أدى دور الإعلام المعارض الحزبي والمستقل في تفجير ثورات الربيع العربي إلى ترسيخ قناعة لدى رموز الأنظمة المتساقطة: أنه لولا الإعلام المعارض ووسائل التواصل الاجتماعي الجديدة ما نجحت ثورات الربيع العربي ضدها، وأن عجز الإعلام الرسمي وجموده وتقليديته كان سببا رئيسيا في الفشل، وأن الحل هو في دخول هذا الميدان بقوة غير محدودة وبزخم هائل: ماليا وتقنيا، وتحويل الإعلام المؤيد إلى مدفعية ثقيلة تقود معاركهم الانتقامية مع أعدائهم، وتمهد لإسقاط ثورات الربيع العربي، وقواها، وتؤكد للشعوب أنها كانت غلطة كبيرة! في الأنموذج المصري نجحت الفكرة إلى حد كامل أسهم في تهييج الشارع ضد أول سلطة مدنية منتخبة؛ بدعوى أن العهد الجديد لم يحقق أهداف الثورة، وفشل في إدارة الدولة (في 3 أشهر)، ومن ثم صار واجبا أن يتنحى عن الحكم.. وبالتوازي مع الدور الإعلامي المسموم المبالغ في فجوره ؛الذي أدته قنوات رجال أعمال حسني مبارك؛ ومؤيدا بأجهزة الدولة العميقة: العسكرية والأمنية والمدنية نجحت المرحلة الأولى من مخطط إسقاط ثورات الربيع العربي، وها هو أول رئيس مدني مصري يحاكم على أيدي رجال لصوص.. الانتقام! وفي المقابل تزداد أوضاع البلاد تدهورا، وتفشل السلطة الانقلابية – رغم الدعم الخليجي الوافر – في إدارة البلاد وتحقيق إنجازات بعد خمسة شهور من تمكنها من حكم مصر حكما كاملا حقيقيا؛ وليس كما كان الوضع أيام د. محمد مرسي.. بالإضافة إلى تدهور حالة الحريات وحقوق الإنسان التي كانت من منجزات ثورة 25 يناير، ولقي المعارضون السلميون انتقاما دمويا لم تعرفه مصر؛ فلأول مرة يقتل الجيش والأمن المصري المواطنين بهذه الفظاعة والحقارة، وبهذا العدد الضخم الذي بلغ الآلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى والمعتقلين! ولأول مرة تحاصر القرى بهمجية جيوش الاحتلال، وتقتل النساء والأطفال، وتهدم البيوت دون رحمة.. وعلى مرأى ومشهد من العالم كله!
لن تكون التجربة المصرية في استخدام الإعلام للانقلاب على الحكم المدني، واستعادة دولة مبارك الاستبدادية هي مضمون كلامنا هنا.. ما يهمنا هو تسليط الضوء على التجربة اليمنية التي تريد استنساخ التجربة المصرية.. ليس فقط لأن المخرج واحد في الحالتين، والهدف واحد في البلدين بحكم أن المصيبة التي لحقت بالنظامين السابقين كانت متشابهة (والمصائب يجمعن المصابينا!).. ولكن لأن حلم العودة إلى السلطة من جديد ما يزال يهيمن على عقول النسخ اليمنية من مبارك وابنيه، وأعوانه.. وهذا الحلم تعزز بالانقلاب العسكري في مصر على سلطة منتخبة ممثلة لأبرز قوى الثورة المصرية، وكان لها دور حاسم في أحداثها أي أنها لم تكن متسلقة ولا طارئة، والمؤسف أن كل ذلك تم بدعم من قوى الغفلة الثورية التي فشلت في الانتخابات خمس مرات متتالية فآمنت أن خيار: العسكر هم الحل هو الرد النافع الوحيد على قوى: الإسلام هو الحل!
••• من المؤسف أن الصف الثوري في اليمن لم يعد بذلك الاصطفاف المتين الذي كان عليه في الماضي القريب، فالاصطفاف السياسي صار على خطر عظيم، وخاصة عندما ينبري من هم في قيادة المشترك لرشق زملائهم في القيادة، وحلفائهم بأقذع التهم والألفاظ قليلة الحياء.. أما الاصطفاف أو التناغم الإعلامي تحديدا الذي كان يجتمع على مواجهة الخصم المتربص المهيمن على البلاد والعباد فحدّث عنه لا حرج! وصار همّ بعض الوسائل الإعلامية لقوى الثورة اليمنية ؛ ومجموعة من كتابها؛ هو النيل من حلفائهم أكثر من مواصلة المعركة حتى النصر الكامل ضد العدو المتربص.
وبصرف النظر عن الأسباب والمبررات؛ وحتى لو كان السبب المعلن هو نقد الأخطاء، ورفض الممارسات غير الصحيحة؛ فقد يمكن أن يتم ذلك في إطار النقد والنقد الشديد ؛ولا نقول النصيحة؛ المؤيد بالقرائن الموجه ضد أي خطأ دون شخصنة النقد أو تحزيبه.. كما حدث أن قالت من توصف بأنها قيادية في أحد أحزاب اللقاء المشترك – في إطار نقدها لسوء الخدمة الكهربائية- بأنه يكفي د. صالح سميع وزير الكهرباء سوءا أنه.. إصلاحي!
والمؤسف أنه في هذا السياق تم تحويل العلاقة إعلاميا بين مكونات اللقاء المشترك إلى معركة صليبية (بمعنى حياة أو موت وليس بمعنى الكفر والإيمان!) مارستها صحف مشتركية (وشارك فيها قيادات في أعلى المستويات الحزبية!) وبإسفاف جعلها تنافس إعلام المخلوع نفسه بل تسابقه في تحقيق أهدافه، ولولا أن إعلام النظام السابق يديره مجموعة من الانتهازيين الإعلاميين؛ لكان المفيد لخطتهم في شيطنة الثورة الشعبية ورموزها ترك بعض الإعلام المشتركي يؤدي دور الهجوم على بعضه بعضا، ففي ذلك نتيجة أضمن من إعلام المخلوع الذي لا يثق به غير المؤتمريين! وكذلك استدرج البعض من داخل الصف الثوري ليجعل من تناقضه مع النظام السابق تناقضا ثانويا مقابل تحويل تناقضه مع حلفائه إلى التناقض الرئيسي الذي يتصدر اهتماماته وجنونه وعقده التاريخية والنفسية.. ورأينا هؤلاء يسارعون للانضمام إلى كتائب المخلوع الإعلامية للنيل من أعداء المخلوع.. ولو كانوا يعون أنهم صاروا لعبة في يد المخلوع يستغل أحقادهم وعماهم التاريخي لما رضوا أن يصطفوا معه.. ولو كان لهم وجهة نظر ولو كانت من النوع الحدي لكان بإمكانهم أن يعبروا عنها بطريقة أرقى وفي وسائل غير هذه التي تجعل كلامهم أشبه بمن يؤذن في.. غرزة!
في قابل الأيام؛ سيكون حديثنا أكثر تفصيلا عما سبق من إجمال، بهدف كشف المخطط الإعلامي للنظام السابق الذي يستحسن أن نصفه ب "مخطط خلفان خلف الله خلائف" استئناسا بالدور المبكر لضاحي خلفان صاحب شرطة دبي في التهريج على الربيع العربي.. وكذلك لأن فكاهة ما سنعرضه من الخطاب الإعلامي لإعلام المخلوع يستدعي بالضرورة الصورة الفكاهية للمحامي المضحك في مسرحية شاهد ما شافش حاجة: خلفان خلف الله!