تتعرض منطقة دماج في محافظة صعدة إلى حرب وصفت في بعض التقارير الحقوقية والإعلامية بحرب إبادة جماعية في مكان معزول عن العالم وعن وسائله الإعلامية. أقل الأوصاف أطلقته لجنة الصليب الأحمر الدولية في بيان أخير واعتبرت الوضع هناك بأنه حرج للغاية ومأساوي وان عدد كبير من الجرحى المدنيين في خطر. وعبرت المنظمة الدولية عن أسفها لمنع فريقها من دخول المنطقة عدة مرات لإسعاف الجرحى لولا أنها لم تحدد الطرف الذي منع دخولها إلى المنطقة. لكن الكثير من المراقبين يدركون من هو ذلك الطرف، فالمنطقة تتعرض لحرب غير متكافئة بين جماعة دعوية مغلوبة على أمرها وموجودة في المنطقة منذ ثمانينات القرن الماضي ولم يعرف عنها أي نزوع نحو العنف المسلح وبين جماعة مسيطرة بشكل كامل على محافظة صعدة وتمتلك مختلف أنواع الأسلحة وتسعى للحكم خارج المحافظة بقوة السلاح مستغلة الظروف التي هيأتها ما بات يعرف بثورات الربيع العربي. وبحسب بعض التصنيفات الشعبية، تعتبر جماعة الحوثي إحدى المخرجات السيئة للثورة الشبابية الشعبية في اليمن ليس بسبب كونها جماعة متمردة على الدولة وتؤمن بنظرية الاصطفاء الإلهي في الحكم وتحوز الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وتعتبر بمثابة دولة داخل الدولة فحسب، ولكن لأن الثورة أتاحت للجماعة الظهور السياسي والإعلامي والتوسع الميداني خارج محافظة صعدة بقوة السلاح. غير ان الثورة بريئة من هذه الاتهامات لأن جماعة الحوثي كغيرها من التكتلات والتيارات كانت قد أعلنت انضمامها للثورة بداية العام 2011، وشارك أفرادها في اعتصامات ساحة التغيير بصنعاء وكان من الصعب إجراء عملية فرز بين المنضمين حقيقة للثورة والراكبين موجتها.
يصور الحوثيون جماعة السلفيين في منطقة دماج على أنها جماعة تكفيرية مارقة وتركز وسائل إعلامهم على تواجد العنصر الأجنبي في أوساط الجماعة في رسالة تحريض واضحة للخارج، بينما المعروف عن هؤلاء الطلاب أنهم جاؤوا للتزود بدراسة العلوم الشرعية والجماعة تعمل في نفس المنطقة منذ ثلاثة عقود، ولم يسبق ان سمع الناس عن هؤلاء الطلاب أي نزوع للعنف المسلح أو الانضمام للجماعات المسلحة، وقد تكون المشكلة الوحيدة للسلفيين كجماعة دعوية أنها تعيش في عداء مع العصر ومع وسائله الإعلامية والتصوير الصحفي تحديدا، وهي الآن تدفع ثمن هذا النوع من التفكير.
ويبدو ان التطورات الأخيرة ستفرض على الجماعة الكثير من المراجعات لأفكارها السابقة وهو ما حدث بالفعل في مصر واليمن، حيث قررت الجماعة دخول معترك السياسية بتأسيس حزب الرشاد وإنشاء قناة إعلامية ناطقة باسم التيار السلفي تدعى "يسر"، الا ان الممارسة السياسية والأداء الاعلامي مقارنة بالحوثيين لا زالا دون المستوى المطلوب.
في الحروب الستة السابقة، كان الإعلام المعارض لنظام صالح ينقل مظلومية الحوثيين أولاً بأول من محافظة صعدة، ويحاول الحوثيون الآن صرف الأنظار عن هذه الحقيقية والادعاء بغير ذلك، فيما المحافظة اليوم باتت محرمة على الصحفيين الا اذا كانت التغطية تسير في اتجاه واحد، وقد فشلت كل المحاولات لكسر طوق الحصار المفروض على منطقة دماج، وهذا ما يستدعي من وسائل الإعلام الحرة بذل جهود كبيرة لنقل الحقائق من هناك.