريكي للعام 2002. لكن ماذا لوا انتظرت أميركا 8 أعوام فقط لما خسرت مليارات الدولارات في حربهم على العراق لكن هذا كله قد تستخدمه أميركا كقوة ناعمة في جعل عرب اليوم يغفرون للأميريكان لما اقترفوه في العراق الذي كان كله تحت غطاء تحرير العراق من الطاغية الذي اعتبره العرب آنذاك مؤامرة بعكس ما سيحدث في سوريا اليوم. حين كان يرى المحافظين الجدد أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد للانقضاض على الراديكالية الاصوليه في المجتمعات الاسلامية بعد أحداث 11 من سبتمبر كان هناك اختلاف شديد في أوساط حلفائهم في حزب الليكود اليميني الإسرائيلي الذي رأى من سبيل الديقراطيه في العالم العربي مشروع فاشل مدعين انه عامل طردي ينمي الراديكالية. على العكس من ذلك, اثبت الربيع العربي للغرب عكس (نظرية الانتقاص) التي صورت للعالم لفترة طويلة عدم قدرة الأحزاب الاسلاميه في الحكم والتكيف مع النظام العالمي، وما فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية إلا خير دليل على ذلك وكذلك حزب العدل والبناء في المغرب في الانتخابات البرلمانية, وجبهة الحركة الاسلامية في الأردن, ومنافسة حزب الإصلاح اليمني القوية, وحركة الدستور الإسلامي في الكويت, وفوز حزب العدالة والبناء(الإخوان المسلمين) في مصر في الانتخابات البرلمانية وأخيرا في الانتخابات الرئاسية بفوز محمد مرسي, ناهيك عن التجربة التركية الذي صدر حزبها الإسلامي حزب العدالة والتنمية الحافز السياسي الأكبر إلى الأحزاب السياسية الاسلامية العربية. حول هذا الديناصور العربي الذي فاجأ العالم, عبر الكثير من الفلاسفة والكتاب الغربيين عن هذا الحدث بجمل استغرابيه منها ما استشهد به عبدا لعزيز الحمص في مقالته "هل الربيع العربي مؤامرة أميركية؟" بقول الكاتب البريطاني دونالد ماكنتاير في صحيفة "إندبندنت " مقالاً بعنوان "كيف ضبط الربيع العربي الغرب متلبساً؟", ونستشهد أيضا بمقالة الدكتور باسم الطويسي "الربيع العربي: المؤامرة والخيال" حيث قال انه في العام 2002, كتب مايكل فلاهوس في دراسة بعنوان" قناع الإرهاب: التمرد داخل الإسلام": "أن الثورة والتمرد على الأوضاع القائمة في العالم العربي من جانب الإسلاميين هي أفضل طريقه للقضاء على الإسلام المتطرف". ويستشهد الكاتب نفسه بتقرير في العام 2005" وسائل العربية: أدوات الحكومة: هل هي أدوات الشعب" قائلا: " ربما لايت حقق الإصلاح من خلال الديمقراطية الليبرالية التي ينبئ بها الإسلاميون المعتدلون, بل من خلال ثورة عاتية على طريقة الثورة الفرنسية, فتستأثر لنفسها بمساحه سياسيه ثم تخرج من الجانب الثاني". وأخيرا يستشهد الدكتور الطويسي بالباحثة ايلين لايبسون, رئيسه مركز ستيمبسون بقولها في العام 2004:" من الصعب تخيل تطور سياسي في الأعوام العشرين المقبلة بدون إسلاميين. لقد أسسوا شرعيه وأنصارا, ولن نستطيع جعلهم يختفون بين عشيه وضحاها, بمساندة صفوة من دعاة الحداثة العلمانيين. يجب تخيل مساحه سياسيه تسع الاثنين". هكذا أنجبت منطقة الشرق الأوسط الكبير ابنه لطالما انتظرها الأب العربي عقود من الزمن تشارك في تسميتها العرب والغرب فأسموها الربيع العربي ، فهل يا ترى سيستيقظ الغرب والعرب يوما ليروا مولودا جديد على تراب الشرق الأوسط ولكن هذه المرة من أب فارسي ستسميه إيران الربيع الفارسي-الإيراني –الشيعي-حينها سيبحث الغرب عن اسم للمولود المشئوم فلن يجدوا سوى (الشتاء الفارسي أو الإيراني) أو القنبلة الاسلامية. هكذا بدا الربيع العربي يرسم بريشته الجيوسياسيه معالم نظام عالمي جديد وشرق أوسط جديد بألوان الإسلام السياسي المعاصر والذي سيضع لمسات معالمه الاخيرة شتاء عربي في حالة التآمر على الثورات العربية داخليا أو خارجيا أو شتاء إيراني فارسي لحظة ولادة "قنبلة إيران الفارسية" .