قد تُصاب بأزمة نفسية إذا ما حاولت أن تفهم ما الذي يحدث في اليمن؛ كل يوم يزداد الأمر سوءاً، وتتكالب علينا المخاوف والهموم في ظل سديمية الوضع وبشاعة ما نرى على أرض الواقع وتدهور الأمور، حتى بات البعض يتنبأ بالدخول في أتون الصراع الطائفي والمناطقي قريباً.. وكل ما يهم قادة الصراع هو الوصول للحكم أو القسمة. نسوا أن الوطن رقم لا يقبل القسمة، وإن حدث فإنا من سنتحول إلى كسور وأشباه أحياء! إذاً نحن بحاجة إلى معجزة! لكي نخرج من هذه الأزمة نحن بحاجة إلى معجزة أو مارد المصباح، أو عصا سحرية، أو خاتم سليمان قد يكون لنا فيه نصيب. ألم يُشع في الكتب أن سليمان تزوج من بلقيس ملكة اليمن، فمن حقنا المطالبة بإرثنا في الخاتم؟! لنحقق به المعجزة الكبرى، ونخطو بسفينة الوطن المتهالكة إلى بر الأمان.
فلو أني أملك خاتم سليمان ما الذي سيحدث؟! سأقوم بتشكيل لجنة وطنية لا تعرف الريال السعودي، ولا الأخضر الأمريكي، ولا تتقن اللطم أو إرتداء عباءات مصنعة خارجياً لتحكم داخلياً، تُعيد صياغة دستور لدولة قائمة على العدالة الإجتماعية؛ دولة عدل وإنصاف، دولة المساواة والحريات ليست كتلك الدولة التي طالما تشدق بها صالح طوال سنوات حكمه.
سأطلب من الجميع نبذ الخلافات الطائفية والمناطقية، وأدعو إلى بث روح التعايش والود بين الجميع، وهذا ما ستوفره دولة العدالة، وسأُعيد لكل ذي حق حقه، وسأرفع المظالم، وهذا سيؤدي حتماً إلى تطيب النفوس وإخراس مؤججي الحروب والفتن. سأقوم بتفكيك مراكز القوى في اليمن التي تُهدد سلامة وأمن الوطن، ونزع كل أسلحتها لتكون تحت تصرف الدولة ويُصبح الجميع رعايا لدولة ذات سيادة.
سأُعيد هيكلة الجيش على أساس وطني بحت بعيداً عن أسرة أو طائفة أو قائد، وظيفته حماية الوطن وتأمينه وخدمة المواطن فقط. سأضع مادة في قانون اليمن تُجرم، وتوقع أشد العقوبات، على من يتعامل مع أية دولة ضد اليمن.
سأقوم باستعادة أموال الدولة المنهوبة المملوكة أصلاً للشعب وإيداعها إلى خزينة الدولة، وتوظيف هذه الأموال مع الثروات الطبيعية في بناء اليمن الجديد الذي نُريده. سأفرض على جميع اليمنيين أن يلتحقوا بمدارس تعليمية وتأهيلية مهنية لمحو الأمية في اليمن، ولإنشاء جيل قادر على البناء والعمل، وسنعمل على رفع مستوى ثقافة الفرد سياسياً وحقوقياً بحيث يتعلم كيف يختار من يحكمه.
سأستدعي النوابغ من أبناء اليمن من مهندسين وأطباء ومثقفين ومفكرين في كل المجالات ليُشاركوا في حوار وطني لينهض باليمن من عثرتها، وليخرجوا بتصور للدولة القادمة ولإعداد خطة ورؤية واضحة لليمن الجديد الذي نُريد ونسعى جميعاً من أجل تنفيذه. سأقوم بدعم التعليم والتأهيل وتطوير مناهج التعليم، وإنشاء مراكز ومعاهد للبحث العلمي. إستغلال الثروات البشرية والطبيعية لتُصبح اليمن جنة الدنيا، ويعود أبناء اليمن المغتربون الذين يُعانون الأمرين في بعض الدول الشقيقة، للأسف الشديد، ليحيا ويبني وطنه في عزة و كرامة.
"كلنا في العجز بشر" ولكني وللأسف الشديد لا أملك خاتم سليمان.. انتهى زمن الخوارق، فلا وجود للخواتم ولا المصابيح ولا العصي السحرية أو حتى أي مَرَدة، فكلنا في العجز بشر. إنتهى ذاك العصر بكلمة "إقرأ"، وأصبح العصر عصر العلم الذي يستطيع أن يصنع المعجزات فبالعلم صنع البشر الطائرات، وصعدوا إلى الفضاء، ووُجدت أغلب الاختراعات الخارقة للعادة.
نعم لا نملك المعجزات وهذا لا يعني بأنا لا نستطيع أن نُنفذ كل ما سبق .. نعم نستطيع إذا ما غيرنا ما في أنفسنا، وإذا آمنا بحقنا في الحياة الكريمة، وإذا علمنا بأنا لن نورث لأولادنا اسماءنا وبعض من متاع الدنيا فقط، بل سنورثهم محيطاً مخيفاً ومدمراً لا بل بعض من الخرابات المتشظية والتي كانت تُسمى وطن.
نعم نستطيع فعل كل ذلك وأكثر إذا ما: تنازلنا عن المشاريع الصغيرة الجزئية من أجل مشروع الوطن الكبير والحلم الجميل الذي سيجمعنا وسيوفر لنا ولأولادنا ظروفاً ومناخاً للعيش الكريم. إيجاد رؤية وحلم يمني كبير يحتوي الجميع ويوفر لجميع أبناء اليمن الفرصة لتنفيذ أحلامه واستمراريته في حضن الوطن الدافئ. أن يتحمل كل منا مسؤوليته في البناء وأن يتخلى عن أية مصالح شخصية أو ما سواها من أجل ذلك الوطن الذي سنبنيه سوياً من أجلنا جميعاً. نبذ دعوات الفتنة والاحتراب، والوقوف صفاً واحداً من أجل إرساء قواعد البناء والانطلاق في مسيرتها.
أخيراً: يجب علينا أن نعي بأن البيضة يستطيع الجميع أن يكسرها من الخارج، ولكن لا يستطيع أحدٌ أن يُغلقها أبداً، فاحرصوا على بيضتكم!