سأموت.ولو لا أدري كيف..لكن سأنهي حياتي الغير مهمة هنا، سألغي الصلة الوحيدة التي تربطني بالناس والعالم، لقد أصبحت عديم الفائدة وعبئا على الكل، وربما سأبقى هكذا لبقية حياتي، لكني سأغافل البقية هذه وأفاجئها..نعم هكذا..وفجأة حتى أضمن نجاح خطتي، هي لن تشعر بأي شيء فقد تجمدَت تماما عن الشعور بأي حركة، اليوم، غدا، بعد أسبوع، سنة، سيان عندها. سأطوح بها بعيداً، بعيداً جداً فلا يكون بإمكانها العودة لتمتطي ظهري كعجوز هرم يمتص شبابي باستعبادي، تبا حتى ظهري بدا يتقوس للأمام، تبا لها..وتبا لهم كلهم.. منافقون، كذابون، لسنوات وهم يتذمرون من ضيق الحال وينامون على مخدة محشوة بأحلام السيارات والبيوت والأرصدة لدرجة ستتنافر أثناء نومهم مع اللعاب!، ثم فجأة وبدون إنذار مسبق يطيرون للأعلى،( فوووق)، وكأن أجنحة نبتت فيهم فجأة! وأنا على حالي، ربما لأني لم أكن أتذمر مثلهم! وكنت قانعا تماما بما معي، ثم أراهم يتمنون أشياء كبيرة و غير مهمة، غير مهمة على الإطلاق. كنت أجاوبهم بأن ( في الحركة بركة)، والبيت الواسع الخالي مخيف خصوصا وأني أسكن لوحدي! ثم المال الزائد سيحملني همّ مسألة كيفية إنفاقه! لكن بعدها ينظرون إليّ باحتقار وكأنهم سيبصقون عليّ أو سيرجمونني بكؤوس الشاي المر. طيب ما ذنبي؟ ( أهوه!) حصّلوا ما تمنوه بكل الطرق !، ويسمونها “سرقة حلال” “ مال ينتظر أن يأخذه أحد”.. قلت لهم، رأيي لن يغير أقدارهم أبدا، فليس وكأني أحمل خاتم سليمان! لذلك لا يجوز أبدا أن يثيرهم رأيي هكذا علي! لمّا غلبهم الفشل جسّدوه فيّ، وقالوا “ أنت مُحبِط”..وينادوني “وجه النّحس”..أنا!..تبا.. أما الآن فيتجاهلونني كلية كأني أجرب، في السابق كنت أجلس وأسمع نواحهم باهتمام وتأثر، وأدفع ثمن الكؤوس، والآن حين اشتروا لا يشاركوني ولو بالكلام! طيب ادفعوا لي الآن ثمن فنجان شاي في المقهى؟ مر، مر، لا يهم، سأشربه. الآن الناس يصوبون علي أصابعهم في كل شيء. ذلك الرجل الغريب فجأة ناداني في الشارع، نعم قال اسمي وبصوت عالي!، التفتُ مرات حتى تأكدت أنه يقصدني، ولما وصلت قال لي “ لم يا بني لا تصلي”، عرفت من هيئته أنه إمام مسجدنا الحالي بعد موت العجوز، كانوا يقولون أنه-رحمة الله عليه- ينسى الآيات! قلت له أني أصلي في البيت لأني أتعب في غسيل ملابسي القليلة، ولا أقدر على شراء غيرها. غضب واتهمني بأني أقول عن (بيت الله) أنه وسخ! أنا! متى؟ قلت مسجدنا فقط هو الذي وسخ، لا أحد ينظفه. وابن العمدة نفسه لا يصلي أبدا اللهم إلا الجمعة؟ لم لا يكون هو الكافر وليس أنا؟ ثم يلقون علي الأسباب، حتى الغبية بنت الغبي الجزار شتمتني وكادت أن تضربني! قالت أني أتحرّش بها، أنا؟! من جمالها وجمال أبوها ذي الكرش، كل ما أردته هو أن نتزوج، تعتني بي وبالبيت فتجد شيئا تعمله بدلا من وجودها الدائم في الشوارع، حتى لحم محل أبوها لا آكله! لكنها مازالت تلهث خلف الزير غانم، الأصلع الذي لا يعرف كيف يقرأ جريدة، يقول (المنعول فلان)! هههه، (منعول) ويمشون وراءه! وأنا، متوسط الإنجليزية الذي تعلمته من كتاب “الإنجليزية بلا معلم” لا يؤخذ في الحسبان!. ولما رماها قالت أني السبب! (هيه)، لست أنا من تبيت عنده تلك الليالي! الكل يعرف ذلك، ثم قالت أنه غضب منها بسببي! يا الله رحمتك!، لم أكلمه يوما فكيف يغضب من شخص لا يعرفه؟ طيب هو أصلع ووسخ أيضا، ماذا ستقولين الآن يا غبية يا بنت الغبي؟ هههه! سأريحهما تماما، وأزيح نفسي من طرق أقدارهم المتعثرة. بعدها لو لم يتزوجها لا تقل أني نحستها في قبري! إذن قررت، اليوم نعم، لا بل الآن، لا جدوى في بزوغ شمس يوم جديد عليّ، أعمالي غدا لو بدأت لن تنتهي. لا يهم أي شيء بعد موتي، فليس أني سأشعر بهم هناك أيضا! تحت الأرض طبعا، تحتها، عليها، أين سأكون بعد ذلك لا يهم ولو لم يدفنوني، لن أتكلف عناء التفكير بعد ذلك، سأكون كالنائم، أسمعهم وأضحك عليهم. أوه يكفي، الآن كيف سأقتل نفسي؟..المسألة صعبة، كان من المفروض أن أشتري ذلك التلفاز المستعمل، العرض كان مغريا، وكنت سأجد – الآن- من يساعدني ولو بالفكرة! لكني أجّلت شراءه للشهر الذي يليه فأخذه -العريس الجديد- الحلاق! يا ربي لمَ على الناس أن ينظروا دوما لما أريد ويسبقوني عليه؟! لكن لم يهم وقتها ولم أشتكي لأني لم أتعود عليه، كالغبية حين قلت لها أني لم أتعود عليها فلو رفضتْ إذن لا يهم. في المقهى القريب هناك تلفاز، يضعون فقط الأخبار، أوف مللت من الأخبار، كلها انفجارات وأشلاء ودم!!..وحرب ومؤتمرات وخطب. فقط حين يكثر الشباب يطلبون قنوات الأغاني والرياضة!. كان “سالم” يقول أنه لا توجد سوى القناة الأولى والثانية وهذه قهوة محترمة فيضحكون ويصيحون “هيا قوموا، ما الذي يجبرنا”. اشترى أخيرا (دش)* بعدما مات معظم الزبائن القدامى. قلت له “هذه أشياء جميلة تستحق أن نجلس ونشرب لأجلها”، قال “اسكت يا وجه النحس” .حتى هذا الأمي!..ماذا قلت ليغضب؟ آه في التلفاز فقط نساء تستحق أن يشتكين من التحرش، فلتأتي حبيبة (المنعول) وتتفرج. طيب، كيف أقتل نفسي إذن؟. أقطع عروقي! ، هنا عند المرفق، أستطيع أن أراها، لكن طول عمري وأنا أتجنب رؤية مرور السكاكين على اللحم وأكره رؤية الدماء، وفي أيسر حالاتي أشتري الدجاج. لااااا، لن أقطع عروقي، الثواني وربما الدقائق! التي سأقضيها قبل أن أموت وأنا أراقب قطرات دمي النازفة لن أتحملها، الشرط الأول لا دماء فلأنسى هذه الميتة.. ربما سأطلق النار على رأسي أو تحت ذقني كما في المسلسلات، يقولون هذه أسرع ميتة فلا تكاد تشعر بالموت! وأتساءل كيف لا يشعر أحد بالموت؟! حين كنت صغيرا مررنا على صرصار مقلوب على ظهره ويتلوى بقوة، أرجله تضرب الهواء إلى أن سكن أخيرا، قالت جدتي لي “أنظر الموت شديد حتى على الحشرات، اللهم أجرنا من قسوته” أنا كنت أفكر وقتها هل أدوس عليه، أم أتركه! آه، أنا أحمق، يا ليتني خلصته! ثم سيكون علي أن أبحث عن مسدس، ومن سيتجرأ ويعيرني واحداً؟ ولو سألوني ماذا سأقول؟ أكذب! أم أقول ببساطة أني أريد قتل نفسي، من سيصدقني؟! ولو لم أمت عندها المصيبة أعظم، سأصبح بعاهة مستديمة، وأنا لا أتحمل – في وضعي الرتيب هذا - أي عاهات، وبعدها هناك المستشفى، والعمليات ، ونقل الدم، والمال!، لا يا عم المسألة مكلفة جدا، أشد كلفة من أن تستحق. وجدتها! سأشنق نفسي، وبدلا من أن أترك جسدي يتدلى، وأصارع الهواء وأتعذب سأرميه بقوة للأرض فيُدق عنقي وأموت، هكذا في غمضة عين، ربما يُقطع رأسي مرة واحدة، هكذا أفضل، لكني لا أملك مروحة ولا شيء آخر في السقف أعلق نفسي عليه، ولا يجوز أن أفعلها في الشارع، والناس، آه منهم فضوليون ودوما يتدخلون فيما لا يعنيهم. سيوقفونني ويقولون خلصناه من الموت! ربما سأتجرع السم، لكن الأسبوع الماضي عانيت كثيرا من نزلة البرد البغيضة تلك، إسهال ووجع بطن، كنت أتقيأ طوال المسافة من الغرفة إلى الحمام إلى أن تعبت وأكملت ليلتي أتقيأ على فراشي والعرق غطى جسمي بغزارة، وفي اليوم الذي يليه كانت رائحة البيت كله نتنة! والأسوأ أني نظفتها كلها. يبدو أن الموت أصبح صعبا جدا هذه الأيام، ولو استأجرت أحدا لهذه المهمة سيطلبون منك المال...آه المال، المال، يا إلهي ألا يوجد قاتل يفعلها ولو صدقة، مهمة إنسانية يعني. حسنا يبدو أني سأؤجل المسألة حتى تتحسن الظروف..! أكتوبر 2005 * ( صحن لاقط للقنوات الفضائية)