في ظل غياب الدولة وتجاهلها للموهوبين والمبدعين، أخذت مؤسسة مواهب في مدينة المكلا بمحافظة حضرموت طريقها في مشروعٍ قد يبدو طويلاً في وقته، لكنه - وبلا شك - كبير في هدفه، هناك في تلك المحافظة التي قدّمت لليمن وللعالم رجالاً صنعوا فارقاً في تاريخ كثير من الدول، قامت المؤسسة بإنشاء مركز حضرموت لرعاية وتأهيل الموهوبين حاملةً شعار «لتطلق قدراتك»، ليكون بادرة خير لتأهيل قيادات تبني مستقبل مجتمعاتها في وقت أخذ زمام الأمور مسؤولون لا يملكون من المؤهلات سوى الفساد والوساطة والمحسوبية.. بدأت فكرة إنشاء مركز حضرموت لرعاية وتأهيل الموهوبين قبل خمس سنوات من قبل بعض المهتمين بتنمية الموارد البشرية بحضرموت، وعلى إثرها قام وفد تابع لمؤسسة مواهب بزيارة عدد من مراكز رعاية الموهوبين والمدارس الخاصة في بعض دول الخليج وماليزيا.
بهذا، وضعت مواهب أول خُطوة لإنشاء واحد من أكبر مراكز رعاية الموهوبين في حضرموت، تأسس المركز في 2009م، وجعل من مدينة المكلا مقراً له، ويستقبل الطلاب ذوي المواهب المختلفة من شتّى مديريات المحافظة، والذين يتم اختيارهم على أساس ومعايير معيّنة. يقوم برعاية الطالب لمدة خمس سنوات من الصف الثامن أساسي حتى الثالث ثانوي، على أن تتم المتابعة الإشرافية في المرحلة الجامعية، ويرعى المركز حاليا قرابة 35 طالبا.
ويهدف لتأهيل القيادات الكفؤة والمؤهلة لقيادة المجتمع في المستقبل، حسب ما يقول حسين باربود مدير المركز متحدثاً ل «المصدر أونلاين»: يسعى المركز إلى اكتشاف وتأهيل الطلاب الموهوبين ليعودوا بالنفع على مجتمعاتهم، وأوضح أن قبول الطالب يتم بعد اجتيازه 3 اختبارات في الذكاء العقلي (BIQ) والذكاء الوجداني واختبار القدرات الشخصية، بعدها يخوض الطالب برنامجاً لاستكشاف مواهبه بصحبة نُخبة من أصحاب الخبرة في هذا المجال، من خلال مخيم يستمر أسبوعاً، مشيراً إلى أن الطالب يحصل بعد قبوله على امتيازات خاصة بتسجيله في أرقى المدارس الخاصة بالمكلا والتكفل بكل صرفياته الدراسية والصحية والمواصلات.
برامج المركز لاستكشاف المواهب وتطويرها يقوم المركز بتنفيذ عدّة برامج نوعية، من شأنها صقل موهبة الطالب وتنمية قدراته الشخصية والمهارية، يدرب فيها مدربون متخصصون وعلى مستوى عالٍ من الخبرة. إذ يقيم برنامج الروبوت. وقد حقق طلاب المركز في هذا المجال المركز الأول في المسابقة الوطنية الأولى للروبوت في العام 2012، إلى جانب ذلك هناك برنامج في كيفية الاختراع، والكورت في تعليم التفكير، وبرنامج صناعة القائد، وبرنامج قيادة الحاسوب، وصيانة الأجهزة الالكترونية، كما يشمل البرامج الإيمانية والتربوية الأخرى، وكلها تتم في الفترة المسائية عبر خُطط تتسم بالتدرج وجدول زمني لا يؤثّر على مستوى الطالب في الدراسة النظامية - حسب ما أفاد مدير المركز. زيادة على ذلك يقدّم المركز لطلابه برنامجاً غذائياً بإشراف مختص يُشرف على عملية التغذية، علاوة على الرعاية الصحية.
تألُق المركز يقول مدير المركز حسين باربود: خلال السنتين الأولى من افتتاح المركز حاز 11 طالباً على المركز العاشر على مستوى المحافظة في الصف التاسع. ويضيف إلى جانب ذلك اختيار طالبين من المركز للمشاركة في مؤتمر الموهبة ال 12 لدول آسيا، الذي أقيم في دبي خلال العام الماضي، بالإضافة إلى مشاركة طالبين أيضا في مخيم استكشاف الموهوبين في ماليزيا في العام ذاته. علاوة على فوز فكرة اختراع من قبل أحد الطلاب للمشاركة في معرض المخترع الصغير في بلجيكا وماليزيا. كما قبل اتحاد المخترعين في المكلا، الذي يرأسه المخترع هاني باجعاله، 22 فكرة اختراع، وتم تسجيلها باسم طلاب المركز، وهو ما يعطي مؤشراً على نجاح الفكرة وإمكانية توسيعها.
الطالب سالم بامحفوظ (17 عاما) أحد النوابغ في المركز، ومثله في مخيم ماليزيا، قال ل «المصدر أونلاين»: «أول ما سمعت خبر إنشاء المركز سارعت بالتسجيل لأنِّي أعرف مدى قدرة مثل هذه المراكز في صقل المواهب وتطويرها»، مضيفا «المركز يقدّم الرعاية المناسبة لموهوبين من خلال خلق الجو الملائم للدارسة والتفكير ويُنظم دورات نوعية في مجال التنمية البشرية والخطابة، فضلا عن إقامته للبرامج المهارية مثل الروبوت وتعليم التفكير».
وبشأن اختياره لتمثيل المركز في مخيم استكشاف الموهوبين في ماليزيا، قال بامحفوظ: «كان مؤهلي الرئيسي الذي صنع الفارق بيني وبين زملائي هو اللغة، حيث أنّي أجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة، وكنت أحاول التحدث بها منذ الصغر»، موضحا أن برامج المركز أفادته كثيراً، حيث لم يواجه أية مشكلات، خصوصاً وأن مثل هذه البرامج تركِّز بالأساس على جوانب مهارات الشخصية أكثر من غيرها، وهناك أجري معه لقاء على إحدى القنوات باللغة الإنجليزية، موضحا أن أمنيته التي تراوده هي الهندسة في مجال الروبوت والحاسوب.
معوقات العمل يقول باربود: «لدينا مشرع مستقبلي يهدف لاستكشاف وتأهيل 100 طالب موهوب، لكن مشاريع كهذه تحتاج إلى النفس الطويل والاستمرارية، وهي أهم العوائق في طريقنا؛ لأن مجال التنمية البشرية ورعاية المواهب يحتاج إلى وقت طويل وبرامج على مستوى عالٍ ومدربين يصعب الوصول إليهم، وإن وصلت فيحتاجون مبالغ طائلة».
ويناشد باربود المنظمات التربوية ورجال الأعمال وكل المهتمين إلى الالتفات لهذه الفئة؛ لأنها ستختصر الطريق، وتحدث قفزات سريعة في النهوض بالمجتمع - حسب وصفه، مطالبا الجهات الرسمية السعي لبناء مراكز مشابهة في عواصم المحافظات لرعاية الموهوبين الذين غالباً ما تذهب قدراتهم ومواهبهم هدراً لعدم رعايتها الرعاية الصحيحة.
ويزخر الوطن بالكثير من الموهوبين والمبدعين الذين يحول وضعهم المادي وغياب دور الرعاية دون تحقيق أحلامهم وطموحاتهم في ظل تجاهل الدولة لهم، بل يصل الطريق بأغلبهم إلى اليأس وترك موهبته؛ باحثاً عن لقمة عيشه في بلد لا يكرّم الموهوبين والمخترعين، وصار من المُمكن أن نطلق عليه «مقبرة المواهب».