وحده سلاح المقاومة هو الذي يخشى عليه حقيقة من التدمير والتجريد؛ لسبب بسيط وهو أنه هو وحده الذي يخشى العدو منه بعد أن عانى منه ما عانى.. أما الأسلحة الأخرى - الرسمية أقصد- فهي مثل مصاصات الأطفال البلاستيكية (تسمى أيضا: الكذّابة!) الغرض منها الإلهاء والخداع ليس إلا، أو الاستعراض في المناسبات الوطنية، أو قمع التمردات الداخلية؛ فضلاً عن مهمتها التاريخية وهي استخدامها للوصول إلى السلطة بالانقلابات أو لتعزيز نفوذ ابن رئيس الجمهورية وتأمين خطة وراثته لأبيه! وقد نفهم أن البعض يتألم وهو يرى أعداء الأمة يدمرون الأسلحة الفتاكة التي امتلكتها بعض الجيوش العربية؛ حزناً على مقدرات الأمة، أو يحزن وهو يرى الجيوش؛ المفترض أنها معدة لحماية الأمة من أعدائها الخارجيين؛ تخوض معارك لا تنتهي مع شعوبها ومعارضي النظام في الداخل.. قد نفهم ذلك؛ لكن أن تتحول المناسبة إلى وسيلة لتزييف وعي الناس بأن المستفيد الحقيقي من ذلك هو إسرائيل فهذا أمر يحتاج إلى دليل أن هذه الجيوش ليس لها عدو حقيقي إلا.. إسرائيل!
من الثابت المستحيل إنكاره أن صواريخ المقاومة وليس الجيوش العربية هي وحدها التي ضربت قلب إسرائيل منطلقة من غزة وجنوب لبنان في حروب حقيقية؛ وليس مجرد قصف يأس كما حدث عام 1991.. ومنذ انتهاء حرب 1948 لم يؤثر أن جيشاً عربياً ضرب العمق الصهيوني؛ رغم أن زمناً جاء كان يمكن للسلاح العربي أن يدمر كل الكيان من هضبة الجولان والضفة الغربية وغزة حيث كانت تتمركز ثلاثة جيوش عربية، وتحيط به إحاطة السوار بالمعصم.. لكنه كان سواراً ذهبياً للزينة وليس للإيذاء.. أما بعد 1967 فقد طالت الخطوط، وصارت المعارك تجري في أرض العرب أنفسهم، ولم يعد أحد يحلم؛ فضلا أن يهدد؛ بقصف مدينة صهيونية حتى جاء زمن المقاومة التي صارت هي وحدها فقط التي تهدد.. وتفعل!
لا يعني ما سلف أننا نؤيد تجريد الجيوش العربية من سلاحها، أو نفرح لأنها كما يقال مشغولة بمطاردة الإرهابيين (العرب فقط!)؛ فكلامنا واضح وهو عدم استخدام ما يحدث الآن في مصر وسوريا لتزييف وعي الناس حزناً على الجيوش التي تخيف إسرائيل وتطير النوم من عيون الصهاينة، وصنع قداسة زائفة لجيوش فاشلة عانت منها شعوبها وأمتها أكثر بكثير مما حدث للعدو المتربص.. فهذه الجيوش في الأخير هي جزء أساسي من منظومة القهر والاستبداد والفساد التي أفشلت كل مواجهاتنا مع العدو التاريخي؛ بل جاء وقت كانت تحميه وتمنع كل تحرك ضده حتى أن أوائل شهداء المقاومة في الستينيات قتلوا بنيران صديقة من الخلف، وظلت بعض الأنظمة ترفض الاعتراف بالمقاومة بحجة اشتباهها بأنهم إخوان! والمصيبة أننا نجد اليوم من يعيد الكرة من جديد في الترويج لمثل هذه الجيوش بأنها هي الحامي والمنقذ!
طوال زمن الصراع مع المشروع الصهيوني كان شراء السلاح هو هاجس الأنظمة العربية، ولو كان يمكن حساب الأموال الخرافية التي أنفقت لشراء الأسلحة الشرقية والغربية على حد سواء لتسليح الجيوش العربية؛ لعجزت الأرقام التي يتداولها البشر عن تقديم رقم واضح ومفهوم للناس يعبر بدقة عنها.. لكنها بالتأكيد تبلغ رقماً مهولاً لو كان الحكام العرب فكروا برشوة بني صهيون بها مقابل ترك مشروعهم في استيطان فلسطين لوافق اليهود بالإجماع على ذلك!
••• لو أنصف المحبون للجيوش؛ بصرف النظر عن أسباب الحب والهيام؛ لتبنوا الدعوة لإبعاد الجيوش عن السياسة بنفس الحماس الذي يبدونه لإبعاد الإسلام عن السياسة، ولكان شعارهم هو: لا جيوش في السياسة ولا سياسة في الجيوش هو التجسيد لمصداقية حديثهم عن الديمقراطية والدولة المدنية، والحرص على الجيوش من التفكك والانغماس في مشاكل لا ناقة لها فيها ولا جمل. إذ كيف يمكن أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية واحترام للإرادة الشعبية والعسكر يطالبون لأنفسهم بحقوق السمع والطاعة، وهم الذين يعزلون المدنيين المنتخبين، ويدسون أنوفهم أو أحذيتهم في شؤون الدولة كما حدث عندما عيّن العسكر الانقلابيون في مصر نائباً سابقاً لهيئة العمليات العسكرية في الجيش المصري أميناً عاماً لمجلس الوزراء، وعدداً كبيراً من العسكر محافظين.. وأكملوا عملية إنقاذ مصر بتعيين لواء مستشاراً لوزير التربية والتعليم لشؤون.. تطوير التعليم ؟ وكيف تكون هناك دولة مدنية (بصرف النظر عن عدم صحة المصطلح) وسياسيون مدنيون، وحزبيون، ومثقفون ومفكرون عتاولة، وفنانون يصفقون للعسكر، ويتغنون بهم، ويرقصون لهم، ويتنازلون لهم عن الترشح في الانتخابات الرئاسية لأنهم: جيش وطني أنقذ مصر من الهاوية؟
••• كيف نصدق أن البعض يؤمن بعدم الإقصاء ورفض التهميش وهو لا يرى من ضحايا الصراعات القديمة إلا المنتسبين لحزبه فقط؟ ولا يرى مناضلين ضد الظلم والاستبداد إلا من كانوا معه؟ ولا يروّج لشهداء إلا لرموزه؟ ولا يطالب بإنصاف المظلومين والمبعدين إلا من دائرته، ولا يطالب برد الحقوق إلا لفئة معينة؟ حتى رسوم الشهداء وضحايا الصراعات والمخفيين والمخطوفين لا يتعدون فئة واحدة.. ثم بعد ذلك يملأون الدنيا حديثاً عن التهميش والإقصاء!
بيت من الشعر: وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا إذا لم يكن فوق الكرام كرامُ