في الآونة الأخيرة أصبح من المثير للاستغراب والاشمئزاز معاً أن تُظهر مكونات ثورة 11 فبراير خلافاتها فيما بينها على السطح دون مراعاة تذكر لأولئك المعتقلين والجرحى أو أسر الشهداء وقبل أن تُكمل الثورة أهدافها، فلقد نست هذه المكونات أو تناست من أجل من ولماذا خرج الشباب إلى الشوارع! وكأنّ المخلوع يوجهها بتحكم مركزي لكي تصب جلّ غضبها وتشير بأصابع الاتهام تجاه بعضها بعضاً بهدف إفساد ذات البين، وهو بذلك يثنيها عن التصدي له ولبقايا عائلته وحرف مسار الثورة عن أهدافها الحقيقية. كان المخلوع فيما مضى يوجه إعلام الدولة الممول من قوت الشعب كيفما شاء وأينما شاء ليسبح بحمده ليل نهار (أليس هو محقق الوحدة وباني النهضة ومحقق آمال وتطلعات هذا الشعب المغلوب على أمره)، وفي الوقت ذاته كان هناك إعلام يصف نفسه بالمعارض، لكنه كان في حقيقة الأمر لا يعارض إلا من كان يتوجس منهم المخلوع ويقوم بتشويه صورهم أمام الناس ويسوق لهم الاتهامات لأنه كان إعلام يُموّل من قبل المخلوع شخصياً هو ونجله! كانت كثير من فئات الشعب تنساق دون وعي منها أو انتباه وراء معظم ما يحاول أن يدسه المخلوع من سم، ويرددون في المجالس والدوائر الحكومية وحتى على وسائل النقل العام ما يبثه إعلامه المسمي نفسه بالإعلام المعارض، ولم ينجُ أحدٌ من تجرع هذا السم، سواء كانوا أناساً عاديين أو من طبقة المثقفين والمتعلمين أو حتى من السياسيين الذين يفترض فيهم الحصافة والتنبه ل«بروباغاندا» السياسية، إلا من رحم ربي.
كان ذلك إبان حكم المخلوع، ولكن أن يستمر إعلام المخلوع بعدما أسقطته ثورة 11 فبراير في نشر سمه وخزعبلاته وتجد من لا تزال آذانه صاغية لكل ما يُبث ويتم تعاطيه بلغطٍ كبير من قبل المحسوبين ضمن مكونات الثورة، إما بسبب نعرات طائفية أو مناطقية أو خلافات شخصية أو عقد نقص فهذا حقاً يجعل الثوار الصادقين يشعرون بالأسى والاستغراب والاشمئزاز معاً. والغريب أكثر أن تكون هذه الآذان الصاغية في بعض الأحيان هي لصحفيين أو مثقفين أو ناشطين محسوبين على الثورة كانوا قد تباروا في بدايات ثورة 11 فبراير في سباق إنجاحها، واليوم نراهم يتسابقون في الهجوم على المكونات الثورية دون وعي منهم يذكر.
إن ما يجري اليوم من تبادل للتهم ونقد لاذع بين مكونات الثورة يدعو الجميع إلى إعادة هيكلة العقول قبل هيكلة الجيوش، فمن الواجب عليهم عدم التخوين أو إلقاء التهم جزافاً على أي مكون من مكونات الثورة حتى وإن وجد الدليل فيجب التحقق منه وتقصي الحقيقة على الأقل لكي لا يعطوا المخلوع وإعلامه فرصة الشماتة منهم، يجب على مكونات الثورة أن تتحاسب وتتعاتب فيما بينها وتسعى إلى إصلاح ذات البين وأن تواري سوءاتها فيما بينها بعيداً عن أعداء الثورة وكل من يحاول الصيد في الماء العكر. ففي الآونة الأخيرة بدأ غثاء سيل الثورة يطفو على السطح وأصبح هذا الغثاء لا هم له سواء انتقاد وتجريح مكونات الثورة، وكأن الشعب قد قضى على نظام المخلوع نهائياً ولم يتبقَّ سوى مهاجمة مكونات الثورة.
على صفحتها في الفيس بوك، كتبت ناشطة حقوقية وصحفية قُبيل ثورة 11 فبراير في تعليق لها على موضوع خروج المسيرات وإقامة الاعتصامات رداً على سواءل أحد المعلقين «هل ستخرجين مع الإصلاحيين؟» فأجابت «سأخرج حتى مع الجن المهم أن يسقط النظام»، واليوم في صفحتها على الفيس بوك وفي مواضيع مقالاتها لم تعد تهتم من بعيد أو قريب بالمخلوع الذي لليوم لا يزال يحكم ظاهراً وباطناً، بل تغيرت اهتماماتها نحو محاربة «الوهابيين الإصلاحيين» (حسب زعمها) وكأن الإصلاحيين هم من حكم اليمن طيلة ال 33 سنة الماضية وكأن الشعب ظلم المخلوع بخروجه على «ولي الأمر» ومطالبته بإسقاطه، وكان الأجدر بالشعب الخروج لإسقاط «الإصلاحيين الوهابيين الإخوانيين السلفيين الظلاميين ...إلخ!» هل لازال هناك مزيد من المسميات؟
إن الطريقة التي تناول فيها إعلام المخلوع سوء التفاهم الذي حدث بين رئيس الوزراء وبعض الشباب الذين اعترضوا على كلمته في المؤتمر الأول لحقوق الإنسان هي فعلاً مثيرة للشفقة، فقد تعاطاها إعلام المخلوع بمبالغة شديدة لدرجة أنه وصف الشباب الذين اعترضوا على كلمة رئيس الوزراء ب«شباب الثورة»! رغم أنه لا يعترف أصلاً بالثورة وإنما فعل ذلك كي يجد آذاناً صاغية من مؤيدي الثورة ومكوناتها لتجرع السم الذي يبثه ولو على حساب اعترافه بالثورة وبشباب الثورة.
لقد كان من الحصافة أن قرر ووافق حكماء المشترك على أن تكون الفترة الانتقالية فترة مرحلية تلي خروج المخلوع من الحكم بحيث لا يكون فيها انتخابات مثلما حدث في دول الربيع العربي ولكي لا يتمكن المخلوع ومعه زبد الثورة من توجيه ما بهم من حقد أسود وأساليب ملتوية لسلب الشعب المزيد من سبل الحياة حتى الهواء الذي يستنشقه أن استطاعوا، فهاهم يوجهون أسلحتهم بمختلف أنواعها وأحجامها لتحطيم هذه الثورة وجميع مكوناتها. ولو تُرك لهم المجال لينالوا من إحدى مكونات الثورة فهم بالتأكيد سيسعون للنيل منها جميعا.
فلذا من الواجب على الجميع، وبالدرجة الأساسية صناع القرار وقادة العمل الثوري وممن لا يزال لديهم ولو ذرة من الحكمة التي وصف بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم اليمنيين عندما قال «الإيمان يمان والحكمة يمانية» أن يتيقنوا بأن زبد الثورة سيذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، هذه سنة الله سبحانه وتعالى، ولابد لجميع هذه المكونات أن توحد رؤاها وتجمع شتات أمرها حول هدف واحد وهو الهدف الذي أخرج المظلومين من كافة فئات الشعب إلى الشوارع في 11 فبراير والتف الجميع حوله وهو إسقاط النظام الفاسد بجميع مكوناته وليس إسقاط مكونات الثورة.