سوف يخصص المؤتمر الدولي، عالي المستوى، المزمع عقده في لندن في الثامن والعشرين من يناير الجاري، لمعالجة الموقف الأمني الخطير في ثلاث من الدول، التي مزقتها الحرب، وأطل تنظيم "القاعدة"فيها برأسه مجدداً بعد فترة من الكمون، وهي أفغانستان، وباكستان، واليمن. وهذا المؤتمر سيحضره زعماء سياسيون من الولاياتالمتحدة وأوروبا، بالإضافة إلى رؤساء دول، أو وزراء خارجية من المنطقة وما وراءها، وجميعهم يشعرون بقلق عميق جراء الصراعات المستمرة في تلك الدول، والتهديدات التي تشكلها على الأمن الإقليمي.
ومن المتوقع كذلك حضور ممثلين لدول الشرق الأوسط الرئيسية، مثل تركيا، والسعودية، بالإضافة إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي. ونظراً لحرصها على حماية نفسها من "طالبان" ومن تجارة المخدرات الأفغانية التي تشكل هماً كبيراً لها، قد تقوم إيران أيضاً بإرسال مبعوث لها إلى لندن.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار النزاع القائم بينها وبين القوى الغربية، حول مشروعها النووي، الذي تصر على أنه مخصص للاستخدامات المدنية ويصر الغرب على أنه مخصص لإنتاج سلاح نووي في خاتمة المطاف، فإن مثل هذه المشاركة قد توفر لها - طهران - فرصة لنوع من الدبلوماسية الهادئة في تعاملها مع الغرب.
وقد دعا وزير خارجية بريطانيا لعقد هذا المؤتمر من أجل صياغة "استراتيجية سياسية واضحة"، بيد أن ذلك قد يكون صعباً، وهو ما يتبين من الخلافات في الرأي التي ظهرت مؤخراً.
والخلاف الرئيسي في هذا الصدد هو- بشكل مبسط - خلاف بين هؤلاء الذين يريدون السعي بكل ما وسعهم من جهد من أجل تحقيق تعاون عسكري بين الدول المشاركة في الحرب، ضد "طالبان" سواء في أفغانستانوباكستان - وبالطبع ضد القاعدة - وبين هؤلاء الذين يحذرون من أن الضربات الجوية، والحملات العسكرية لن تحل مشكلات المنطقة كما يعتقد، بل قد تؤدي إلى تفاقمها.
والحاصل أن الاستراتيجيات الغربية العسكرية تتعرض في الوقت الراهن لانتقادات عنيفة، في عدد من الدول. فنحن نشهد الآن، ما قد أصبح يبدو على نحو متزايد تمرداً متنامياً ضد العمليات العسكرية التي تقوم بها قوات الولاياتالمتحدة و"الناتو"، على أساس أن تلك العمليات لا بد، وأن ينتج عنها خسائر بين المدنيين، مما يؤدي إلى إغضاب، وتنفير، السكان المحليين وهز استقرار الحكومات بالتالي.
أثناء الزيارة التي قام بها لباكستان الأسبوع الماضي، حث وزير الدفاع الأميركي العسكريين الباكستانيين على تشديد هجومهم ضد "طالبان" في نسختيها الباكستانية والأفغانية.
ولكن المتحدث باسم الجيش الباكستاني عارض ذلك بحجة أن الجيش الباكستاني مثقل بالعديد من المهام في الوقت الراهن، وأن الأمر قد يتطلب منه فترة تتراوح ما بين ستة شهور إلى عام حتى يمكنه الشروع في عملية جديدة.
ويشار في هذا السياق إلى أن باكستان، ونتيجة للضغط الأميركي، قد شنت حملات متكررة ضد "طالبان "باكستان في مناطق القبائل الواقعة في الشمال الغربي من البلاد والمتاخمة لحدودها مع أفغانستان - وتعرضت نتيجة لذلك لانتقام "طالبان" التي شنت عليها هجمات انتحارية مدمرة، غير أن من الواضح أنها غير راغبة في مد نطاق الحرب بحيث تشمل "طالبان" أفغانستان، أو حتى "مجموعة حقاني" وهي مجموعة متطرفة أخرى.
وهناك في الحقيقة شكوك قوية حول رغبة باكستان في الاحتفاظ بتلك الجماعات كاحتياطي لها تستخدمه عند اللزوم في التصدي للنفوذ الهندي في أفغانستان عقب انسحاب قوات الولايات والولايات الحليفة من هذا البلد.
على نفس المنوال، أوضح وزير الخارجية اليمني مؤخراً إنه في الوقت الذي يرحب فيه اليمن بالمساعدات الاقتصادية من الغرب، إلا أنه لا يريد أن تجري الولاياتالمتحدة أي عمليات عسكرية على أراضيه، لأن الغارات العسكرية على المواقع المشتبه بها لتنظيم "القاعدة" في اليمن، لن تنجح في تدمير المتطرفين كما يعتقد، ولكن ستمكن "القاعدة" بالتأكيد من تجنيد المزيد من المتطوعين وجعلها أكثر قوة.
والشاهد أيضاً أن الرئيس الأفغاني قد بدأ يظهر بعض علامات التمرد على التكتيكات العسكرية الغربية. ففي مقابلة أجراها مع هيئة الإذاعة البريطانية"بي. بي. سي" الأسبوع الماضي، أعلن أنه سوف يواصل جهوده لتحقيق مصالحة مع طالبان"مهما كان الثمن".
والواضح أنه بعد أن أصبح يمتلك موارد كافية - في صورة أموال طائلة مقدمة من المجتمع الدولي، قد بات أكثر وثوقاً في قدرته على إقناع "طالبان" بفك تحالفها مع" القاعدة".
لكي يحقق مؤتمر لندن النجاح عليه أن يكسر بعض التابوهات.
إن إرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان لن يؤدي إلى هزيمة "طالبان"، والطريقة الوحيدة لترويض الحركة، وقطع روابطها في خاتمة المطاف مع "القاعدة" من خلال إشراكها في الحكومة، هي التعهد بسحب القوات الأجنبية، التي يقابل وجودها بالنفور العميق من قبل قبائل "البشتون" المعروفة بشراستها، وحرصها الشديد على استقلالها وحريتها، وكراهيتها للأجانب.
وكما ارتأيت دوما، يجب حشد جيران أفغانستان: إيران، باكستان، تركيا، السعودية، بل وحتى الصين، لرعاية مؤتمر سلام ل "اللويا جيرجا"، أو مجلس القبائل الأفغانية، يتم فيه تمثيل جميع الأطراف المتحاربة والمجموعات العرقية.
والهدف المباشر لعقد مؤتمر" اللويا جيرجا" المقترح، هو إعلان وقف لإطلاق النار في كافة أنحاء باكستان، وابتكار صيغة لتقاسم السلطة لتحل محل النظام الرئاسي الحالي الذي يتسم بالمركزية الشديدة، وتمهيد الأرض لانسحاب القوات الأجنبية، مع تنفيذ برنامج تنموي ضخم، تديره المنظمات المختصة التابعة للأمم المتحدة.
واليمن بدوره يحتاج إلى صيغة مماثلة للإنقاذ: فهو يحتاج أولاً إلى قيام الدول المجاورة برعاية مؤتمر سلام يهدف إلى تحقيق المصالحة بين صنعاء وبين المتمردين الشماليين، وبين الانفصاليين المحتملين في الجنوب.
كما يحتاج إلى مواجهة الفقر الشديد الذي يعانيه من خلال ضخ كميات كبيرة من المساعدات الأجنبية المراقبة بشكل دقيق، للحيلولة دون تعرضه لخطر السقوط في هاوية الفوضى. وجيران اليمن من الدول النفطية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، لديها دور كبير يمكن أن تلعبه في هذا المجال. الاتحاد الإماراتية