مُذْ تحسنت الكهرباء ساءت علاقتنا بالظلام والشموع، تراجعت احتفالات اللعن الليلية وضعف الحس الاحترازي العام بتوفير بدائل الإضاءة الممكنة لمواجهة الانقطاعات الدائمة والمتكررة. بدأنا نعتاد النور بعد عقود من إلفنا للظلمة والعيش على القليل المنقطع من التيار وغيره من ضرورات البقاء. صرنا أقل تقبلاً للعتمة، واستحال الخلق التصالحي المذعن إلى نفورٍ حاد. أنستنا حياة النور الكثير مما تربينا عليه في كنف الظلام الحاكم كالتأقلم والتكيف وإطفاء الحاجة للضوء والرضوخ. كانت الكهرباء مؤسسة سلطوية تؤدي خدمات إخضاعية. منظومة قهر أكثر ما يتسرب عبرها الحاكم ونظامه. كانت أداةً دعائية ورافعةً انتخابية ووسيلةَ انتقام.
لم تكن الكهرباء هي احتياج الناس. كان الزعيم هو النور الأكثر أهمية، هو أكبر الضرورات ووصل الجميع به مقدم على كل الخدمات الأساسية وتوافرها أو انقطاعها مرهون به على الدوام.
مذ مجيء د. صالح سميع وهو على جبهة النور يحارب بلا هوادة. الجهود المضيئة لوزارته ولفريق المهندسين الفرسان حررت مدائننا من قبضة الظلام ونعمنا بتيار دائم بعد عقود من الإهانة والتخبط في الظلمات.
ندين لقيادة وزارة الكهرباء ولهؤلا المهندسين باستمرارنا مضائين موصولين بالحياة.لم يمنحوا أعداء النور فرصة للشعور بنشوة الانتقام ولذة الانتصار. هو صراع إرادات يمثلون فيه إرادة وطن اشتعل ثورةً تستعصي على الانطفاء. هذه المواجهة الباسلة تعزز فينا روح التحدي، تبقي شعلة الثورة داخلنا متأججة تحسم رفضنا الرضوخ لحكم الظلام.
أمس كانت الضربة أقوى وأعنف تفصح عن رغبة آثمة بالبقاء لأطول فترة ممكنة، وكانت فرصة لاستعادة جو قديم كدنا ننساه. أحييتُ طقس تذكرٍ على لهب الشموع، لكني لم أكن ذاك المنطفئ المهان. الشمعة لم تكن هي ذاتها، كانت لهباً آخر يتراقص سخرية من العتمة البائسة هازئاً من محاولاتها التخريبية اليائسة.
أعداء الكهرباء الذين يستهدفون الأبراج والكابلات بغاراتهم الليلية والنهارية ليسوا مجرد مخربين جانحين يدفعهم نزوع ذاتي متأصل للجريمة. ليسوا مجرد أشرار مصابين بمس شيطاني لعين ولا مجرد أوباش بمزاج مكهرب يخلصهم قطع التيار من الكثير من الضغط ويشعرهم بالتحسن. هم خلية إرهابية منظمة تقوم بعمليات خاصة لصالح طرف سياسي نعرفه ولا نحتاج إلى أي ضوء لكي نراه . العتمة وجهُهُ هي أكثر مايدل عليه ويسفر عن صورته وسيرته وأحلك ماضٍ حكمنا فيه الظلام.
استهداف خطوط الطاقة والإمدادات النفطية كانت ضمن المعطيات التي اتخذ على أساسها مجلس الأمن قراره الأخير ضد صالح. وهذا كافٍ لإدراك أبعاد المؤامرة والذهاب بعيداً نحو مصدر الظلمة والنقمة والشرور المنفلتة.