انا المرحوم المغفور له بإذنه تعالى خالد سلمان.. أكتب إليكم بسعادة بالغة بمناسبة الذكرى الأسبوعية الأولى لموتي لفرادة لم ينلها أحد قبلي.. ولن تكون متاحة لأحدٍ بعدي فرادة أن اشهد موتي حياً.. وعلى الضد من يوميات بابلونيرودا «أشهد أني عشت» فأني أشهد أني مُت المفارقة أن أتلقى خبر موتي وأنا في لحظة «النيرفانا». مع فيروز أردد معها: «يا سنيني اللي راح ترجعي لي.. إرجعي لي شي مرة إرجعي لي.. ردي لي ضحكات اللي راحوا.. والي بعدها في زوايا الطرقات».
تحسست وجهي في جردة حساب للتجاعيد.. أسلمت رأسي للوسادة. بانتظار موت قد يأتي بعد ساعات.. ولكنه أبطأ ولم يأت.. ربما لاستشهاده أن بلادي تعيش تخمة نعوش.. فقراً ومرضاً.. غصصاً وبرصاص موَّجه أو عابر للصدف.. وإن بلادي المتورمة بالضحايا لا تعيش عجزاً في موازنة الموتى كي تبحث عن سد خانة العجز من أبنائها المشردين في أصقاع شتات الدنيا.
فرحت وحزنت لموتي.. مع أن الأمر سيان.. فجينات القهر وهي وصفة ناجعة للموت السريع.. تلازم اليمني كشبح ظل أينما كان في عاصمة الموت الرخيص صنعاء.. أو في عاصمة الضباب.. لا يهم إن اهتز نبض الحياة في شرايين دمك.. أو كنت جثة باردة هامدة ففي مقاييس بلادي يستوي فيها الحي والميت.. مع فارق سخيف أن الأخير يجد ملاذاً يواري فيه جثمانة.. فيما أحياء بلادٍ أنا منها، بلا ملاذ آمن أو عيش كريم.
في بلادي الناس حزنى لأنهم أحياء.. مكلومون لأن امد عيشهم ربما يطول بعض الوقت إلى زمن مايصبح فيه شبر أرض لقبر عصي المنال.. وتصبح جبَّانات الوطن برسم وعقد إيجار وجباية تدفع لملاك الأرض/ العقار.. لصوص حيوات الناس آمال.. وثروات قاطني هذه البلاد.
ليست هناك حياة في بلادي لذا لا عجب إن علمونا في فصول المدرسة الأولى طقوس الموت، كيف نموت وكيف نُدفن وكل عمليات غسل الموتى وإعداد الكفن.
لا عجب إن خلت كراريس المدرسة من قصص تحتفي بالحياة تحاكي خيال الصغار عن عصفورة ساحرة، وعن ثعلب ماكر وكيف تهزم حمامة بيضاء دسائسه ذوداً عن فرخ حمام.
إنها بلاد يزهر على كتفيها الموت.
وبين زواريبها تذوي رغبة البقاء. إذن، لا فرق إن كان موتي دعابة مواقع افتراضية أو حقيقة قائمة.. الأمر سيان طالما حملت وشم بلاد. اسمها اليمن
على هامش موتي المزعوم • في عزائي انا الرجل الميت تلقيت من أم الأولاد برقية عزاء ملفوفة بوجبة عصيد ساخنة.. في نهار غربة باردة، حينها تمنيت أن أموت كل يوم الساعة الثانية عشرة وقت الغداء.. شكراً أم الأولاد.
• لأني رجل انتهازي مستجد.. وقناص فرص.. وجدت في اتصال ابني عمر وصوته المرعوب القادم عبر الأثير من أمريكا.. فرصة لأمد يدي إلى جيبه.
• إما أن ترسل حفنة دولارات إمبريالية الآن وإما أن أموت.. هو لم يرسل بعد.. وأنا لم أفكر بعد بالرحيل مازلنا في شد ومناورة أشبة بحكاية الفيدرالية وفك الارتباط.. إي من يكسب، بالمناسبة لولى لقيمات أم الأولاد.. ودعم عمر لكنت الآن مفوضاً سامياً لمنظمة جياع الأرض في بريطانيا.. نزيل فندق خمس نجوم جوع!!؟
• أخيراً شكراً لمن اتصل وعزى.. سأل وواسى واطمأن، شكراً لسامية الأغبري وتوكل وهمدان دماج.. أو لكل من قال سراً وعلانية.
أوووف أخيراً رحل.. أخيراً استراح وأراح شكراً لمن رمى خلفي حصوات سبع وأحتفى واعتذار صميم لعرفات الشاب المقوتي الجميل الذي راعه موتي ليس حباً في شخصي بل حنقاً على جنيهات خمسة قيمة حزمة قات لحين دُفنت مع المرحوم بلا سداد إلى الأبد.