نقلت الأقدار الرئيس هادي من علم مطفي إلى علم مليء بوهج الأحداث؛ بالخوف والموت والدمار؛ ليجد نفسه وجهاً لوجه مع الخطر المروع؛ وليس ثمة خيار آخر أمام الرجل غير ترويض المخاطر كي ينجو وينجو الوطن معه بعد أن حولته الحروب إلى غابة. فبدأ بترويض نفسه أولاً حتى وصل إلى الدرجة التي واجه فيها المخاطر ومنع كوارثها وبخطوات متزنة نجح في بناء قدر كبير من علاقة تفاعلية تكاملية مع الشعب وقواه الوطنية، أدت إلى سد الكثير من الثغور التي طالما نفذ منها أعداء الوطن، وصولاً إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي فرضته «الحتمية الاجتماعية»؛ ليكون محطة تاريخية مفصلية في حياة اليمني، وفاتحه للعبور بالوطن إلى مرفأ الأمان. حوار عميق بين قيادات الشعب وصولا إلى «استيلاد» دولة يمنية حديثة ديمقراطية في منطلقاتها الايديولوجية وممارستها الفعلية.
إن مسيرة التلاقي بين القوى اليمنية في مؤتمر الحوار الوطني ينبغي أن تستمر في كل اتجاه وفي كل قضية وعلى كل مستوى؛ لا كمجرد تعبير عن الإحساس المشترك بالمخاطر التي يواجه الوطن وتهدد وجوده؛ بل أيضا كتعبير عن مستوى النصح الذي وصلت إليه قيادات المجتمع ومفكروه ومثقفوه ومناضلوه بعد مسلسل التجارب المريرة التي مر بها الشعب، والتي كان الانقسام والتناحر والأحزاب والتخلف والإرهاب العناوين البارزة لليمن، واليوم وأكثر من أي وقت مضى فإننا نقترب من تحقيق مهمات استكمال هدف الثورة والتغيير؛ من المؤسف أن نرى أناسا من أبناء بلدنا ينتقدون مؤتمر الحوار الوطني جملة وتفصيلاً عبر كتاباتهم وحواراتهم ومقابلاتهم، بل وصل الأمر ببعضهم ليصف مؤتمر الحوار الوطني كمشكلة، مستندين إلى قصور حدث هنا او زلل وقع هناك. نقول لهؤلاء إن مؤتمر الحوار الوطني أكبر من أن يختزل أبعاده في حزب أو قضية او شخص أو زمن، انه إبداع متعدد الأبعاد، يستنهض الفاعل فردا وجماعة كلا في مجال والمشكلة أن البعض يجهلون موقع اليمن اليوم.
إن من الحتميات الاجتماعية أن للتاريخ دورة وتسلسلا تفرض على أعضاء مؤتمر الحوار الوطني في حل مشكلتنا وأن ينظروا مكان اليمن (من دورة التاريخ) وأن يدركوا أوضاع الوطن وما يعتريه من عوامل الانحطاط، وما يحتوي عليه من أسباب التقدم، فإذا ما حددوا مكان الوطن من دورة التاريخ سهل عليهم أن يعرفوا عوامل النهضة أو السقوط في حياة المجتمع.
لقد كان أعظم زيغنا عن الطريق الموصلة للتقدم أننا نجهل النقطة التي منها نبدأ تاريخنا، ولعل أهم ما يميز الرئيس هادي أنه وضع في حسبانه هذه «الحتمية الاجتماعية» ويسعى لاستغلالها ويحث الشعب على أن يدرك مكانه من دورة التاريخ، ومن هنا نقطة البداية ليستمر قطارنا في طريق المستقبل المنشود، وعليه فإنه لا يجوز لأحد من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني أن يضع الحلول والمناهج مغفلاً مكان أمته ومركزها، بل يجب عليه أن تنسجم أفكاره وعواطفه وأقواله مع ما تقتضيه المرحلة الحالية التي فيها مكان اليمن من ثورة حضارية.