«الثورة» تواجه مؤامرة كبيرة في منعها من أن تكون معبرة عن تطلعات الجماهير، ومن ثم في إجهاض مشروعها الإسلامي الحضاري.. مؤامرة من الخارج الذي اعتاد على أن يصنع دماء تحرك بالريموت كنترول معزولة شعبياً وجماهيرياً لأنه يرى في ثورة الجماهير- بما هي تحول جذري وعميق- خطراً عليه، ومؤامرة من الداخل حيث تلتقي مواقف بعض قوى الداخل مع الخارج في منع أي تحول وتغيير جماهيري جذري معتقدة أن في ذلك خطراً على مصالحها.. وللأسف فإن قوى الثورة تقف موقفاً سلبياً حتى الآن تجاه ما يحدث للثورة من «تشويه» واختزال واجتزاء بليد ومن ثم منعها من إنضاج مشروعها الحضاري على نحو يحقق تطلعات اليمنيين في التقدم والتحول الجذري صوب نهضة عربية وأممية كبيرة تصنعها ثورات الربيع العربي الآن في المنطقة، وإن بخطوات بطئية لكنه تحول رباني لا مفر منه سيجبر الجميع على مجاراته بما فيها الديكتاتوريات العتيقة وإن بصور مختلفة. الجماهير هي من تصنع التحولات. إننا نعيش لحظة فارقة في تاريخنا اليمني والعربي المعاصر؛ لحظة اندمجت فيها إرادة الله مع إرادة الجماهير والشعوب، مرحلة تحول جذري وعميق على الصعيد الفكري والسياسي والثقافي لا مجال فيه للمخاتلة أو الاختطاف أو الاحتواء.
لا مبالغة على الإطلاق حينما نعيد مسألة الربيع العربي إلى سنن كونية إلهية في التغيير والتحول، ولا ننتقص من حق الآخرين حينما نقول إن الثورات سوف تفضي إلى مشروعات إسلامية حضارية في المنطقة؛ ذلك أن الصراع في جوهرة هو صراع قيم، قيم فاسدة ومنحلة رسختها الأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية طيلة سنوات حكمها، وبين قيم إسلامية حضارية وإنسانية تصارع من أجل أن تسود بعناية إلهية كبيرة، وما البشر إلا جنود الله في الأرض لحملها على التطبيق.
صراع بين الحق والباطل.. إنها فلسفة التحول العميق التي تبدأ داخل العقول ومن ثم المجتمعات لا مجال أمامها إلا أن تتحقق مهما تنوعت المؤامرات وكبر حجمها.
الأحلام السماوية لا تكذب، وما يحدث ما هو إلا مقدمة لتحول كبير قادم بإذن الله وهو لايشكل خطراً إلا على الذين لم يستوعبوه ويفهموه ويحاولون مقاومته، وبقدر ما هو ينشد الحياة للجميع فإنه لن يجهض ولن يموت.
الحرية بما هي قيمة حضارية هامة هي أداة هذا التحول وبدونها لا شيء يمكن ان يتحقق، الحرية والتحرر وعاء حقيقي للإلهام والأحلام الجميلة التي تتحول مع الوقت إلى مشاريع كبيرة في حياة الشعوب.
أي تحول عميق وجذري كهذا يبدأ أولاً بتحرير الإنسان الذي يقود في النهاية إلى تحرير الأوطان، الحرية التي تبني لا التي تهدم.
التعقيدات والعصبيات المحضة في اليمن تجعل من الثورة مشروعاً حضارياً لشعب لا لحزب أو طائفة... لابد أن تكون الثورة حلاً جامعاً لوطن تتنازعة عصبيات جاهلية ومسميات فضفاضة وتوجهات محنطة وبالية، وإلا فقدت بريقها وقدرتها على الجذب والتأثير وقيادة عملية التحول، علينا أن نضع ذلك في الاعتبار بعيداً عن المقولة الممجوجة "إن لم تكن معي فأنت ضدي".
وأما الإسلام فهو منهج حياة وفلسفة كونية في العيش والتعايش وليس محض ايدلوجيا عصبوية لحزب أو جماعة، وهذا التحول الفكري والثقافي والقيمي العميق الذي يشهد الآن مخاضاً عسيراً في مجتمعاتنا العربية ليعيدها إلى صدارة الفعل الحضاري والكوني هو سنة ربانية وليس من صنع البشر، وما أسعد الذين يختارهم الله ليساهموا في هذا التحول المعجزة أو يكونون أداة من أدواته الحضارية والفكرية.. نسأل الله أن يجعلنا منهم.