كالعادة انتقلنا إلى خطوة غير محسوبة. يحلو للبعض الحديث عن الفيدرالية وكأنها الحل الوحيد. حسناً، ليست الفيدرالية في جميع الأحوال خياراً جيداً. يمكن الدفع بحقيقة أخرى، مفادها أن الفيدرالية ليست شكلاً واحداً، فالفيدرالية التي يتم تطبيقها في ماليزيا على سبيل المثال تختلف عن تلك التي في الولاياتالمتحدةالأمريكية أو ألمانيا أو جنوب أفريقيا. في اليمن، لا يوجد فرق بين الفيدرالية ومصلحة الأراضي، إذ يتم التركيز على الجغرافيا بشكل جنوني، وكأننا أمام مزاد في هذا المجال. الدول لا تُبنى بهذه الطريقة. الفيدرالية- وهذا ما أميل إليه- تعني تفويض الصلاحيات، ولذلك يعدها علماء السياسة شكلاً من أشكال الحكم الديمقراطي، يتم فيه اقتسام السلطة بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية.
في الحقيقة كان يجب التفريق بين السلطة والتسلّط بعيداً عن النماذج الجاهزة؛ فيدرالية من إقليمين، فيدرالية من عدة أقاليم، انفصال.. الخ. هذا الكلام يأتي لاحقاً، في هذه المرحلة يجب معالجة السلطة بطريقة تحقق العدالة والتنمية والمشاركة. يمكننا أن نؤسس فيدرالية خاصة بنا، فجميع الدول التي تحولت لفيدرالية وعددها 28 فعلت هذا الأمر.
هل تتذكرون الحديث عن حكم محلي واسع الصلاحيات؟. أظنكم تتذكرون. بعبارات قصيرة، من الناحية العملية الحكم المحلي هو فيدرالية، وعبارة "واسع الصلاحيات" لا محل لها من الإعراب هنا، عندما نقول حكم محلي، فهو حكم، يشير لوجود حكومات وبرلمانات محلية. صحيح أن من كان يطلق هذه العبارة لم يكن يفكر أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة، ربما ما كان يطمح إليه هو انتخاب المحافظين والمحليات. لا يجب أن نستعجل، هذا الخيار يعني ببساطة أننا دولة فيدرالية.
هناك دول فيدرالية لا تعلن أنها فيدرالية، خوفاً من أن يكون ذلك مقدمة لتفكيكها، على سبيل المثال، جنوب أفريقيا وأسبانيا وبدرجة أقل فرنسا، لا أعرف، لكن لا أصدق أننا أكثر نضجاً من دولة مثل جنوب أفريقيا ومن دولة اسمها أسبانيا.
لكي تنجح الفيدرالية لا بد من توافر مجموعة من الشروط كما يقول علماء السياسة، أبرزها، سيادة الدستور والقانون، والتسامح، ووجود هوية مشتركة، وتجانس بين التجمعات السكانية التي تشكّل الأقاليم. بالإضافة إلى أمر مهم للغاية وهو الإيمان بأن الفيدرالية عملية قابلة للتعديل وفق حاجات الناس ومتطلباتهم، فلا يوجد دولة فيدرالية ظلت بمنأى عن التقييم والمراجعة ومعالجة الاختلالات.
عل العكس من ذلك، يبدو أننا سنذهب للفيدرالية دون التقيد بشروطها ودون فهم لفلسفتها، وهذا يعني أن اليمن كدولة في خطر. مشكلتنا أن الذين اختاروا الفيدرالية في العالم فعلوا ذلك ليتوحدوا أو ليحافظوا على وحدتهم، أما نحن، فندافع عن الفيدرالية وفي عقولنا ما تزال تعشعش نزعات الانفصال والتشظي.
متى نفهم أن الذهاب إلى الفيدرالية مثل الذهاب إلى المدرسة، فلكي ننجح في هذا الاختبار، يجب أن نقوم بأداء واجبات ضرورية ومحددة، فالأمر ليس ذهاباً وحسب، فهناك دائماً من سيذهب إلى الجحيم.