كان طلاب جامعة صنعاء هم من أطلق الشرارة الأولى لثورة فبراير وقدموا تضحيات جسيمة من أجل التغيير وإنقاذ البلاد مما وصلت إليه، وكانت بوابة جامعتهم هي عنوان ورمز الثورة. إلا أن الثورة التي انتهت بتسوية سياسية لا ترقى إلى حجم التضحيات التي قدمها الشباب وفي مقدمتهم طلاب جامعة صنعاء، غادرت من ساحة التغيير إلى فندق موفنبيك وبقي حال جامعة صنعاء كما هو عليه.
تغيرت أسماء كثيرة لرؤساء الجامعة وعمداء الكليات منذ مطلع 2012 لكن الأوضاع المتردية والسياسات الجبائية والمعامل الخاوية بقيت على ما هي عليه، وزيارة واحدة الى الجامعة بمختلف كلياتها وما تشهده من فوضى إدارية وتسيب تجعلك على قناعة بأن الثورة التي اندلعت من بوابة الجامعة لم يصل منها شيء إلى داخل الجامعة.
تظاهر الطلاب ضد رئيس الجامعة السابق باسردة بعد أن اعتدت حراسته على طلاب متظاهرين يطالبون برحيله وتمكنوا من ترحيله، وظن الطلبة والعاملون في جامعة صنعاء أن ربيعاً جديداً بزغ في جامعتهم لكن آمالهم خيبت ووجدوا أنفسهم أمام رئيس جديد لم يحدث أي إصلاحات في العملية التعليمية والإدارية داخل الجامعة.
منذ مطلع العام الدراسي الجديد عاود الطلبة احتجاجاتهم ضد السياسات الجبائية المتمثلة في توسيع رقعة نظام التعليم الموازي والنفقة الخاصة على حساب نظام التعليم العام الذي تقلصت مساحته لتصل إلى 30% في بعض الكليات العلمية، مقابل التعليم الموازي الذي يمكن تعريفه بأنه نظام مدفوع الأجر لا يختلف عن الجامعات الخاصة.
وعلى الرغم من تصاعد الاحتجاجات المطالبة بإصلاح أوضاع الجامعة والرافضة لخصخصة التعليم والمتمثل في رفع رسوم التعليم الموازي، إلا أن الشرجبي يبدي عجزاً ملحوظاً أو تمنعاً عن إحداث أي إصلاحات على الجهاز الإداري للجامعة، كما يبدي ممانعة واضحة في إعادة النظر في رسوم ومساحة التعليم الموازي ونظام النفقة الخاصة الذي بات مرفوضاً من قبل مختلف الأوساط الطلابية سواء التي تشارك في الاحتجاجات أم تلك التي تبدي تعاطفاً مع الشرجبي لأسباب سياسية.
وبدلاً من أن يبدي رئيس الجامعة تفهماً لمطالب الطلاب - وهي واضحة- فإنه يلجأ لاتخاذ إجراء سهل وميسور بالنسبة له وهو تعليق الدراسة بسبب محاصرة الطلاب لأكاديميين في مبنى الجامعة.
أصبحت "محاصرة الطلاب لرئاسة الجامعة" عذراً ممجوجاً يهرب اليه رئيس الجامعة، وبات مبنى رئاسة الجامعة بالنسبة له بمثابة "كعبة" يحرم على الطلاب الاقتراب منها أو التظاهر أمامها، ويبدي الشرجبي وهو أستاذ علم اجتماع ممانعة غير مقبولة لفهم التحركات الطلابية التي تبدو له مجرد شغب و"محاصرة لرئاسة الجامعة".
فهل تعي الحكومة والقائمون على الجامعات أن الطلاب صاروا الآن أكثر وعياً ونضجاً من أن يرضخوا للعقوبات الجماعية المتمثلة في توقيف الدراسة، وأن يلتفتوا لمراجعة أدائهم وتصحيح الأوضاع الإدارية وتخليص الكليات من السماسرة والفاسدين.
وهل يمكن لرئيس الجامعة أن يتجه نحو تأهيل المعامل وتحديث إمكانيات الأقسام والكليات العلمية بعد أن أصبحت جامعة صنعاء، وهي الجامعة الأم، لا تختلف في أدائها وإنتاجها عن مدرسة لتعليم الكبار.
وبدلاً من أن ينشغل الشرجبي بابتكار نظم جبائية يمكنه أن يحوّل بعض الكليات إلى كليات إنتاجية، ويمكنه أن يستفيد من تجارب جامعات مشابهة في العالم والمنطقة، وأن يتذكر أن كلية الزراعة بجامعة بغداد كانت تزوّد العاصمة العراقية بالألبان والأجبان حتى في وقت الحصار الذي شهدته العراق.
ألا يستحي الدكتور الشرجبي وزملاؤه في رئاسة الجامعة وهم يمرون جوار كلية الزراعة ويرون ساحاتها قاحلة وحظيرتها خالية إلا من بضع جواميس يتربص بها الموت بجرعة مبيدات زائدة، هل يستطيع رئيس الجامعة أن يقول لنا كم أبحاث علمية محترمة تصدر عن جامعة صنعاء سنوياً، وإلى أي مدى يبدو مهتماً بمركز البحوث التابع للجامعة!