رغم اعتراضات العديد من الأصدقاء وبعض افراد الأسرة على فكرة السفر براً إلى عدن خوفاً من عدم سلامة ولا أمان الطريق للسفر وكثرة التقطعات إلا أنني قررت قضاء إجازة عيد الأضحى المبارك هناك في مدينة عدن الجميلة التي تحتل مكانة خاصة في نفسي كون أن عدداً من أفراد أسرتي وأقاربي من الدرجة الأولى من أهلها خلقوا وترعرعوا فيها وكانوا يحملون جوازات جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة وكنت أجد صعوبة كبيرة قبل الوحدة لزيارتهم وكانت الوحدة المباركة فرصة عظيمة للم شمل الأسرة الواحدة، واعتقد أيضاً أنها أيضاً كانت فرحة وفرصة عظيمة للم شمل العديد من الأسر اليمنية التي أجبرتهم ظروف العمل وكسب الرزق للتوزع في كل أجزاء الوطن ومحافظاته المختلفة شمالاً وجنوباً. إضافة إلى ذلك فإن لي العديد من الأصدقاء في مدينة عدن ومنذ أكثر من ست سنوات لم أزرهم ولا أتواصل معهم إلا عن طريق التليفون أو وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى وكانت اجازة العيد فرصة للتعرف أكثر على آراء الناس هناك ومعرفة انطباعاتهم عن الحراك الجنوبي وعن مؤتمر الحوار وعن ما تشهده الساحة السياسية من نشاط محموم بعد ثورة فبراير 2011. الطريق كان سلساً خال من أي تقطعات مليء بنقاط التفتيش التي يسبقها مطبات صناعية لتجبر السائق على الوقوف أمام هذه النقاط الأمنية إلا ان الملفت للنظر هو كثرة أسواق القات المنتشرة على جانبي الطريق التي تعيق حركة السير بشكل كبير كما أن انعدام النظافة والنظام في هذه الأسواق وتلك المدن واضح للعيان وبشكل ملفت ومقزز خاصة في محافظات ذمار و إب وتعز، فالوضع البيئي والصحي في هذه المحافظات بحاجة إلى اهتمام كبير من المسئولين هناك.
والشيء الصادم والملفت للنظر أيضاً هو مظاهر الفقر المدقع وكذا كثرة الفقراء وانتشار ظاهرة التسول بشكل كبير حيث تجد العشرات في كل مطب على الطريق يطلبون من المسافرين المساعدات المالية. (ظاهرة الفقر بحاجة إلى التفاتة عاجلة وفعالة من الدولة قبل أن يستفحل الأمر ويشكل تهديداً أمنياً جديدا يضاف للتهديدات الموجودة أصلاً).
أثناء اجازة العيد التقيت بالعديد من الأهل والأصدقاء في مدينة عدن الحبيبة وأستطيع أن الخص انطباعاتهم وآرائهم في النقاط التالية: 1-الناس ما زالت تشعر بالظلم الشديد مما تعرضوا له من تهميش سياسي متعمد قام به النظام السابق لأبناء الجنوب وإغفال نصيبهم من المناصب السياسية والخدمات العامة.
2-القرارات التي تم اتخاذها من قبل القيادة السياسية قبل عدة أشهر برد العسكريين إلى مناصبهم التي أبعدوا عنها لم تطبق إلا على القليل من أبناء الجنوب وما زال أغلبيتهم مبعدين عن وظائفهم.
3- لم يتم رد الأراضي المنهوبة في المحافظات الجنوبية لأصحابها حتى يومنا هذا وما زال الفاسدين من ناهبي الأراضي ينتفعون بما نهبوه من أراضي بدون مساءلة أو تحرك ملموس من القيادة السياسية يطمئن أهلنا في الجنوب، وكل ما قامت به القيادة السياسية هو تشكيل لجنة لرد المظالم ولا يعرف الشعب ولم يلمس أي نتائج لهذه اللجنة والتي مر على تشكيلها شهور عديدة.
4- ما زالوا يشعرون بأن الشمال مستمر في نهب ثروات الجنوب ولا يعرفون بأن ثلث ميزانية الدولة (وبحسب تقارير حكومية لا أدري مدى صحتها), يمول من المحافظات الجنوبية والثلثين تموله المحافظات الشمالية ولا توجد شفافية من قبل الدولة ولا جهاز اعلامي فاعل يوضح للشعب اليمني حقائق الأوضاع الاقتصادية وجوانب التمويل لميزانية الدولة وصدور مثل هذا التقرير الاقتصادي بشكل دوري سيجيب على العديد من الشائعات التي تستغل للترويج للانفصال.
5-عدد كبير ممن التقيتهم ما زالوا يشعرون بأن نظام علي صالح مازال يحكم وأن القيادة السياسية الحالية ليس بيدها مفاصل الدولة ولا تستطيع فرض الأمن والنظام أو حماية الخدمات الضرورية كالكهرباء وتأمين الطرقات وتوفير المشتقات النفطية للمواطن بشكل سلس.
6-غالبية من التقيت بهم هم في داخلهم يفضلون استمرار الوحدة ولكن بشرط رفع الظلم وأن يكون الجميع سواسية أمام القانون وتحسين الخدمات العامة والأمن والاستقرار.
7-الجميع مستاء بشكل كبير مما آلت إليه الدولة من فوضى أمنية وأصبحوا يترحمون على دولة الحزب الاشتراكي في الجنوب سابقاً التي يقولون انها كانت توفره لهم من أمن واستقرار وخدمات.
8-معظم المطالبين بالانفصال هم مواطنون عاديون وليس مدفوع لهم كما يشيع البعض وأحسست بأن ورقة الانفصال هي للضغط السياسي على الحكومة المركزية وأنهم سيتراجعون عن هذا المطلب إذا ردت المظالم وعاد الاستقرار الأمني وتم كبح الفوضى الأمنية التي يقف وراءها رموز النظام السابق والتدخل الخارجي.
9-السياسيون وبعض قادة الحراك الجنوبي الذين يظهرون على شاشات الفضائيات في الداخل والخارج لم أشعر بأن لهم شعبية كبيرة أو تعاطف شعبي كبير ولكن البعض يتظاهر معهم ليس حباً فيهم أو تأييدالهم أو رغبة في الانفصال بقدر ما هو سخط كبير على الحكومة المركزية بسبب التردي الكبير للأوضاع المعيشية والاقتصادية.
10- لا يهتم أحد بأن يكون الرئيس من الشمال أو الجنوب المهم أن يكون إنسان عادل يحس بهم وينصفهم ويحسن من أوضاعهم المعيشية ولاقتصادية والأمنية. هذا تحليل سريع ومتواضع عن وضع أهلنا في جنوب الوطن وأعتقد أن مطالبهم جوهرية وأساسية لا يطالب بها أهل الجنوب بل هي مطالب وحقوق لكل مواطن يمنى نتمنى أن تأخذها قيادتنا السياسية بمحمل الجد إذا كانت جادة في الحفاظ على وحدة هذا الوطن والله الموفق.